العقوبات الجماعية.. وسيلة إسرائيلية للانتقام من الفلسطينيين
توظيف إسرائيل لسياسة العقاب الجماعي لا يقتصر على قطاع غزة، بل يمتد إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة
مع كل تصعيد يحدث في قطاع غزة أو تنفيذ عمليات بالضفة الغربية، تلجأ قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى سلسلة إجراءات تستهدف جميع الفلسطينيين، ضمن سياسة العقاب الجماعي التي يجرمها القانون الدولي ويصنفها ضمن جريمة حرب.
في أحدث موجة تصعيد يومي الأحد والإثنين الماضيين في قطاع غزة، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام حركة البضائع والأفراد والبحر أمام الصيادين، وشنت غارات عشوائية، لتحول القطاع إلى سجن كبير تتساقط عليه القذائف.
التصعيد الإسرائيلي بدأ فجر الأحد الماضي، بقتل قوات الاحتلال الشاب الفلسطيني محمد الناعم والتمثيل بجثته أثناء احتجازها.
وهو ما ردت عليه حركة الجهاد الإسلامي بعشرات القذائف الصاروخية، تلاه عشرات الغارات الإسرائيلية التي استمرت يومين.
وقررت إسرائيل إغلاق معابر غزة وقفل البحر أمام الصيادين، قبل أن تنجح جهود مصر في وقف التصعيد، وبدأت إسرائيل تخفف إجراءاتها من يوم أمس الخميس.
سياسة ممنهجة والحصار أبرزها
فضل المزيني، الباحث في دائرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (خاص)، قال إن العقاب الجماعي سياسة إسرائيلية ممنهجة يقترفها الاحتلال ضد الفلسطينيين مخترقا بذلك القانون الدولي.
وأضاف المزيني، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الممارسة الأبشع لجريمة العقاب الجماعي لغزة تتمثل في الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاما، مشيرا إلى أن تقارير دولية معتمدة خلصت إلى أن الحصار جريمة عقاب جماعي.
وأوضح أن العقوبات الجماعية الأخيرة، الأسبوع الماضي، كانت لها تأثيرات كبيرة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى حرمان مئات المرضى من الحق في الصحة.
المرضى وحرمان العلاج
وأضاف المزيني: "في العادة يتقدم 2200 طلب لمرضى يريدون مغادرة غزة لتلقي العلاج خارج حدود القطاع، فترفض السلطات الإسرائيلية منح نحو ثلثهم تصاريح خروج"، مشيرا إلى أنه في يناير الماضي تقدم 1795 مريضا بتصاريح للسفر للعلاج رفضت إسرائيل منح 547 منهم تصاريح مغادرة.
وأكد أن العقاب الجماعي يقيد حرية السفر لعموم الفلسطينيين، نتحدث عن مليوني فلسطيني في غزة يعاقبون جماعيا بسبب أفعال لم يرتكبوها.
وأشار إلى أنه عندما تغلق المعابر كليا حتى العدد المحدود من السلع التي تدخل لغزة تقف تماما، ما يؤدي لتوقف المصانع ومختلف المرافق عن العمال، ما ينعكس على حرمان آلاف من العمال من العمل.
وتابع: "حتى المنتجات الزراعة تتأثر سلبا من العقاب الجماعي"، مؤكدا أنه نتيجة هذه السياسة وصلت البطالة بغزة إلى 50% والفقر إلى 53%.
الصيادون.. استهداف متكرر
ويمثل الصيادون الفلسطينيون واحدة من الحلقات الأكثر تضررا من سياسة العقاب الجماعي، فمع كل تصعيد ولو محدودا يصدر إجراء بحقهم.
وقال زكريا بكر، رئيس اتحاد لجان الصيادين، إن العقوبات الجماعية المتعلقة بالبحر تمس 4 آلاف صياد إضافة إلى 1000 آخرين مرتبط عملهم بالصيد كالتجار والحرفيين.
وكشف بكر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن شهر فبراير/شباط الحالي سجل أعلى عدد في تلاعب سلطات الاحتلال بالمساحات البحرية بعدد 8 مرات بين زيادة مساحة ومن ثم تقليصها وصولا إلى الغلق التام الذي استمر ليومين.
وأكد أن هذا التلاعب أدى لخسائر بين الصيادين الذين كانوا يلقون شباكهم في البحر خلال أيام زيادة مساحة الصيد بانتظار الصيد خلال ساعات قادمة فإذا بالساعات تحمل قرارا إسرائيليا بتقليص المساحة عندما تقود زوارق البحرية الإسرائيلية بإطلاق الرصاص على شباك الصيادين المنصوبة داخل البحر واتلافها، فيخسر كل صياد من 1000 إلى 7000 شيكل (الدولار 3.42 شيكل).
الأضرار لا تتعلق بالمس المباشر بمهنة الصيد، بل تمتد إلى المساس بالأمن الغذائي لسكان قطاع غزة، كشكل آخر من أشكال العقاب الجماعي، وفق بكر، الذي يوضح أن غزة تحتاج من 15 إلى 20 ألف طن سمك سنويا، يصطاد من بحر غزة نحو ألفي طن فقط وكل تقييد يحد من الكمية وبالتالي يساهم في العجز الغذائي.
جريمة حرب
صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني (حشد)، قال إن العقوبات الجماعية تأتي في إطار استمرار جرائم الاحتلال وجريمة الحصار التي تحاول سلطات الاحتلال مأسستها من خلال معادلة الأمن مقابل الهدوء.
وأكد صلاح، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن القانون الدولي والدولي الإنساني يجرم العقوبات الجماعية.
وأشار إلى أن ما تقوم به قوات الاحتلال بهذا الصدد يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خاصة إذا تزامنت إجراءاته ضد المدنيين مع منع إدخال البضائع والدواء ومنع السفر وبالتالي تترك نتائج كارثية على السكان.
وأضاف: "إسرائيل حولت بجرائمها غزة لمنطقة منكوبة.. وهي مستمرة بجرائمها في ظل وجود دعم أمريكي لها واستخدام الفيتو يوفر غطاء للاحتلال لمواصلة جرائمه".
عقوبات جماعية في الضفة
توظيف إسرائيل لسياسة العقاب الجماعي لا يقتصر على قطاع غزة، بل يمتد إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة.
الباحث الحقوقي ياسر عبدالغفور قال إن سياسة إسرائيل المتمثلة في هدم منازل ذوي الأسرى والشهداء الذين ينفذون عمليات فدائية، هو شكل من أشكال العقاب الجماعي التي يجرمها القانون الدولي، وتشكل انتهاكات فاضحا اتفاقية جنيف الرابعة.
وأضاف الغفور، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن سياسة إغلاق المناطق وفرض التصاريح والحرمان من السفر، جميعها أشكال من العقاب الجماعي تمارسها قوات الاحتلال بمنهجية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب سياسة الحصار والقصف العشوائي التي تقترفها في قطاع غزة.
وأكد أن إسرائيل تستفيد من منافع الإفلات من العقاب الذي يوفره الدعم الأمريكي متعدد الأوجه والصمت الأوروبي، وعجز المجتمع الدولي عن إيجاد آليات مناسبة تلزم الاحتلال بقواعد القانون الدولي، وهو ما يشجعها على اقتراف المزيد من الجرائم التي تطال نتائجها بشكل خاص المدنيين الفلسطينيين.