مؤتمر الأمل.. COP28 يسعى لإنهاء خلافات التمويل المناخي
تعد مسألة التمويل المناخي من أبرز القضايا التي تشغل العالم الآن، وتتصدر بشكل دائم جدول أعمال المفاوضات المناخية منذ عقود.
وذلك نظرًا لأهميتها في تحقيق الأهداف العالمية بشأن التغلب على الاحتباس الحراري وآثاره، سواء لتخفيف الانبعاثات والتحول للطاقة النظيفة أو للمرونة والتكيف مع آثار تغير المناخ في البلدان المتضررة.
أشارت دراسة جديدة عن التمويل المناخي، نشرتها منظمة أوكسفام لمحاربة الفقر بالعالم، ومقرها بريطانيا، إلى أن الدول الغنية تقوض العمل على حماية البلدان الفقيرة والضعيفة من آثار أزمة المناخ، من خلال تقديم القروض بدلاً من المنح، أو سحب الأموال من مشاريع المساعدات الأخرى أو تصنيف الأموال بشكل خاطئ.
اعتبرت الدراسة، ضمنيًا، أن تمويل المناخ ينحصر في مبلغ الـ 100 مليار دولار الذي تعهدت الدول الغنية بدفعه للدول النامية من أجل مواجهة أثار تغير المناخ، ونصت عليه اتفاقية باريس 2015.
ما أثار جدلًا واسعًا بين الخبراء والمهتمين بالشأن المناخي، وأعاد فتح النقاش مجددًا بشأن قضية خلافية شهيرة، تباينت حولها الآراء منذ بداية المفاوضات المناخية في تسعينيات القرن الماضي، وتتعلق بالتعريف السليم والدقيق لمصطلح التمويل المناخي.
ما هو تمويل المناخ؟
يستخدم المصطلح بشكل متكرر في سياق المفاوضات السياسية الدولية بشأن تغير المناخ، لكن على الرغم من ذلك، لا يوجد تعريف موحد أو متفق عليه لتمويل المناخ، وفق معهد المواد العالمية، حيث يوجد العديد من الآراء المختلفة حول شكل هذا التمويل ونوعه، وكيف ينبغي تقديمه، ومقدار الأموال التي ستحتاجها الدول النامية للتخفيف من تغير المناخ والتكيف مع آثاره.
وفق المعهد، أثارت هذه القضية الجدل لعقود، نظرًا لكونها معقدة نوعًا ما، فلا يمكن الوصول إلى تفسير محدد للتمويل المناخي بشكل صارم أو ضيق.
لذا حاول معهد الموارد العالمية تفسير ما يطلق عليه "تمويل المناخ"، لكن بشكل واسع نوعًا ما، فوصفه بأنه أموال تتدفق في شكل منح وقروض ومساعدات أخرى من العالم الغني إلى البلدان النامية لمساعدتها على الاستثمار في مشروعات وإجراءات لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومساعدتها على التكيف مع الطقس القاسي والآثار الأخرى لتغير المناخ.
يُبنى هذا التفسير الشائع على فرضية أن الدول المتقدمة عليها التزام بمساعدة البلدان النامية على تحويل اقتصاداتها لتصبح أقل كثافة للكربون وأكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ.
هذا التفسير يستند إلى مبدأ "المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة" المنصوص عليه في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، حيث يتعين على الأطراف من البلدان المتقدمة تقديم الموارد المالية لمساعدة الأطراف من البلدان النامية في تنفيذ أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
بموجب هذا التفسير، قطعت الدول المتقدمة وعدًا على نفسها في عام 2009، بتقديم 100 مليار دولار سنويًا من تمويل المناخ اعتبارًا من عام 2020، يوجه بالأساس للبلدان النامية، على أن يشمل أموالًا لمساعدة تلك البلدان على التكيف مع الآثار المناخية، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لكن هذا التعهد لم يتم الوفاء به حتى الآن، حيث قدمت الدول الغنية 83 مليار دولار فقط في عام 2020، وتسببت جائحة كوفيد19 وما تبعها من أزمات اقتصادية في امتناع الدول الغنية عن دفع المبلغ في عام 2021، مع وعود بالدفع بداية من عام 2023.
لكن هل يمكن أن نحصر تمويل المناخ في مبلغ الـ100 مليار دولار الذي تعهدت الدول الغنية بدفعه سنويًا بموجب اتفاق باريس؟
تجيب الدكتورة أميرة الخلايلي، أستاذ الاقتصاد البيئي بجامعة ريو دي جانيرو البرازيلية عن هذا السؤال قائلة: قطعًا لا، وبالعودة للنصوص الإطارية يتأكد لنا أن هذا الحصر لا يتفق مع البنود المتعلقة بالتمويل في هذه الاتفاقيات.
