لا يمكن مواجهة أفكار التطرف والإرهاب دون الاقتراب من أفكار سيد قطب، مُنظّر تنظيم الإخوان، وإمام المتطرفين.
فسيد قطب صاحب أشهر المقولات، التي دفعت مئات الآلاف من الشباب على مدار أكثر من خمسين عامًا في اتجاه التطرف والإرهاب، وما زالت أفكاره تمثل المعين الذي تستقي منه كل جماعات الإسلام السياسي العنف في العصر الحديث.
تمحورت أفكار سيد قطب حول "الجاهلية"، التي وصف بها كل المجتمعات، باستثناء المجتمع الذي سعى لإخراجه من الضلال، فسماه "العُصبة المؤمنة"، تلك التي تدّعي احتكار الإسلام، وهم الذين يقتلون مَن "يعيشون في جاهلية"، والذي رأى "قطب" أن دينهم لا يمكن أن يكون دينًا إلا بما صكّه هو من مفهوم "الحاكمية"، من منطلق الآية الكريمة "إنِ الحُكْمُ إلا لله"، لكنَّ سيد قطب -وتابعيه- أسقط مفهوم الحاكمية من الله إلى مجموعة بشرية، أي أن يكون مجموعة من البشر لهم الحُكم أيضا، وهذه المجموعة بالطبع هي العُصبة التي يتكلم عنها "قطب"، وقد صار مفهومهم هذا عن الحاكمية مبررا لتكفير المجتمعات وتجهيلها، وأوجد "قطب" بهذا مَن يقاتل المجتمع باسم "العُصبة المؤمنة" وأوجد له مبررا للقتل متذرعا بواجهة دينية.
هنا اختصر "قطب" الدين في تكفير المجتمعات عبر مصطلح "الجاهلية"، الذي استعاره من "أبو الأعلى المودودي"، أي بإقامة هذا الدين/دينهم من خلال العنف أو القوة، أو ما أطلقوا عليه كذبا وتضليلا "الجهاد".
أفكار سيد قطب وجدت طريقها نحو عقول أفراد جماعات الإسلام السياسي، التي رأت في هذه الأفكار وسيلة لتحقيق غاياتها نحو كراسي السلطة، فبحكم أن سيد قطب كان عضوًا بما يسمى "مكتب إرشاد الإخوان" وكان مسؤولًا عما أسموه "نشر الدعوة"، فقد تشرّب التنظيم أفكاره، حتى نشأ جيل داخل التنظيم سُمّي بـ"القطبيين"، وصدّرت الجماعة نفسها أفكاره إلى كل تيارات الإسلام السياسي الأخرى.
ورغم بشاعة أفكار "قطب" ودمويتها تمكن من تلبيس هذه الأفكار أقنعة رومانتيكية، فقد كان ناقدا أدبيا في بدايته، ما ساعده على طرح أفكاره الهدّامة في سياق تبرير العنف كمن يمرر السم إلى العسل، فعبر هذه الأفكار تم استقطاب عناصر جديدة لتنظيم الإخوان، وتم تصوير الحلال لهم حرامًا والحرام حلالًا، وأصّل لهم ممارسة العنف باسم "الدين"، وهو ما يحتاج بالطبع إلى تفكيك عبر مشاريع ضخمة.
عاش "قطب" حياة الاغتراب والعزلة والوحدة، فدعا إلى العزلة اللا شعورية عن المجتمع، ثم دعا إلى قتاله! دخل علاقة عاطفية في شبابه ولم تنجح، فتركت أثرًا سلبيا على شخصيته، التي ظهرت في روايته الوحيدة "أشواك"، هذه المقدمات خلقت منه شخصية متطرفة، اجتماعيًا ودينيًا، وخطورة هذا الرجل ليست في ممارسته الإرهاب، وإنما في تأصيله لهذا الإرهاب، فما زالت بعض أفكاره تعيش بيننا حتى الآن كمنهاج لكل تنظيمات الإرهاب.
كتابا سيد قطب "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، لا يزالان يُطبعان ويُوزَّعان في بعض البلدان رغم أنهما يُحرضان على ممارسة العنف، لذا فنحن في حاجة إلى تسليط الضوء على شخصية الرجل وما مر به في حياته بمراحلها المختلفة، حتى يتسنى للقارئ فهم الشخصية الملتبسة والمعقدة التي تقف وراء هذه الأفكار القاتلة، وبالتالي يزيد وعي الناس، فتزداد مناعتهم تجاه هذه الآراء المسمومة.
تفكيك أفكار سيد قطب مشروع ضخم وجب أن تتبناه المؤسسات الدينية الرسمية والمجامع الفقهية في عالمنا العربي، لا سيما الأزهر الشريف، وذلك بطرح مشاريع موازية ترد الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة، حتى نصل إلى غاية إعدام هذه الأفكار التي تمثل جذور الإرهاب الحقيقية، والتي تقف عقبة في سبيل التعايش الإنساني.
هناك أيضا مهمة أخرى وهي تسليط الضوء على حياة "قطب" المتناقضة من خلال عمل درامي يهدف لنقل العالم غير المرئي في حياته إلى العلن، حتى يُدرك النّاس تحولاته وتأثيرها في التكوين الفكري وأثر ذلك على ما طرحه من أفكار انحازت بشكل كبير إلى العنف وتأصيل مفاهميه.. وغاية مثل هذه السيرة الدرامية الاقتراب بها إلى عموم الناس، وليس فقط المهتمين بالفكر والقراءة، خاصة أن "قطب" اقتحم عالم النّاس البسيطة بحكم أدواته الأدبية السابقة، ما مكنه من امتلاك تأثير في قطاعات من الجمهور، وبالتالي لا بد من اختراق هذه القطاعات وفضح هذه الأفكار، التي تريد إلباس الحق بالباطل، مستغلة الدين الإسلامي في مسعاها الآثم.
كلما اقتربنا من عالم "قطب" الحقيقي كان الناس أقرب إلى الانصراف عنه وعن أفكاره.
إن مواجهة إرهاب الجماعات الإسلاموية لا تكون فقط بالحلول الأمنية، لكن لا بد أن تتوازى مع ذلك مواجهة فكرية عبر كل الأدوات المتاحة من فن ومناظرة ونشر لوقف إحياء هذه الأفكار التي تهدد سِلم المجتمعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة