الحرب العالمية الثالثة كادت تندلع عام 1980.. ما علاقة إيران؟
في سبتمبر/أيلول 1980، اجتمعت لجنة تنسيق خاصة تابعة للحكومة الأمريكية لمحاولة تحديد كيفية ردع الغزو السوفياتي واسع النطاق لإيران.
ووفقا لتقرير مجلة "فورين بوليسي" استند إلى مصادر سوفياتية وأمريكية رفعت عنها السرية، فضلاً عن المذكرات والتاريخ الشفوي، فإن الأزمة كانت مدفوعة بمخاوف متبادلة ومبالغ فيها. كانت المخاوف تتملك الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة من وضع الطرف الآخر خطط لشن هجوم على إيران واتخذا خطوات لردع أو القيام بخطوات مضادة وفقًا لهذه الخطط.
كانت كل خطوة تضاعف المخاوف على الجانب الآخر، مما أدى إلى تفاقم التوترات، وبلغت الأزمة ذروتها مع مناورة عسكرية سوفياتية أساءت الولايات المتحدة تفسيرها على أنها استعداد محتمل لغزو، الأمر الذي دفع واشنطن إلى توجيه تهديد نووي خفي إلى موسكو في نهاية سبتمبر/أيلول 1980.
في أوائل عام 1980، أصبحت المخاوف الأمريكية بشأن التدخل السوفياتي في إيران، والتي أشعلتها في البداية الفوضى في أواخر عام 1978، أكثر حدة. وفي يناير/كانون الثاني 1980، تلقى مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيجنيو بريجنسكي مذكرة من موظفيه تصف "استراتيجيات التعامل مع تحرك عسكري سوفياتي في إيران في المستقبل القريب".
وبعد بضعة أيام، سأل سايروس فانس، الذي كان وزيراً للخارجية حتى أبريل/نيسان 1980، السفير السوفياتي لدى الولايات المتحدة أناتولي دوبرينين، ما إذا كان الاتحاد السوفياتي ينوي مهاجمة إيران، قبل أن يحتج رسمياً على "النشاط العسكري السوفياتي المتزايد على طول الحدود الشمالية الغربية لإيران" في فبراير/شباط من العام ذاته.
وفي محاولة لردع موسكو، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في خطابه عن حالة الاتحاد في يناير/كانون الثاني 1980 أن أي محاولة "للسيطرة على منطقة الخليج سوف تُعَد اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة"، وأطلقت إدارته مبادرة أمنية إقليمية كبرى، عُرِفَت باسم إطار عمل أمن الخليج العربي. وشمل مكونها العسكري نشر قوات أمريكية في المنطقة وإنشاء قوة المهام المشتركة للانتشار السريع، والتي أصبحت في نهاية المطاف القيادة المركزية الأمريكية.
ولكن من منظور موسكو، بدت هذه الإجراءات هجومية، وليست دفاعية ــ تهدف إلى الإكراه أو حتى العدوان الصريح، وليس الردع، وفي صورة معكوسة للتفكير الأمريكي، كان الاتحاد السوفياتي قلقاً بشأن إمكانية تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
حرمت الثورة الإيرانية عام 1979 الولايات المتحدة من موطئ قدم مهم في المنطقة، وكان القلق الأساسي لدى موسكو هو أن الولايات المتحدة قد تحاول استعادة موطئ قدمها هذا من خلال التدخل المباشر أو غير المباشر في أفغانستان ــ كما تشهد مداولات المكتب السياسي والمذكرات السوفياتية ــ وكان هذا دافعاً مهماً لغزو روسيا لأفغانستان.
وكانت موسكو قلقة أيضاً بشأن التدخل الأمريكي في إيران ذاتها، وحذرت واشنطن من العمل العسكري هناك منذ وقت مبكر يعود إلى عام 1979، بعد احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران.
وكان الحشد العسكري الأمريكي في الخليج في عام 1980 سبباً في تفاقم المخاوف السوفياتية. ووفقاً لمحاضر اجتماع عقد في الخامس من أبريل/نيسان في ذلك العام، فقد كان الاتحاد السوفياتي قلق من أن تسمح هذه القدرة للولايات المتحدة "بفرض سيطرة عسكرية مباشرة على مصادر النفط إذا رأت ذلك ضرورياً".
وقد اعتقدت المخابرات السوفياتية أن مهمة إنقاذ الرهائن الفاشلة في أبريل/نيسان 1980 كانت في واقع الأمر محاولة لاغتيال الخميني وبدء "تمرد أو عصيان مسلح أو شيء من هذا القبيل".