تعترف اتفاقيات مؤتمر المناخ بكانكون، المكسيك 2010، بشكل صريح بأن معالجة تغير المناخ تتطلب تمويلًا "جديدًا وإضافيًا"، ولذلك تبنت الأطراف نصا يتضمن انشاء الصندوق الأخضر للمناخ لمساعدة البلدان النامية، وفق الخلايلي.
ينص الاتفاق، على أن الجزء الأكبر من التمويلات التي تعهدت بها الدول الغنية في 2009 يمر عبر الصندوق الاخضر، وليس كلها، كما ينص على أن مصادر تمويل الصندوق لا تتوقف عند هذا المبلغ، وتمتد لتشمل تمويلات أخرى غير منصوص عليها.
جاءت اتفاقية باريس، في 2015، لتشدد على مسألة التمويل الإضافي والتطوعي، بجانب التزامات البلدان المتقدمة فيما يخص الـ 100 مليار دولار، وشجعت الاتفاقية للمرة الأولى على المساهمات الطوعية من قبل الأطراف الأخرى.
تقرير أوكسفام
يقول تقرير منظمة أوكسفام إنه ما بين 21 مليار دولار و24.5 مليار دولار فقط من 83 مليار دولار قدمتها الدول الغنية للدول النامية في 2020، يعد تمويلًا خالصًا للمناخ دون قيود، وأن 11.5 مليار دولار فقط من تمويل المناخ في عام 2020 كان مخصصًا لمساعدة الدول الأقل نموًا أو الأكثر ضعفًا في مواجهة تغير المناخ.
كما أشار التقرير إلى أن الدول الغنية تقوض العمل على حماية البلدان الفقيرة والضعيفة من آثار أزمة المناخ، من خلال تقديم القروض بدلاً من المنح، أو سحب الأموال من مشاريع المساعدات الأخرى أو تصنيف الأموال بشكل خاطئ.
يشكك بعض الخبراء في منهجية التقرير نفسه، مؤكدين أن القاعدة الأساسية التي بنى عليها التقرير أرقامه ونتائجه النهائية غير دقيقة، حيث حصر التمويل المناخي في المبالغ التي دفعتها الدول الغنية للبلدان النامية في 2020، وتجاهل تمويلات خضراء أخرى، تدفقت نحو البلدان النامية خلال السنوات الماضية، خارج إطار التزام الـ 100 مليار دولار.
تعليقًا على ما ذكرة التقرير، يقول سمير رؤوف خبير سوق المال والباحث الاقتصادي لـ"العين الإخبارية": "لا يمكن حصر التمويل المناخي في هذا الرقم فقط، هناك العديد من التمويلات الأخرى التي تتدفق سنويًا للمشروعات الخضراء في الدول النامية، وهناك مبادرات مهمة قادتها بعض الدول لجمع المليارات من أجل دعم التكيف في الدول الفقيرة، كما حدث في قمة شرم الشيخ".
على جانب آخر، جاءت أحكام أوكسفام في تقريرها الأخير قاطعة، وذلك على الرغم من أنها أشارت في تقرير سابق لها، صدر في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، بشأن التمويل المناخي أيضًا، إلى أنه لا يوجد تعريف موحد أو متفق عليه لعملية تمويل المناخ العالمية، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، وأكدت في نفس التقرير أن هناك تأخيرا في جمع البيانات المتعلقة بتمويل المناخ العالمي من مصادره المختلفة، ما يجعل التقديرات المتعلقة به غير دقيقة.
يعني ذلك أن الأرقام والبيانات التي اعتمد عليها تقرير أوكسفام لا تعبر بشكل حقيقي عن حجم التمويل العالمي للمناخ، وفق القواعد التي سنتها المنظمة نفسها في تقريرها السابق في 2020.
يقول رؤوف إنه قبل عامين أطلقت مبادرة عالمية تحت عنوان "مهمة الابتكار الزراعي للمناخ" لمساعدة الدول النامية على جعل الزراعة بها صديقة للمناخ، بتمويل يصل إلى 13 مليار دولار، وتساءل مستنكرًا: كيف لا تصنف هذه المبادرة ضمن "التمويل المناخي" العالمي؟
أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة مبادرة "مهمة الابتكار الزراعي للمناخ" في 2021 وتهدف إلى جعل الزراعة في العالم صديقة أكثر للبيئة ومواتية لتغير المناخ.
نجحت المبادرة في الحصول على تعهدات بدفع ثمانية مليارات دولار في نوفمبر 2022، وفي مارس الماضي زاد التمويل المخصص للمبادرة إلى أكثر من 13 مليار دولار.
