الدعم والأضرار والخسائر.. التمويل مسألة مبدأ في COP28
تمثل الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والعديد منها شديد التأثر بمخاطر المناخ.
لذا، ستحتاج هذه الاقتصادات إلى تمويل كبير في السنوات القادمة للحد من الانبعاثات والتكيف مع الآثار المادية لتغير المناخ.
مؤتمر المناخ كوب 28
سيكون عام 2023 عامًا تاريخيًا لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث ستستضيف البلاد الدورة 28 لمؤتمر الأطراف (COP28) لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ويعتبر COP28 مهمًا بشكل خاص؛ لأنه يمثل نهاية أول عملية تقييم عالمية، والتي بدأت في COP26 في غلاسكو Stocktake، وهي عملية تحدث كل سنتين. ويقيم التقدم الجماعي الذي تم إحرازه بموجب اتفاق باريس ويحدد مجالات العمل الإضافي والدعم. فضلًا عن أن هناك حقيقة مثيرة للاهتمام، وهي أن الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف ستتزامن مع اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يصادف الثاني من ديسمبر، وسيستضيف الحدث أكثر من 80 ألف مندوب، بما في ذلك 140 رئيس دولة وحكومة، الذين سيتأملون ويتخذون قرارات بشأن قضايا بيئية مهمة، ومن أهمها دعم قضية تمويل المناخ.
- رائد المناخ للرئاسة المصرية يتحدث عن "فرصة" في صندوق الخسائر والأضرار
- رئاسة COP28 تختار 100 مشارك في "برنامج مندوبي الشباب الدولي للمناخ"
دعم قضية تمويل المناخ
تعاني الكثير من الدول من ديون مرتفعة وميزانيات محدودة بسبب الوباء ويواجهون ارتفاعًا في تكاليف الاقتراض الحكومي وسط ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، ما يجعل من الصعب بشكل خاص، تلبية احتياجات التمويل المناخية المُلحة. هذا، وتُجدر الإشارة إلى أن تعبئة رأس المال الخاص على نطاق واسع ستكون أساسية لتحقيق الأهداف المناخية؛ حيث لا تستطيع الأسواق المالية وحدها القيام بهذه المهمة، ولكن الجمع بين رأس المال العام والخاص يوفر مزايا فريدة من خلال تقليل مخاطر الاستثمار وجذب المزيد من التمويل. وفي ضوء ذلك، يُمكن لبنوك التنمية المتعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية تقديم الدعم من خلال إنشاء هياكل تمويل مختلطة لتغيير صورة المخاطر والعائد من أجل التحول المناخي في الاقتصادات الناشئة.
مما لا شك فيه، أن تتويج إنجازات COP27، هو قرار إنشاء صندوق للاستجابة للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ؛ حيث إنه بعد عقود من الدعوات لمثل هذا الصندوق من البلدان المعرضة لتغير المناخ، يمثل معلمًا هامًا سيساعد في معالجة عدم التوازن الجغرافي بين سبب وتأثير تغير المناخ.
بشكل عام، يهدف صندوق الخسائر والأضرار في المقام الأول إلى مساعدة البلدان النامية (التي عادة ما تكون الأكثر ضعفًا وتتأثر بآثار الاحتباس الحراري)، ويهدف إلى تغطية تكلفة الأضرار التي تسببها الكوارث الطبيعية المتعلقة بالاحترار العالمي، على سبيل المثال حرائق الغابات، ارتفاع منسوب مياه البحر، موجات الحر، الجفاف، تلف المحاصيل، وغيرها. وبما أن الدول الأفقر مسؤولة بشكل هامشي فقط عن تغير المناخ، فقد تم الاتفاق على أن أغنى البلدان يجب أن تشارك في تمويل ديونها المتعلقة بالمناخ. وبالتالي، بدون صندوق الخسائر والأضرار، غالبًا ما تُترك البلدان النامية بلا خيار آخر سوى اقتراض الأموال للتخفيف من عواقب الظواهر المناخية الشديدة. وفي هذ الصدّد، تُشير التقديرات إلى أن أفريقيا على وجه الخصوص هي الأقل مساهمة في تغير المناخ لكنها معرضة بشكل خاص للآثار الجانبية، وبالتالي ستحتاج القارة إلى إنفاق على التكيف مع تأثير الاحتباس الحراري، ما يعادل 5 أضعاف ما ستنفقه على الرعاية الصحية.