وكانت لهذه المخاوف ـ على الرغم من تضخيمها ـ عواقب خطيرة.
ففي يوليو/تموز وأغسطس/آب 1980، أجرى الاتحاد السوفياتي مناورة كبرى، أطلق عليها اسم "يوج-80" (جنوب-80)، "فقط في حالة دخول القوات الأمريكية إيران".
ووفقاً لمذكرات الجنرال فالنتين فارينيكوف، نائب رئيس هيئة الأركان العامة السوفياتية ورئيس مديرية العمليات الرئيسية آنذاك، تدربت القوات السوفياتية على الانتشار في إيران "لمنع العدو من استخدام أراضيها" ضد الاتحاد السوفياتي في أعقاب "انقلاب رجعي" افتراضي.
وقد لعبت هذه المناورة ـ التي جاءت نتيجة لمخاوف موسكو بشأن النوايا الأمريكية ـ دوراً في تعزيز المخاوف الأمريكية بشأن الغزو السوفياتي لإيران.
وكان هناك اتفاق واسع النطاق داخل الحكومة الأمريكية على أن مناورة "يوج-80" لم تكن مجرد مناورة.
وبحلول أواخر أغسطس/آب، اعتقدت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن الاتحاد السوفياتي يمنح نفسه خيار التدخل "إذا دخلت الولايات المتحدة إيران، أو إذا حدث انهيار داخلي".
لم يوافق الجنرال ديفيد جونز رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك على فكرة خطة الطوارئ. ويعتقد أعضاء هيئة الأركان المشتركة أن هناك احتمالاً بنسبة 50-50 بأن موسكو تحاول التحكم في التوقيت، وليس مجرد الاستعداد للرد على الأحداث الخارجية.
وكان أحد أعضاء هيئة الأركان المشتركة منزعجاً بما يكفي للتوصية بالانتشار الفوري في المنطقة في محاولة لردع موسكو.
في الثاني من سبتمبر/أيلول، نظرت لجنة التنسيق الخاصة في اقتراح هيئة الأركان المشتركة بشأن "إجراءات الردع". وانتهى ذلك الاجتماع دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. وعندما استؤنفت المناقشات بعد 3أيام، لوحظ أن "معظم توصيات هيئة الأركان المشتركة قيد التنفيذ بالفعل".
وبحسب بريجنسكي، أثار موسكي مرة أخرى المخاوف بشأن التصعيد، قائلاً إن "الكونغرس لن يعتقد أن الحرب النووية تستحق 11% من نفطنا".
ومع ذلك، وافق كارتر على الجهود الرامية إلى "تطوير الخيارات العسكرية للدفاع عن إيران نفسها ولشن ضربات عسكرية انتقامية في أماكن أخرى".
ومن المؤكد أن تنطوي بعض هذه الخيارات على استخدام الأسلحة النووية. وفي اجتماع عقده مجلس الأمن القومي في ديسمبر/كانون الأول، صرح كارتر شخصياً بأن "الاعتقاد بأننا قادرون على مواجهة الاتحاد السوفياتي بالقوات التقليدية في إيران أمر غير ممكن. فنحن ببساطة لا نستطيع أن نفعل ذلك. ولا نستطيع الدفاع عنهم دون استخدام الأسلحة النووية".
وتشير وثيقة راجعها كارتر شخصياً ووافق عليها، ومحفوظة في مكتبته الرئاسية، إلى أن موسكي، وزير الخارجية الأمريكي، أطلع نظيره الروسي، جروميكو، على أن أي "محاولة عسكرية للسيطرة على منطقة الخليج العربي، بما في ذلك القيام بعمل عسكري في إيران، من الممكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة".
ورغم أن هذا الخوف من الحرب كان مجرد خوف ــ إلا أنه كان من الممكن أن يتحول إلى شيء أكثر من ذلك. فماذا لو كانت العلاقات الأمريكية السوفياتية متوترة في عام 1980 كما كانت في أوائل الستينيات، أو حتى متوترة كما أصبحت في غضون عام أو عامين؟.
وخلصت "فورين بوليسي" إلى أن إمكانية التصعيد يجب أن تذكر صناع القرار أنه حتى عندما تتعارض مصالح المنافسين بطرق حقيقية وجادة، فإن افتراض الأسوأ بشأن نوايا الطرف الآخر لن يخدم بالضرورة مصالح دولهم. على العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات ويصبح نبوءة تحقق ذاتها.