جدل حول اعتراف ماكرون باستخدام فرنسا التعذيب إبان استعمارها للجزائر
جدل فرنسي حول تصريحات ماكرون بالاعتراف بالتعذيب إبان استعمار الجزائر، انقسامات بين اليمين واليسار ومخاوف ضباط الجيش الفرنسي من الانتقام
أثارت اعترافات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإنشاء بلاده "نظاما" استخدم فيه "التعذيب" خلال الاستعمار حالة من الجدل وانقسامات في الأوساط السياسية الفرنسية، حتى أصبحت قضية جدلية بين اليمين واليسار الفرنسي، ففيما رحب الشيوعيون واليساريون بالخطوة انتقد اليمين المتطرف تلك التصريحات، معتبرها مغازلة للجاليات المسلمة والجزائرية في فرنسا وحضا على الكراهية.
وأقرت فرنسا، أمس الأول، بأنها أنشأت خلال حرب الجزائر (1954-1962) "نظاما" استخدم فيه "التعذيب"، الأمر الذي يمثل خطوة فارقة في نزاع لا يزال يتسم بحساسية خاصة بعد 6 عقود من انتهاء تلك الحرب، لكونها المرة الأولى التي يعترف فيها رئيس فرنسي رسمياً بقيام الدولة الفرنسية بممارسة التعذيب إبان استعمار الجزائر.
- محللون عن فتح فرنسا ملف تعذيب ثوار الجزائر: مناورة وخطوة متأخرة
- ماكرون وملف الذاكرة الجزائرية الفرنسية.. الاعتراف المبتور
واعتبرت النائبة البرلمانية في حزب "الجمهورية إلى الأمام" سيدريك فيلاني اعتراف الرئيس الفرنسي بـ"لحظة تاريخية".
فيما أشار الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي إلى أن "تصريح الرئيس الفرنسي انتصار تاريخي للحقيقة والعدالة بعد مرور 61 عاماً من كذب الدولة الفرنسية، واعتراف رسمي بعمليات التعذيب التي قام بها الجيش الفرنسي ضد الجزائريين".
من جانبه، قال المؤرخ الفرنسي ورئيس المجلس الاستشاري للمتحف الوطني لتاريخ الهجرة بنجمان ستورا إن "تصريح ماكرون خطوة مهمة للغاية، ويدخل في إطار الاعترافات التاريخية لفرنسا مثل اعتراف الرئيس الأسبق جاك شيراك بمسؤولية بلاده في قضية مداهمة فال ديف"، التي استهدفت اليهود الفرنسيين في عام 1942"، حسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
بدورها، قالت المؤرخة رفاييل بلانش: "الآن لن يكون ممكنا إنكار استخدام التعذيب في الجزائر".
انتقادات اليمين المتطرف لماكرون.. حض على الكراهية
من جهة أخرى، انتقدت زعيمة حزب "التجمع الوطني" (يمين متطرف) مارين لوبن قرار الرئيس ماكرون، موضحة أن "التصريح الأخير بأن فرنسا استخدمت التعذيب في الجزائر خلال الحرب "سيفرق بين الفرنسيين"، كما اعتبرته مجاملة "للشيوعيين والجالية المسلمة والجزائرية"، حسب إذاعة "إر.تي.ال".
إلى ذلك، علق الزعيم السابق لليمين المتطرف في فرنسا جون ماري لوبن، قائلاً "هل تم إثبات عمليات التعذيب؟ وما هي مسئولية الجيش الفرنسي في ذلك الحادث؟ معتبراً التصريحات بمثابة إعلان حرب مدنية خاصة للمواطنين الفرنسيين من أصول جزائرية ومسلمة"، داعياً الرئيس الفرنسي بعدم "النبش في القبور، فذلك الأمر يحض على الكراهية".
فيما انتقد وزير الداخلية الأسبق الفرنسي بريس أورتيفو اعترافات ماكرون، ووصفها بـ"القرار السيئ".
ووعد ماكرون كذلك بـ"فتح الأرشيف المتعلق بقضايا اختفاء مدنيين وعسكريين من فرنسيين وجزائريين" خلال الحرب التي لا تزال أحد الملفات الأكثر إثارة للجدل في تاريخ فرنسا الحديث، لما لذلك من أثر على العلاقات الوثيقة والمعقدة القائمة بين فرنسا والجزائر.
مخاوف الجنود الفرنسيين من الانتقام
من جهتها، حذرت صحيفة "لوموند" من مخاوف الجنود الفرنسيين بخلط الأمور والملفات من قبل البعض والقيام بأعمال انتقامية، بعد هذا الإقرار الذي تقدم به ماكرون.
ورأت صحيفة "لاكروا" الفرنسية أن "قضية موريس أودان ظلت لسنوات تحمل النسخة الرسمية التي روجت لها الحكومات الفرنسية السابقة والتي تقضي بأن المناضل الفرنسي داخل صفوف الثورة الجزائرية فر من السجن"، كما اعتبرت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية أن ماكرون يعيد فتح ملف مؤلم".
ولفتت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية إلى مغذى اعترافات الرئيس الفرنسي، مشيرة إلى أن لها أبعاد ودوافع سياسية تميل نحو اليسار، موضحة أن تلك الاعترافات واستخدامه الشعارات خلال خطابه جاءت عقب تقديم خطة شاملة لمكافحة الفقر.
إلى ذلك، رحبت الجزائر باعتراف ماكرون، معتبرة تلك الخطوة بـ"الإيجابية التي يجب تثمينها". وقال وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني إن فرنسا والجزائر سيعالجان ملف الذاكرة "بحكمة".
وكان ماكرون اعترف رسميا، أمس الأول، بـ"مسؤولية الدولة الفرنسية" في مقتل مدرس الرياضيات موريس أودان، المناضل الشيوعي المساند للثورة الجزائرية، الذي فقد أثره عام 1957.
ويشار إلى أن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند تطرق إلى تلك الإشكالية عام 2014، واعترف بأن أودان مات خلال فترة احتجازه.
وتوجه ماكرون إلى منزله بحي "بانيوليه" في ضاحية باريس، وسلم لزوجته جوزيت (87 سنة) وولديها إعلاناً بهذا المضمون، يطلب منها فيه "الصفح"، قائلاً: "من المهم أن تُعرف هذه القصة، وأن يُنظر إليها بشجاعة وجلاء. هذا مهم من أجل طمأنة وصفاء نفس أولئك الذين سببت لهم الألم (...) في الجزائر وفي فرنسا على حد سواء".
من جهتها، رحبت عائلة أودان بهذا الاعتراف الرسمي، مؤكدة "أنه يدخل في إطار محاربة سياسة التعذيب التي استخدمت كأداة للقمع ونشر الرعب في العالم".