الاقتصادات الناشئة والتمويل الأخضر.. أهم أوراق قمة "الميثاق" في باريس
على طاولة قمة "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد" التي انطلقت فعالياتها اليوم بباريس، نوقشت ورقة بحثية جديدة حول تمكين الاقتصادات الناشئة من التمويل الأخضر العالمي.
تحمل الورقة، التي اطلعت "العين الإخبارية: على نسخة منها، عنوان "تحرير التحول الأخضر في البلدان النامية مع ضمان جزئي للنقد الأجنبي"، وتقترح مجموعة من الطرق المبتكرة لتوفير التمويل -الميسور التكلفة- لمشاريع الطاقة المتجددة في الاقتصادات الناشئة والنامية.
قدم الورقة البحثية للموائد المستديرة بالقمة أفيناش بيرسود، مبعوث رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي لتمويل المناخ.
تجمع القمة مائة من رؤساء الدول والحكومات، ورؤساء بنوك التنمية المتعددة الأطراف، و120 منظمة غير حكومية، و70 شريكاً من القطاع الخاص، و40 منظمة دولية، من أجل تحديد أسس النظام المالي الجديد لمواجهة التحديات العالمية المشتركة.
مشكلة التمويل الأخضر في البلدان النامية
تقول الورقة في مقدمتها إنه على مدى السنوات الـ270 الماضية ساهمت أمريكا الشمالية وأوروبا بنسبة 70 في المائة من مخزون ثاني أكسيد الكربون الحالي، غير أن البلدان النامية تمثل الآن 63 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة.
ولكي يتجنب العالم تخطي خطوط التحول الحرجة بالنسبة للمناخ والطبيعة والكوكب ككل، فلا بد من زيادة الاستثمارات الخضراء في الاقتصادات الناشئة وبسرعة.
وفقا للورقة، استخدمت البلدان المتقدمة بالفعل 86 في المائة من ميزانية الكربون العالمية، ويتسبب استخدام المزيد من هذه الميزانية في زعزعة استقرار الأنظمة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية على كوكب الأرض.
يعني ذلك أنه مع قيام البلدان النامية بالتصنيع والتنمية يجب أن تكون مسارات تنميتها مختلفة عن تلك التي استخدمتها الدول المتقدمة في الماضي، كما يجب أن تنطوي تلك المسارات على تحول أخضر سريع.
على الرغم من ذلك، يعوق ارتفاع تكلفة رأس المال خطط التحول الأخضر في البلدان النامية، التي هي في أمس الحاجة إليها.
تشير تكلفة رأس المال عموما إلى جميع التكاليف المتكبدة للحصول على تمويل لمشروع أو استثمار جديد، وهي أعلى بكثير في البلدان النامية منها في البلدان المتقدمة.
وفق الورقة، يجب أن تصل الاستثمارات الخضراء في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة، بخلاف الصين، إلى 2.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030، لتحقيق تحول أخضر على النطاق المطلوب.
هذا الرقم أعلى بكثير مما تستطيع الحكومات في البلدان النامية تمويله بنفسها، وهذا يعني ضرورة إدخال رأس المال الخاص.
في الوقت الحالي يمول القطاع الخاص 81 في المائة من الاستثمارات الخضراء في البلدان المتقدمة، أما في البلدان النامية فيمول القطاع الخاص 14 في المائة فقط من الاستثمارات الخضراء.
على الرغم من أن تكاليف الطاقة المتجددة فقد انخفضت بمرور الوقت، فإن ارتفاع تكلفة رأس المال لا يزال يعوق الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة ويجعلها غير ميسورة التكلفة في العديد من البلدان النامية.
وفقا لورقة بيرسود، يمكن تقسيم تكلفة رأس المال إلى ثلاث مكونات: معدل عائد خال من المخاطر يحتاجه المستثمرون لاستثماراتهم، وعلاوات المخاطر الكلية، وعلاوات المخاطر الجزئية.
تشمل علاوة المخاطر الكلية مخاطر الائتمان السيادية والمخاطر السياسية ومخاطر العملة.
تنعكس هذه المخاطر في العائدات المرتفعة التي يتعين على حكومات البلدان النامية أن تدفعها للمستثمرين المحتملين لشراء سنداتها.
على سبيل المثال، عرضت حكومة جنوب أفريقيا مؤخرا على المستثمرين عائدا بنسبة 12 في المائة عندما اقترضت أموالا لمدة 10 سنوات، في حين دفعت الحكومة الألمانية للمستثمرين 1 في المائة فقط.
وفقا للورقة البحثية، فإن علاوات المخاطر الجزئية إما متشابهة وإما أصغر في الاقتصادات الناشئة الصناعية مقارنة بالدول المتقدمة، ما يعني أنها ليست سبباً في ارتفاع تكلفة رأس المال.
يشير ذلك بكل وضوح إلى أن علاوات المخاطر الكلية هي المسؤول الأول والوحيد عن ارتفاع تكلفة رأس المال في الاقتصادات الناشئة، بجانب أنها مبالغ فيها لحد كبير.
الحل.. وكالة ضمان جزئي للعملات، لذلك تقترح الورقة استهداف المخاطر الكلية من أجل خفض تكلفة رأس المال في الاقتصادات الناشئة.
