العسكريون والمدنيون.. شراكة سودانية بمهب رياح 2021
شراكة الحكم بين العسكريين والمدنيين بالسودان شكلت علامة فارقة بتاريخ البلاد ومحط أنظار العالم طيلة العامين الماضيين.
لكن النموذج السوداني الذي ظل محل تباهي المجتمع الدولي والإقليمي، لم يستطع الصمود أمام التقلبات السياسية والرياح الكثيفة التي اجتاحت البلاد العام 2021، بعد أن وضع الجيش من جانبه حداً لهذه الشراكة، مبرراً ذلك بمخاطر ومهددات تعتري طريق الانتقال ومستقبل الدولة.
انهيار شراكة الحكم الانتقالي وما تبعها من توترات في المشهد، أثارت القلق بشأن مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي وسط توقعات بسيناريوهات غير جيدة للأوضاع في السودان خلال 2022.
ومع اقتراب حلول عام جديد، تجري مساعٍ حثيثة لاحتواء الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها واستئناف مسار الانتقال الديمقراطي في السودان، إذ تنخرط قوى مدنية في وضع إعلان سياسي جديد يوقع مع العسكريين لتكملة الفترة الانتقالية وصولاً لانتخابات.
ويشير مراقبون إلى أن الإعلان السياسي المرتقب لن يقود إلى وفاق واستقرار ما لم يستوعب صوت الشارع، نظراً للاحتجاجات المستمرة والمناهضة للوضع الجاري.
وتبدو الصورة الكلية في السودان قاتمة وفق محللين ممن يجزمون بأنه لا يوجد حتى الآن ما يوحي بعام جديد يسوده الاستقرار السياسي والاقتصادي نظراً للتعقيدات والتحديات الماثلة.
وبدأت الشراكة بين العسكريين والمدنيين بالسودان بتوقيع إعلان سياسي ودستوري في 17 أغسطس/ آب 2019، إثر وساطة ناجحة قادها الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا عقب حادثة فض الاعتصام السلمي أمام قيادة الجيش بالخرطوم، وما أعقبها من توترات وتصعيد بين القوى السياسية.
واستمرت شراكة الحكم في السودان بتناغم متناهي، حسب ما ظل يردده الأطراف بعد توقيع الإعلانين السياسي والدستوري، وطوال العام 2020، حيث نفذ الشركاء الكثير من استحقاقات الاتفاق، بتشكيل مجلس سيادة مناصفة بين العسكريين والمدنيين، والمضي في تفكيك نظام عمر البشير عبر لجنة خاصة، وتكوين لجنة مستقلة للتحقيق في فض الاعتصام وتعيين ولاة مدنيين للولايات وغيرها من التدابير المتفق عليها.
ولكن عرش هذه الشراكة بدأ يهتز عقب توقيع اتفاق جوبا لسلام السودان وعودة الحركات المسلحة بموجبه إلى الخرطوم والمشاركة بالسلطة الانتقالية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لتطفو للسطح خلافات حادة بين قوى الحرية والتغيير وقادة أطراف السلام من جهة ومع المكون العسكري من ناحية أخرى.
وطوال العام المنقضي، ظل طرفا السلطة، العسكريون وتحالف الحرية والتغيير، في حالة شد وجذب وخلافات بشأن قضايا تتصل بعملية الانتقال الديمقراطي، وتطورت الأحداث بشكل متسارع حتى انشقت مجموعة عن الائتلاف المدني قوامها حركات مسلحة وأحزاب صغيرة، وكونت ما يعرف بـ"الحرية والتغيير -قوى الميثاق الوطني"، والتي نظمت اعتصاماً أمام القصر الرئاسي بالخرطوم ينادي بحل الحكومة وتشكيل أخرى من كفاءات مستقلة.
وتصاعدت وتيرة الأحداث السياسية إثر إغلاق "مجلس نظارات قبائل البجا" (مجلس قبلي) الموانئ الرئيسية في شرق السودان والطرق التي تربطها ببقية أنحاء البلاد، وهو ما فاقم سوء الوضع الاقتصادي وخلق ندرة وغلاء في كثير من السلع الاستراتيجية.
ومع اقتراب موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني حسب نص الوثيقة الدستورية المقرر في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، تصاعدت حدة الخلاف بين شريكي الحكم المدنيين والعسكريين، وتجلى ذلك في تراشق إعلامي غير مسبوق.
وفي خضم تلك الأحداث، أعلن الجيش السوداني إحباط محاولة انقلاب على السلطة مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وكان عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان أول من نبه لتلك المحاولة بعد أن كتب منشورا عبر صفحته مخاطباً السودانيين "هبوا لحماية الثورة"، وهي المقولة التي أثارت حفيظة العسكريين يومها.
في 25 أكتوبر الماضي، استيقظ السودانيون على واقع يسوده التعتيم بعد قطع الاتصالات والإنترنت مع انتشار أمني كثيف، ولم تمض ساعات حتى خرج قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ببيان حمل حزمة قرارات قضت بحل مجلسي السيادة والوزراء، وفرض حالة الطواري بالبلاد وتجميد عمل لجنة تفكيك الإخوان.
قراراتُ كتبت نهاية لشراكة الحكم في البلاد، تحت مظلة تصحيح مسار الثورة والرغبة في توسيع المشاركة وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة تقود البلاد حتى قيام انتخابات حرة ونزيهة.
لكن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك عاد إلى منصبه بموجب اتفاق سياسي وقعه مع البرهان، ومن المنتظر أن يعقبه ميثاق شامل لاستكمال الفترة الانتقالية.
المحلل السياسي أحمد حمدان يرى أن "الشراكة السابقة كانت، رغم النقد الذي واجهته، طريقا مثاليا لعبور الفترة الانتقالية فقد كانت شراكة الأمر الواقع فرضتها موازين القوة المحددة في ذلك الوقت".
وقال حمدان، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن خشية العسكريين من مغبة تسليم رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني عجلت بشكل أساسي بالتغيير الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، فلم يكن أمامهم طريق آخر، خاصة بعد الوعود القاسية التي بدرت من قادة قوى الحرية والتغيير".
ولم يكن الطريق محفوفا بالورود أمام القيادة السودانية الجديدة، وفق حمدان، نظراً للتصعيد السلمي الذي يقوده الشارع من تظاهرات منتظمة وغيرها من أشكال المناهضة، وهو ما يجعل كافة السيناريوهات محتملة في العام 2022.
وليس ببعيد عن طرح حمدان، يرى المحلل السياسي عباس التجاني أن صراع السلطة سيستمر في السودان خلال العام المقبل بالنظر إلى ما يسود من تبادل للمواقف بين الأطراف السياسية.
ويقول التجاني في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن حركة المقاومة السلمية واستمرارها سيعيق أي وصفة لتسوية سياسية في السودان مالم تستجب لمطالبها، وربما يفرض أمر واقع بآلية القوة الجبرية، لكنه لا يصب في مساعي الاستقرار وتحقيق انتقال سلس وتحول
فعلي على النحو الذي يرجوه المجتمعان الإقليمي والدولي.
ووسط التشاؤم النابع من حيثيات المشهد الراهن، ثمة من يتفاءل بانفراج وشيك استناداً إلى خطوات تمضي لتأسيس تحالف شامل يقود لإعلان سياسي لاستكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية.