"الرواية العالمية".. كتاب يبحث أسرار الرواج وأدب "الديستوبيا" والاحتفاء الغامض
"الديستوبيا" تعني أدب المدينة الفاسدة، الذي يتناول مجتمعا غير فاضل تسوده الفوضى، ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق
يؤكد كتاب "الرواية العالمية، التناول الروائي للعالم في القرن 21" صعوبة العثور على الأسباب التي تقف وراء رواج أي عمل أدبي، لأن واحدة من أكثر الأفكار المعرضة لخطر التجاهل في الأدب العالمي هي فكرة السلطة المرجعية.
ويشدد الكتاب الذي ترجمته لطفية الدليمي، وصدر عن دار المدى العراقية في 130 صفحة من القطع المتوسط، على أن الآليات المؤسساتية التي يتمّ بموجبها -وتحت رعايتها- الاحتفاء بنخبة مختارة من المؤلفين والروائيين تظلّ غامضة وغير مفهومة على نطاق واسع، ولهذا السبب فهي عرضة للشبهات والتشكّك على الدوام.
ويسعى الكتاب إلى تأمل الفجوة بين الأدب والسياسة، في الوقت الراهن، بعد السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، حيث يقف الاقتصاد السياسي على الطرف النقيض من الخيال الأدبي، الذي يبدي نزعة عدائية أحادية الجانب تجاه السياسات الترامبية بوجه عام.
يضم الكتاب (6 مقالات مهمة) لآدم كيرش، وهو ناقد وشاعر أمريكي معروف يعمل في الحلقة النقاشية الأدبية لمركز الدراسات الأمريكية التابع لجامعة كولومبيا المرموقة، وتخرّج في جامعة هارفرد بشهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1997، وبدأ على الفور يعمل محرّرا أدبيا مساعدا، ثمّ كاتبا حرّا يكتب مقالات منتظمة في كبريات الصحف والمجلات العالمية.
في الكتاب يتساءل كيرش: هل الكتب التي أتاح لنا الحظّ فرصة قراءتها- مثل روايات أورهان باموك أو روبرتو بولانيو أو إيلينا فيرانتي- هي حقاً الأفضل والأكثر أصالة بين الروايات الأخرى المكتوبة بذات اللغات التي كُتبت بها هذه الروايات؟ أم أنها الروايات التي تناغمت مع الحسابات التجارية القائمة فحسب؟
ويعتبر الكتاب أن الأدب يكون على الدوام أحد الوسائل الفضلى لمداعبة خيالات القرّاء عبر الحدود المتعالية، لكن وبرغم هذا الدور العابر للحدود الذي يلعبه الأدب فإنّ الحقيقة الماثلة على الأرض تنبئنا أنّ العديد من النقّاد والمنظّرين الأدبيين، وبخاصة المنتمين لأجنحة فكرية يسارية، يمتلكون أسبابهم الخاصة التي تدفعهم لعدم الوثوق بفكرة "العالمي" عندما يختصّ الأمر بالأدب في أقلّ التقديرات.
ويشير كيروش إلى أن هناك كتابات تمّ تسليعها تجارياً تحت يافطة الهويات المسكوت عنها: "ربما لن تحظى هذه الكتب التي تقف موقفاً مضاداً من هذه الهويات بفرصة الترجمة والانتشار العالمي، بل ربما لن تجد من يكتبها على الإطلاق بعد أن بات الكتّاب على اختلاف لغاتهم مدركين للتوقعات التي تتطلبها السوق العالمية".
ويلحظ المؤلف ميلاً طاغياً للكتّاب لإزاحة كلّ العوائق المحلية المفترضة التي تقف عائقاً أمام الفهم العالمي، ويضرب مثالا في هذا الصدد بكتابات الياباني هاروكي موراكامي والتركي أورهان باموك، معتبرا أنّ أيّ منتج أدبي ينال حظوة واحتفاءً من جانب النظام الرأسمالي العالمي لا بدّ أن يتمّ تحييده ومن ثمّ تدجينه من جانب النسق النيوليبرالي المتغول الحاكم في العالم، ويرى أنه في التحليل الأخير سنعرف أنّ كلّ ناشري الكتب هم في الغالب أذرع صغيرة للتجمعات الرأسمالية العملاقة، ويتساءل: "كيف يمكننا أن نتوقع في حالة مثل هذه أن يحظى عمل ذو رؤية راديكالية أصيلة أو مخالفة للسائد بفرصة للانتشار؟".
وتأتي ترجمة الكتاب للعربية وسط موجة من النقاشات في الصحافة الأدبية حول الجوائز الأدبية العربية ومعاييرها.
وفي سياق آخر يفسر الكتاب شيوع رواية "الديستوبيا" في العالم أو الأدب الذي يتنبأ بفناء العالم خلال السنوات الأخيرة، ويرى الكتاب أن هذا النوع من الأدب يبدو طبيعيا في ظل تحولات عالمية، لافتا إلى أن أعظم روايات "الديستوبيا" كانت دائما انعكاسا لأحوال المجتمعات التي أنتجتها ولطالما وظفت تلك الروايات الاستعارات العلمية لكي تدين بها الأحوال المجتمعية المعتلة في وقتنا الراهن.
وشاعت في العالم العربي مؤخرا موجة من الروايات التي تحاول تناول الواقع الكابوسي، من أبرزها في مصر "يوتوبيا" للكاتب أحمد خالد توفيق، ورواية "عطارد" لمحمد ربيع والطابور لبسمة عبدالعزيز وفي العراق تقدم رواية "فرانشكتاين في بغداد" لأحمد السعداوي مثالا لافتا حول طابع هذه الروايات ومن أبرزها عالميا "فهرنهيت 451" لراى بردابورى، و"1984" لجورج أورويل.
والمقصود بـ"الديستوبيا" هو أدب المدينة الفاسدة، الذي يتناول عالم الواقع المرير، ويتعاطى معه كمجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما.
وقد تعني "الديستوبيا" مجتمعا غير فاضل تسوده الفوضى، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض.
وظهرت قصص مثل هذه المجتمعات في العديد من الأعمال الخيالية، خاصة في القصص التي تقع في مستقبل تأملي، والديستوبيات تتميز غالباً بالتجرد من الإنسانية، والحكومات الشمولية والكوارث البيئية أو غيرها من الخصائص المرتبطة بانحطاط كارثي في المجتمع، ولهذا السبب، اتخذت "الديستوبيا" شكل التكهنات بمشكلات التلوث والفقر والانهيار المجتمعي والقمع السياسي أو الشمولية.
ويستعيد الكاتب عملية توظيف التقنيات العلمية في النماذج الأدبية الشائعة، حول روايات الديستوبيا، ويقول: "وظف ألدوس هكسلي في روايته (عالم شجاع) فكرة الكتلة المجتمعية الجاهلة غير المثقفة من خلال وسائط الضبط والتكيف السلوكي، بينما تخيل جوروج أورويل في روايته 1984 كيفية المزواجة بين تقنية المراقبة المجتمعية من جهة وأحكام قبضة مذهبية أيديولوجية محددة وتسييدها على الناس من جهة أخرى".