بينما يمكن بلا شك الإعلان عن صندوق الخسائر والأضرار، باعتباره مكسبًا للبلدان منخفضة الدخل التي تشعر بوطأة تغير المناخ، فإن التفاصيل المتعلقة بكيفية عمل الصندوق تترك الكثير مما هو مرغوب فيه. هذا، وتُجدر الإشارة إلى أن هدف تمويل التكيف البالغ 100 مليار دولار، والذي تم تحديده في عام 2009 في مؤتمر الأطراف الخامس عشر لم يتم تحقيقه بعد من قبل البلدان ذات الدخل المرتفع. على الرغم من وجود خسارة يومية تزيد على 200 مليون دولار بسبب المناخ السيئ، لم يتوصل مفاوضو الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف إلى اتخاذ موقف بشأن تمويل التكيف. هذا، وسيشهد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون بالتأكيد إنشاء إطار عمل للهدف العالمي للتكيف. سيساعد هذا الإطار، الأشخاص الذين يعتمد عملهم بشكل مباشر على مناخ ملائم، كما أنه سيحدد حجم تدفق التمويل، ومن ثم سيكون مسؤولاً عن دفعه، وسيكون مؤهلًا لتلقي التمويل.
وجهات النظر الدولية حول دعم تمويل المناخ
يُعد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، من أكبر المساهمين في التمويل العام للمناخ في الاقتصادات النامية؛ حيث قدم نحو 23.04 مليار يورو في عام 2021، كما أنه أكبر مزود للمساعدة الإنمائية الرسمية في العالم (إجمالي 67 مليار يورو في عام 2020)، حيث يتم دمج إجراءات مكافحة تغير المناخ بشكل متزايد في هذه المساعدة. تجدر الإشارة إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قد أطلق الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع كل من الأرجنتين وكندا وتشيلي والصين والهند وكينيا والمغرب، المنصة الدولية للتمويل المستدام، التي تهدف إلى زيادة تعبئة رأس المال الخاص للاستثمار المستدام بيئيًا. وفي عام 2021، خصصت المفوضية الأوروبية نحو 2.50 مليار يورو للاقتصادات النامية، مع تخصيص حصة كبيرة (حوالي 40%) لتمويل أنشطة التكيف مع المناخ، علاوة على ذلك، في حين أن 20% من ميزانية الاتحاد الأوروبي بأكملها للفترة (2014- 2020) تم إنفاقها على المناخ -المشاريع ذات الصلة- أصبح هذا الهدف 30% للفترة (2021- 2027).
هذا، ولا يزال الاتحاد الأوروبي ملتزمًا بالمساهمة في تحقيق هدف الاقتصادات المتقدمة المتمثل في التعبئة المشتركة من مصادر مختلفة 100 مليار دولار سنويًا حتى عام 2025 لدعم الاقتصادات النامية؛ حيث يأتي التمويل من مجموعة متنوعة من المصادر العامة والخاصة، والثنائية والمتعددة الأطراف، ومصادر التمويل البديلة؛ في سياق إجراءات التخفيف الهادفة والتنفيذ الشفاف من قبل الاقتصادات النامية. وفي ضوء ذلك، يدعو الاتحاد الأوروبي المساهمين الحاليين والمحتملين إلى تمويل العمل المناخي أيضًا في الاقتصادات النامية بما يتماشى مع قدرات ومسؤوليات كل منهم.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريرًا عن تمويل الاقتصادات المتقدمة للعمل المناخي في الاقتصادات النامية. ويظهر أن الاقتصادات المتقدمة تحرز تقدمًا في تمويل المناخ، وتشير المؤشرات إلى أن الاتجاه التصاعدي سيستمر؛ حيث بلغ تمويل المناخ للاقتصادات النامية نحو 83.3 مليار دولار في عام 2020، ارتفاعًا من 58.6 مليار دولار في عام 2016.
ومن جانبه أكد صندوق النقد الدولي، بوجوب الحاجة إلى أدوات مبتكرة وتمويل الأسهم لتعزيز تقاسم المخاطر من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتعظيم تأثير الأموال العامة النادرة، كما أنه من المهم البدء بتهيئة مناخ وسياسات استثمارية جذابة لتحفيز مشاركة القطاع الخاص. وفي هذا الصدد، أشار الصندوق إلى أنه تعتبر سياسات المناخ والتمويل مكملتين لبعضهما البعض؛ لأن السياسات الأفضل تجذب الاستثمار الخاص، مما يساعد بدوره على تحقيق أهداف السياسة. كما أنه يرى أن سياسة تسعير الكربون تُعد الأداة الأكثر فعالية لجعل المنبعثين المرتفعين يدفعون تكاليف المناخ التي يفرضونها، وبالتالي يوجهون الاستثمار الخاص نحو المشروعات التي تنبعث منها كميات أقل. وبالتالي، يُمكن لسياسات والتزامات المناخ مثل المساهمات المحددة وطنيًّا الواردة في اتفاقية باريس، أن تدفع المستثمرين إلى توجيه استثماراتهم إلى الاقتصادات منخفضة الكربون، والتي بدورها ستساعد أيضًا في إنشاء بنية قوية للمعلومات المناخية .
