أنفاق الحقبة الشيوعية تجذب السياح في ألبانيا
الملجأ الأكثر إثارة للاهتمام يبقى ذلك المحفور في الصخر تحت القصر المشيد في قريته جيروكاسترا في جنوب ألبانيا وهو مدرج على قائمة اليونسكو
سدد فيروس كورونا ضربة قوية للسياحة في ألبانيا، غير أن قلة من الزوار الأجانب لا يزالون يُقبِلون مع ذلك على التنقل داخل متاهة شكّلتها سلسلة أنفاق حفرها الديكتاتور السابق أنور خوجة لحماية نفسه من هجوم نووي لم يحصل يوما.
- الفيروس يفرض شروطا جديدة لدخول صربيا
- شركات تنظم رحلات "غريبة" لتعويض الخسائر.. التذاكر نفدت في 10 دقائق
في خلال أربعة عقود في الحكم، زرع الزعيم الشيوعي الراحل البلد الصغير في منطقة البلقان بآلاف الملاجئ كما حفر تحت الأرض كيلومترات من السراديب المعدة للاحتماء من أي هجوم ذري محتمل.
لكن الملجأ الأكثر إثارة للاهتمام يبقى ذلك المحفور في الصخر تحت القصر المشيد في قريته جيروكاسترا في جنوب ألبانيا حاليا، وهو مدرج على قائمة اليونسكو للتراث.
وبعد 3 عقود على سقوط الشيوعية، يشكل "نفق الحرب الباردة" نقطة جذب سياحي بارزة، رغم أن عدد الزوار الأجانب تراجع بنسبة 90% هذه السنة بسبب فيروس كورونا المستجد.
وتمتد الأنفاق على 1500 متر في ثغر الجبل تحت القصر المشيد في القرن الثاني عشر والذي استُخدم كمعتقل في زمن الشيوعيين كما فعل النازيون قبلا.
وتجوب المجموعة الفرنسية المؤلفة من عشرة سياح أرجاء هذا العالم المبني تحت الأرض بأمر من أنور خوجة الذي خاصم العالم بأسره، من الغرب إلى الصين مرورا بالاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا السابقة، وكان ينتظر الضربات من أي مكان.
وكان يراد من المجمع أن يؤوي كوادر النظام والقيادة العسكرية في حال النزاع إذ كان ليوفر لهم مركزا سريا لقيادة العمليات العسكرية. وكان يُطلب من سكان تنفيذ مناورات في الموقع مرات عدة سنويا.
ومع أن جدران الموقع باتت تتفتت ببطء داخل الأنفاق المتداعية، فإن المجمع كان في الواقع معلما ذا هندسة معقد، يضم قاعات كثيرة معدة لمقاومة القنابل الذرية بزنة 20 ألف طن وفيها غرف للقيادة العسكرية وأجهزة الاستخبارات والنيابة العامة والقضاء وعمليات التجسس، وفق ما يوضح العسكري المتقاعد أستريت إيميري البالغ 67 عاما.
كذلك كانت تضم هذه الأنفاق غرفا مخصصة للإرسال الإذاعي أو للتنصت، فضلا عن مهاجع ومخبز وصهاريج مياه وحتى رشاشات كلاشنيكوف ومسدسات توكاريف الروسية نصف الأوتوماتيكية لمواجهة أي تسلل معاد محتمل.
مليار دولار خسائر
وقد كان النفق مزودا "كل المواد المطلوبة للصمود لأيام وأسابيع كاملة وليس لساعات فحسب"، وفق إيميري.
واستمر تشييده الذي بدأ في سبعينات القرن الماضي أكثر من عشر سنوات، مع فرق تعمل بالتناوب قبل الانتقال إلى مواقع أخرى كي لا يكوّن أي منها فكرة شاملة عن الموقع.
وفي المحصلة، أمر أنور خوجة بتشييد 173371 ملجأ في مختلف أنحاء ألبانيا، إضافة إلى أنفاق كثيرة ومخابئ تحت الأرض، وفق وثائق رسمية.
ومع انهيار النظام سنة 1990، جرى التخلي عن هذه المواقع وأكثريتها لا تزال مهملة حتى اليوم. لكن حُوّل بعضها إلى مقاه ومستودعات ومساكن للمشردين أو مواقع سياحية كما في جيروكاسترا.
إلا أن "المدينة الحجرية" لم تستقبل هذه السنة سوى 22 ألف زائر من البانيا والخارج في مقابل 120 ألفا في الفترة عينها العام الماضي.
ويقول رئيس غرفة التجارة والصناعة في جيروكاسترا إن "السياحة هي القطاع الاقتصادي الأكثر تضررا وقد تلقت ضربة قوية بسبب الجائحة".
وفي سائر أنحاء ألبانيا، تراجع عدد السياح الأجانب بنسبة 70% فيما تشير تقديرات الخبراء إلى أن قيمة الأرباح الفائتة جراء هذا التراجع تفوق مليار دولار.
إلا أن المجموعات الصغيرة من السياح الذين يتنزهون في الشوارع الفارغة "تعطي بارقة أمل"، وفق ماكسيم خوجة الذي يؤكد ان جيروكاسترا، وهي أيضا مدينة الكاتب الألباني الكبير اسماعيل قادري، "لديها دائما ما تقدمه" للزوار.