«حرق السماء».. قصة لحظة «جنون» في الحرب الباردة
وسط الحرب الباردة والصراع الصفري بين الشرق والغرب، نفذ العلماء في كلا الجانبين مشاريع أقل ما قيل عنها إنها "مجنونة"، لتعطيل الجانب الآخر.
أحد هذه المشاريع هي العملية آرغوس التي نفذها الجيش الأمريكي عام 1958، لاختبار نظرية تتضمن استخدام الأسلحة النووية والحقول المغناطيسية للأرض، بهدف تعطيل الاتصالات السوفياتية وقدرات التتبع من خلال إنشاء أحزمة إشعاعية اصطناعية في الغلاف الجوي.
العملية آرغوس
بدأ التفكير في العملية في أعقاب وضع الاتحاد السوفياتي قمره الاصطناعي الأول سبوتنيك 1 في المدار عام 1957، الذي أظهر قدرة الاتحاد على شن ضربات بعيدة المدى، ما دفع الحكومة والجيش الأمريكي إلى البدء في البحث في تدابير مضادة محتملة.
أُحيطت عملية أرغوس بالسرية، حيث تولت وكالة الدفاع النووي (DNA) قيادة المشروع، وجرى تمويله من قبل مشروع الأسلحة الخاصة للقوات المسلحة، الذي دعم التجارب النووية.
نظرية كريستوفيلوس
بُنيت عملية آرغوس على نظرية الفيزيائي النووي نيكولاس كريستوفيلوس، الذي كان يعمل في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا.
واعتقد كريستوفيلوس أن تفجير الأسلحة النووية على ارتفاعات عالية من شأنه أن يخلق أحزمة إشعاعية مماثلة لأحزمة "فان ألين" التي تم اكتشافها آنذاك. في عملية شبهها البعض بـ"حرق السماء".
ويمكن للأحزمة الاصطناعية أن تتسبب في انقطاع الإرسال الراديوي والراداري السوفياتي، وإتلاف الرؤوس الحربية للصواريخ وتشكل تهديدا للمركبات الفضائية المعادية.
وفي البداية، جرى طرح فكرة كريستوفيلوس كإجراء دفاعي، ولكن العالم سرعان ما وجد أن لها تطبيقات هجومية.
ثم أرسلت اللجنة الاستشارية العلمية للرئيس (PSAC) فريقا إلى ليفرمور، الذي رأى أن النظرية جديرة بالاختبار، وقاد هذا في النهاية إلى الموافقة على عملية آرغوس في أبريل/نيسان 1958.
فرقة العمل 88
قبل بدء عملية آرغوس جرى إطلاق قمر إكسبلورر الرابع والصواريخ، للسماح بجمع البيانات وتحليلها بواسطة 40 محطة أرضية في جميع أنحاء العالم.
كما جرى إرسال فرقة العمل 88 (TF 88)، التي تتألف من تسع سفن تابعة للبحرية الأمريكية ونحو 4500 فرد من أفراد الطاقم، إلى جنوب المحيط الأطلسي، على بعد أكثر من 1100 ميل من كيب تاون في جنوب أفريقيا، لإجراء الاختبارات.
وتم الترويج للمهمة باعتبارها تجربة صاروخية روتينية، ولم يكن معظم أفراد الطاقم على دراية بالطبيعة النووية للعملية؛ ولم يتم إعلام سوى أولئك الذين يحتاجون إلى معرفة التفاصيل بطبيعتها الحقيقية.
وبالفعل، تم تجهيز السفينة Currituck USS Norton Sound (AV/AVM-11) بصواريخ "X-17a" معدلة تحمل رؤوسا نووية تزن 1.7 كيلو طن. على مدار أسبوعين.
وجرى إطلاق ثلاثة صواريخ -Argus I وII وIII- وتفجيرها على ارتفاعات تصل إلى 300 ميل.
وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق صواريخ باليستية مسلحة نوويا من سفينة.
ما نتيجة عملية آرغوس؟
أثبتت عملية آرغوس صحة نظرية نيكولاس كريستوفيلوس إلى حد ما، وخلفت الانفجارات أحزمة إشعاعية باتت معروفة باسم "تأثير كريستوفيلوس"، لكن انتشارها وتأثيرها كان أقل أهمية مما كان يُعتقد في البداية.
في الأساس، أظهرت النتائج أن المجال المغناطيسي للأرض "لم يكن قويا بما يكفي للحفاظ على درع إشعاعي طويل الأمد".
وبينما أثبتت أن الانفجارات تداخلت مع عمليات الإرسال الراديوي والراداري كانت النتائج الإجمالية لعملية أرغوس غير كافية لتبرير تطويرها بشكل أكبر كاستراتيجية دفاعية و/أو هجومية.
سر؟
بدأت السرية المحيطة بعملية آرغوس في الانهيار عندما كشف صحفيا نيويورك تايمز، هانسون بالدوين ووالتر سوليفان، تفاصيل المهمة.
في البداية، حجبوا القصة، بناءً على طلب البنتاغون، لكن التسريبات والفضول العلمي جعلا من الصعب الحفاظ على السرية.
وبحلول مارس/آذار 1959 كشفت الصحيفة عن العملية للجمهور، تحت عنوان "أعظم تجربة علمية على الإطلاق".
وعلى الرغم من الكشف عن عملية آرغوس في عام 1959 لم يتم الكشف عن النتائج الكاملة والوثائق المتعلقة بالاختبارات حتى بعد عدة عقود، تحديدا في عام 1982.
aXA6IDMuMTQ3LjM2LjEwNiA= جزيرة ام اند امز