هذا، وتعهدت العديد من الدول في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ Cop27 عام 2022، بتقديم تمويلات مالية كبيرة لصالح مشروعات وصناديق التمويل المتعلقة بالمناخ؛ لمساعدة الدول الفقيرة على تفادي آثار تغير المناخ. وستسهم فرنسا بمبلغ 20 مليون دولار في شكل إعانات ضد مخاطر المناخ. وستساهم ألمانيا وكندا والدنمارك والولايات المتحدة وفرنسا وأيرلندا بمبلغ إجمالي قدره 210 ملايين دولار، ومن ثمَّ سيتم تعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى صعيد آخر، تعهد الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، بمضاعفة تمويل صندوق المناخ إلى 11 مليار دولار، كما أطلق مبادرة “تمويل المناخ+"؛ لتسريع استخدام آليات التمويل المبتكرة التي تهدف إلى الاستفادة من المليارات في الاستثمارات العامة والخاصة الجديدة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بهدف تحفيز الاستثمار على النطاق المطلوب لمعالجة أزمة المناخ.
ومن جانبها، تُركز الإمارات العربية المتحدة على تمويل المناخ على طاولة قمة الأمم المتحدة. وفي ضوء ذلك، يؤكد الدكتور سلطان الجابر أن هناك حاجة إلى مزيد من الأموال لمساعدة البلدان الهشة على التكيف مع آثار الاحتباس الحراري؛ مشيرًا إلى أن الإمارات قدمت أكثر من مليار دولار من الدعم المالي لأكثر من 40 دولة محتاجة، لا سيما الدول والجزر الفقيرة التي من المحتمل أن تتضرر من ارتفاع منسوب مياه البحر.
الأهمية البيئية للإمارات بصفتها الدولة المضيفة لكوب 28
يعكس مؤتمر كوب 28، جهود الحكومة لتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد تغذيه مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة جنبًا إلى جنب مع التطورات التكنولوجية والحلول الذكية للمناخ. سيركز المؤتمر في المقام الأول على الحالة الاقتصادية للعمل المناخي الشامل.
وفقًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه لشرف كبير أن تحصل على فرصة لاستضافة COP28، وهذا بالتأكيد يأتي كتقدير للخطوات الصديقة للبيئة التي اتخذتها الدولة لأكثر من ثلاثة عقود؛ حيث تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بمكافحة تغير المناخ منذ عام 1989، وهو نفس العام الذي صادقت فيه على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون. ومن ثمَّ، أصبحت عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1995، وصدقت أيضًا على بروتوكول كيوتو في عام 2005.
تتضمن بعض المبادرات "الخضراء" التي تمارسها الإمارات وتروج لها ما يلي:
- مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ AIM، وهو اقتراح قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة في مؤتمر الأطراف كوب 26، كان الهدف من هذا الاقتراح هو خلق استثمارات ضخمة في أنظمة الغذاء والزراعة الذكية مناخيًا على مدى السنوات الخمس المقبلة. يعمل في قطاع الزراعة حوالي 5 مليارات شخص على مستوى العالم. وقد تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم مليار دولار إضافي لهذا المشروع.
- الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من الدول التي لديها أقل انبعاثات غاز الميثان، وكجزء من هذا، انضمت إلى التعهد العالمي بشأن الميثان؛ حيث تمتلك الصناعات الهيدروكربونية في دولة الإمارات العربية المتحدة أدنى كثافة لغاز الميثان في العالم بنسبة 0.01%، ومن شأنه تهدف الدولة أيضًا إلى تقليل انبعاثات الميثان بنسبة 30% بحلول نهاية عام 2023.
- كما اتخذت حكومة الإمارات العربية المتحدة خطوات لتعظيم مصادر الطاقة المتجددة؛ حيث تم استثمار 400 مليون دولار لمساعدة البلدان النامية على التحول من الأساليب القديمة لتوليد الطاقة إلى مصادر الطاقة المتجددة.
- وضعت وزارة الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات العربية المتحدة خارطة طريق لقيادة الهيدروجين، والتي تحتوي على خطوات شاملة لتأسيس الدولة كمصدر رائد للهيدروجين من خلال دعم الصناعات منخفضة الكربون.
- تُعد الإمارات العربية المتحدة أيضًا موطنًا لأول مرفق كبير من نوعه لاحتجاز الكربون (CCUS)، والذي يساعد بدوره في تقليل تكلفة الطاقة الشمسية.
- بحلول نهاية العقد، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى زراعة 100 مليون شجرة مانغروف كجزء من مساهمتها الوطنية الثانية من اتفاقية باريس.
- كما أنفقت الحكومة 17 مليار دولار على مساعدة 27 دولة جزرية في مواجهة تهديد تغير المناخ؛ حيث بدأت في المشروعات مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتخزين البطاريات.
- في أبريل/نيسان 2022، بدأت محطة براكة النووية عملها، وبمجرد تشغيل المفاعلات الأربعة للمحطة بشكل كامل؛ ستنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لقطاع الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير.
- أطلقت الإمارات مبادرة استراتيجية للحياد الكربوني بحلول منتصف القرن. وكانت الإمارات من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أعلنت عن هذا المشروع.