أداة لخفض الانبعاثات.. ما الفرق بين أسواق الكربون الإلزامية والطوعية؟
رغم نشأتها منذ أكثر من عقدين؛ فإن أسواق الكربون لم تشهد الزخم الحالي سوى في السنوات الأخيرة، مع تزايد السياسات الخضراء.
وترتبط فكرة أسواق الكربون بمفهوم الحياد الكربوني؛ إذ يمكن للدول أو الشركات التعويض عن انبعاثاتها بالقدر نفسه الذي تسببت في إطلاقه، لتصل إلى ما يُعرف بتحييد بصمة الكربون.
ورغم كل المصادر المتجددة وتقنيات إزالة الكربون؛ فإن هناك قطاعات يصعب القضاء نهائيًا على انبعاثاتها حتى الآن، لتظهر هنا تعويضات الكربون وتكون بمثابة الحل الأمثل.
ورغم تزايد زخم أنظمة تداول الانبعاثات الإلزامية مؤخرًا؛ فإن معظمها ينطبق على قطاعات الكهرباء والتصنيع، ومع ذلك باتت أسواق الكربون الطوعية تشهد نموًا أيضًا، مع رغبة الشركات التي لا تندرج تحت الأنظمة الإلزامية في خفض الانبعاثات تحت ضغط من المستثمرين والمستهلكين، فما الفرق بين أسواق الكربون الإلزامية والطوعية؟
لماذا ظهرت أسواق الكربون؟
يأتي الاتجاه المتزايد نحو أسواق الكربون عامةً مع سعي الدول والشركات إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، من أجل تفادي أسوأ تداعيات جراء تغيّر المناخ، وفق منصة الطاقة العربية.
وفرضت دول عديدة آليات لتسعير الكربون، لإجبار الشركات والقطاعات على خفض الانبعاثات، وإلا فإنها مجبرة على دفع ثمن التداعيات السلبية التي تفرضها على البيئة.
ومع السعي إلى خفض الانبعاثات، ظهرت عقبات في الطريق نحو الطاقة النظيفة؛ فهناك قطاعات كثيفة الكربون؛ مثل التعدين والصناعات المختلفة التي يصعب القضاء على انبعاثاتها، بمعنى أوضح هناك انبعاثات لا مفر منها ولا يمكن كهربتها -أو تحويلها إلى كهرباء نظيفة-.
وهنا جاءت فكرة تجارة الكربون؛ إذ تستطيع شركة ما التعويض عن كل طن من الانبعاثات التي تتسبب فيها، من خلال المساهمة في مشروع منخفض الكربون أو عن طريق دفع مقابل مادي يوازي سعر طن الكربون.
واتسعت هذه الفكرة إلى أسواق تربط المؤسسات والشركات التي تولد انبعاثات الكربون بالكيانات التي لديها فائض في الحد من الكربون، أو تطور مشروعات صديقة للبيئة.
نشأة أسواق الكربون
بدأت فكرة أسواق الكربون عام 1997، عندما وقّعت 180 دولة بروتوكول كيوتو، مع إمكان الدول الأكثر ثراءً تقليل انبعاثاتها من خلال الدفع مقابل تطوير مشروعات منخفضة الكربون في الدول الفقيرة، وهذا بهدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بين عامي 2008 و2012 بنحو 5% دون مستويات عام 1990.
واتضح أن هذا الهدف كان طموحًا مبالغًا فيه، في عالم أدمن الوقود الأحفوري، خاصة مع انسحاب الولايات المتحدة من بروتوكول كيوتو عام 2001 وتبعتها دول أخرى لاحقًا.
ورغم فشل الدول حتى الآن في إنشاء سوق عالمية لتجارة الكربون، رغم التأكيد على ذلك في المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ؛ فإن الاتحاد الأوروبي كان أول من يتخذ خطوة على الطريق الصحيح في هذا المجال، من خلال إنشاء نظام لتداول الانبعاثات عام 2005، ليغطي حاليًا أكثر من 40% من إجمالي انبعاثات المنطقة.
وحتى أبريل/نيسان 2020، كان هناك 23 نظامًا لتجارة الكربون في العديد من الدول؛ مثل: كازاخستان وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيوزيلندا وسويسرا وكندا، تغطي 9% من الانبعاثات العالمية، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
وبصفة عامة، يوجد أكثر من 60 برنامجًا خاصًا بتجارة الكربون على المستويات المحلية والوطنية، كما أطلقت الصين نظام تداول الانبعاثات الخاصة بها العام الماضي؛ لتغطي جميع مبادرات تسعير الكربون ما يقرب من 20% من إجمالي الانبعاثات العالمية.
وفي قمة المناخ (كوب 26)، توافقت الدول أخيرًا على المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ، التي من المرجح أن تعزز آليات أسواق الكربون؛ إذ تتيح للبلدان شراء تخفيض الانبعاثات في الخارج واستخدامها لتحقيق أهدافها الخاصة، وهذا تندرج تحته أيضًا الشركات، ومن ثم أسواق الكربون الطوعية.
الفرق بين الأسواق الطوعية والإلزامية
في أسواق الكربون الإلزامية، تكون الشركات ملزمة بشراء أرصدة الكربون عندما تزيد انبعاثاتها على حد معين، من خلال تصاريح تُصدر من الحكومات، كما هو الحال في نظام تداول الانبعاثات الأوروبي.