حللت الورقة المبالغة في تقدير المخاطر الكلية ومخاطر الصرف الأجنبي من خلال حساب تكلفة التحوط من مخاطر العملات الأجنبية (حيث توفر أسواق الصرف الأجنبي بديلا للمخاطر الكلية الأخرى).
التحوط في الفوركس (FX) هو توفير الحماية من خطر التقلبات المستقبلية لأسعار الأصول أو العملات الأجنبية.
أما تكلفة التحوط هي الفرق بين السعر الذي يمكن به شراء عملة أجنبية بالعملة المحلية في المستقبل (السعر الآجل) والسعر الذي يمكن شراء نفس العملة به اليوم (السعر الفوري)، ويمكن التعبير عنها كتكلفة سنوية للنسبة.
وجدت الورقة أنه كان هناك مدفوعات زائدة على تحوطات العملات الأجنبية تاريخيا بمتوسط 2.2 في المائة سنوياً، عندما تكون التكلفة أقل من المتوسط المتحرك لمدة ثلاث سنوات.
اقترحت الورقة حلا لهذه المشكلة في شكل "آلية ضمان جزئي للعملات الأجنبية" من خلال وكالة مشتركة، يتم تأسيسها ضمن النظام المالي الجديد، بين بنوك التنمية متعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي، والتي يمكن أن تقدم ضمانا جزئيا للعملات الأجنبية في أوقات محددة وتجمع مخاطر العملة.
اقترح بيرسود أنه من أجل تجنب الخسائر يمكن للوكالة المقترحة الانتظار حتى تكون تكاليف التحوط أعلى من متوسط ثلاث سنوات.
يمكن لهذه الوكالة الضامنة أيضاً أن توفر للمستثمرين التحوط بتكاليف مخفضة بمبالغ فائضة تاريخية، بالإضافة إلى خفض تكاليف السوق الحالية إلى النصف وتوفير الحماية لمخاطر الصرف الأجنبي المستقبلية.
يمكن أن يقلل هذا من تكلفة رأس المال بالنسبة للبلدان النامية ويوفر عوائد كافية تحوط للعملة لجذب المستثمرين إلى أسواق البلدان ذات الاقتصادات الناشئة، وفقا لبيرسود.
مبادرة بريدجتاون
تعد هذه الورقة البحثية جزءا من خطط "مبادرة بريدجتاون"، التي أطلقتها رئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي في COP27، لاقتراح خطة عمل تحويلية لإصلاح النظام المالي العالمي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية.
تدعو مبادرة بريدجتاون لاتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لمزيج غير مسبوق من الأزمات يواجه العالم، ويتمثل في أزمة تكلفة المعيشة الناجمة عن الوباء والحرب في أوكرانيا، وأزمة الديون في البلدان النامية في أعقاب الجائحة والكوارث المتعلقة بالمناخ، بجانب أزمة المناخ نفسها، وآثارها الضارة من جفاف وفيضانات وغيرها.
تتضمن أجندة بريدجتاون لإصلاح الهيكل المالي العالمي ثلاث خطوات، تهدف في النهاية لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة للبلدان النامية، وتمهيد الطريق نحو نظام مالي جديد يقود الموارد المالية نحو العمل المناخي وأهداف التنمية المستدامة.
تتمثل الخطوة الأولى في توفير السيولة على الفور لوقف أزمة الديون في مساراتها، ودعوة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي إلى إعادة الوصول للتسهيلات الائتمانية والتمويلية السريعة غير المشروطة إلى مستويات الأزمة السابقة، وتعليق مؤقت لرسوم الفائدة الإضافية، وإعادة توجيه ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة غير المستخدمة (SDRs) لمن يحتاجون إليها، وتفعيل صندوق المرونة والاستدامة.
تزامناً مع ذلك، يجب أن توافق مجموعة العشرين على مبادرة طموحة لتعليق خدمة الديون تشمل جميع قروض بنك التنمية متعدد الأطراف إلى البلدان الأشد فقراً، والقروض المتعلقة بفيروس كوفيد لذوي الدخل المتوسط.
كما يجب أن يساعد المصدرون الرئيسيون للديون للأسواق في تطبيع شروط الكوارث الطبيعية والجائحة في جميع أدوات الدين لامتصاص الصدمات بشكل أفضل.
فيما تتمثل الخطوة الثانية في توسيع الإقراض متعدد الأطراف للحكومات بمقدار تريليون دولار أمريكي، مع ضرورة أن يعطي الإقراض الميسر الجديد الأولوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في كل مكان، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في البلدان المعرضة للخطر.
أما الخطوة الثالثة فتتمثل في تفعيل مدخرات القطاع الخاص للتخفيف من حدة تغير المناخ وإعادة بناء الأموال بعد وقوع كارثة مناخية من خلال آليات جديدة متعددة الأطراف.
يشمل ذلك آلية عالمية لجمع منح إعادة الإعمار لأي بلد تعرض للتو لخطر كارثة مناخية.
بجانب إصدار جديد بقيمة 500 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (650 مليار دولار أمريكي) أو أدوات أخرى منخفضة الفائدة وطويلة الأجل لدعم وكالة متعددة الأطراف تسرع الاستثمار الخاص في التحول منخفض الكربون، حيثما كان ذلك أكثر فعالية.