وتعمل المبادرة على تمويل مبادرات دعم صغار المزارعين والتقنيات الناشئة وخفض غاز الميثان في البلدان الفقيرة والنامية، وتوحيد الدول على هدف خفض الانبعاثات الزراعية التي تمثل من عشرة إلى 12 بالمئة من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
التمويل في COP28
قبل يومين، بدأ مؤتمر الهيئات الفرعية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (SB 58) في بون، ألمانيا ليضع الأساس للمؤتمر الثامن والعشرين للأطراف (COP28)، الذي سيعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر من هذا العام.
تضع مفاوضات بون المناخية قضية التمويل على رأس أولوياتها، وتسعى لزيادة التدفقات المالية بشأن المناخ من مصادر مختلفة، وتناقش الأطراف كيفية إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وترتيبات التمويل المتعلقة به.
وتجرى المناقشات أيضًا حول الهدف الكمي الجماعي العالمي الجديد (NCQG) بشأن تمويل المناخ، بجانب تتبع التزام الدول الغنية بهدف تمويل المناخ البالغ 100 مليار دولار هذا العام.
يشير الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG) بشأن تمويل المناخ، إلى قيمة التمويل الجديد الذي سيحل محل التزام الـ 100 مليار دولار، بدءا من 2025.
يناقش الخبراء التقنيون، في حوارهم السادس ضمن اجتماعات بون، "القيمة المناسبة" لهدف التمويل الجديد، والتي تتوافق مع حجم التحديات الحالية والمستقبلية لتغير المناخ، بالإضافة إلى "تعبئة وتوفير المصادر المالية المختلفة".
تقول سانتا ناراين، من مركز الأبحاث للعلوم والبيئة بالهند، وأحد المراقبين بمؤتمر بون، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن "عام 2023 هو عام حاسم لهدف قيادة الطموح المناخي العادل".
وتؤكد أن هذا العام يدور حول التمويل بشكل رئيسي، وكذلك مسألة الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في الهيكل المالي العالمي، والتي تعتبر غير مواتية للبلدان النامية من نواح كثيرة، وأصبحت أولوية مركزية لمجتمع المناخ العالمي.
تضيف: "وفق المؤشرات الأولية في بون، أظن أن COP28 في دبي سيلبي التوقعات العالمية بشأن قضية التمويل".
على رأس أولويات رئاسة COP28
تسعى الأمانة العامة للأمم المتحدة للمناخ بالتعاون مع رئاسة COP28، للعمل في مسارات مختلفة لتوفير التمويل المطلوب لمواجهة الأزمة العالمية، من تعهدات الدول المتقدمة، مرورًا بصندوق الخسائر والأضرار، وحتى جميع البنود الأخرى بشأن التدفقات المالية.
وأكد الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف COP28، أن رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين تضع قضية التمويل على رأس أولوياتها.
حسب بيان صادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة للمناخ قال الدكتور سلطان الجابر: "بصفتنا الرئاسة القادمة، سنضمن رئاسة عادلة وشاملة وشفافة توفر مساحة لجميع الأطراف للتوصل إلى توافق في الآراء عبر جدول الأعمال بأكمله".
وتابع: "هذا يشمل جعل التمويل المتعلق بالمناخ أكثر توافرا، ويسهل الوصول إليه، ومضاعفة تمويل التكيف، وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار، ومضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2030، ووضع الشباب والطبيعة والصحة في قلب عملية التقدم المناخي".
وفي كلمته خلال "حوار بطرسبرغ للمناخ"، الذي أقيم في العاصمة الألمانية برلين مطلع مايو/أيار الماضي، شدد الدكتور سلطان الجابر على أهمية زيادة التمويل المناخي، وتوفيره بشروط ميسّرة وبتكلفة مناسبة، وتسهيل طرق الحصول عليه، لتحقيق التقدم عبر مختلف جوانب العمل المناخي، وضمان تحقيق انتقال منصف ومنطقي وعملي وتدريجي وعادل في قطاع الطاقة، على نحو لا يترك أحدًا خلف الركب.
أعاد الجابر التأكيد على هذا الأمر، في الجلسة الافتتاحية من الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الأفريقي 2023، مايو/أيار الماضي، قائلا إن الافتقار للتمويل يعرض أهداف العمل المناخي العالمي، والتنمية المستدامة للخطر، مضيفا أن معالجة هذا الموضوع تُعد من أهم أولويات رئاسة مؤتمر COP28، وسنعمل ونتعاون مع كافة الأطراف من أجل تحقيق تقدم عملي وملموس في هذا المجال.
وقال الدكتور سلطان الجابر خلال كلمته، إن إجمالي مبالغ التمويل المناخي الموجهة إلى أفريقيا، على سبيل المثال، يبلغ سنويا نحو 30 مليار دولار، بينما يجب أن يصل إلى 10 أضعاف هذا المبلغ.