كما يمكن للشركات الأقل إطلاقًا للانبعاثات من الحد المسموح به بيع تصاريحها الإضافية، لكيانات أخرى تصدر انبعاثات كثيرة، وهذا يُجنب الأخيرة عقوبات تفرضها الحكومة، بموجب نظام تداول الانبعاثات.
أما أسواق الكربون الطوعية، فإنها كما يوحي اسمها تكون اختيارية، وتسمح للشركات التي تخطط للحياد الكربوني ولا تندرج تحت أنظمة تداول الانبعاثات الوطنية بأن تحقق أهداف خفض الانبعاثات، سواء من خلال تجنب الانبعاثات على طريق زراعة الأشجار مثلًا، أو إزالة هذه الانبعاثات من خلال استخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.
وتتيح أسواق الكربون الطوعية خفض الانبعاثات على طول سلسلة القيمة، في حين تغطي الأسواق الإلزامية الانبعاثات المباشرة فقط (النطاق 1).
ورغم ذلك؛ فإنه لا تزال الأسواق الطوعية تغطي أقل من 1% من إجمالي الانبعاثات عالميًا، مقارنة بـ20% للأسواق الإلزامية.
الحياد الكربوني
وعلى عكس أسواق الكربون الإلزامية، تفتقر الأسواق الطوعية إلى السيولة اللازمة للتجارة الفعالة، كون أرصدة الكربون غير متجانسة إلى حد كبير؛ إذ تكون لكل ائتمان سمات مرتبطة بالمشروع الأساسي، مثل نوع المشروع أو المنطقة التي يُنفذ فيها.
كما أن هناك فرقًا يجب توضيحه، هو أنه لا يمكن استخدام ائتمانات الكربون في السوق الطوعية من قِبل الكيانات لتلبية التزامات خفض الانبعاثات بموجب مخطط إلزامي على المستوى المحلي أو الوطني، ومع ذلك، يمكن قبول ائتمان الكربون في الأسواق الإلزامية من قبل الكيانات الراغبة في تعويض انبعاثاتها طواعية.
سعر الكربون
في أسواق الكربون الإلزامية، يختلف سعر الكربون حسب نظام تداول الانبعاثات في الدولة؛ فأسعار الكربون في أوروبا تختلف عن الصين وكندا على سبيل المثال.
ويدعو صندوق النقد الدولي، إلى وضع سعر عالمي للكربون من أجل مساهمة أكبر في خفض الانبعاثات، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة كل دولة.
وحسب صندوق النقد؛ فإن الحد الأدنى لسعر الكربون يجب أن يبلغ 75 دولارًا للطن للاقتصادات المتقدمة بحلول 2030، و50 دولارًا لاقتصادات الأسواق الناشئة ذات الدخل المرتفع مثل الصين، و25 دولارًا للدول ذات الدخل المنخفض مثل الهند.
ومؤخرًا، وصل سعر الكربون في أوروبا إلى أكثر من 90 يورو للطن (100.8 دولار).
وفي هذا النوع، ورغم أن السعر يتحرك بناءً على العرض والطلب؛ فإنه يمكن للحكومة أن ترفع أو تخفض متوسط أسعار الكربون، على الأسواق الطوعية التي تبتعد عن تدخلات الأسعار.
وفي كندا، تهدف الحكومة إلى رفع سعر الكربون إلى 170 دولارًا كنديًا (136 دولارًا أمريكيًا) بحلول نهاية العقد الجاري.
وفي الأسواق الطوعية، يبلغ متوسط سعر تعويضات الكربون المتداولة حاليًا 5 دولارات للطن تقريبًا، بحسب وود ماكنزي.
ويحدد سعر تعويضات الكربون في هذه الأسواق غير الإلزامية حسب فئة المشروعات وجودتها في خفض الانبعاثات؛ إذ تُعد مشروعات الغابات واستخدام الأراضي والطاقة المتجددة الفئات الأكثر شيوعًا للتعويض، مع تداول مشروعات استخدام الأراضي بأسعار أعلى 5 مرات من الطاقة المتجددة، بحسب بنك الاستثمار الهولندي آي إن جي.
توقعات باستمرار الزخم
ارتفع حجم تعويضات الكربون المبيعة ضمن الأسواق الطوعية إلى أكثر من مليار دولار لأول مرة في عام 2021، بحسب آي إن جي.
وتقدر شركة "ماكنزي" أن الطلب على تعويضات الكربون يمكن أن يزداد 15 مرة أو أكثر بحلول عام 2030، ونحو 100 مرة منتصف القرن الحالي.
وبحسب الشركة؛ فإن الطلب العالمي السنوي على أرصدة الكربون يمكن أن يتراوح بين 1.5 و2 غيغا طن من الكربون بحلول عام 2030، وبين 7 و13 جيجاطن بحلول منتصف القرن.
وبصفة عامة، يمكن أن تزيد قيمة سوق ائتمانات الكربون على 50 مليار دولار في عام 2030.
من جانبها، ترى "وود ماكنزي" أنه بعد التوافق على المادة 6 من اتفاقية باريس خلال كوب 26؛ فإن العالم سيشهد تطورًا في أسواق الكربون على المستويين الوطني والإقليمي.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تحل الأسواق الإلزامية محل نظيراتها الطوعية، بل سيستمر الاثنان في النمو معًا، وسيشهد كلاهما زيادات كبيرة في الأسعار والنطاق، بحسب شركة الأبحاث.