مرشحو حزب المحافظين للانتخابات البلدية يستجدون البريطانيين كي لا يعاقبوهم بجرائر زعيم الحزب ورئيس الوزراء بوريس جونسون.
يطوفون الشوارع ليقنعوا الناس أن ولاءهم الأول لمناطقهم وسكانها، وما ارتكبه "جونسون" من "مخالفة للقوانين" فيما بات يعرف بـ"فضائح حفلات الحكومة" لا ذنب لهم فيها.
جرت العادة أن يصوت البريطانيون في الانتخابات البلدية لصالح برامج الأحزاب الخدمية.. فيختارون لمنطقتهم من قدّم أكثر، أو يعد بتقديم أكثر من غيره، في السكن والعمل والتعليم والبنية التحتية وغيرها.
ولكن هذه الدورة ليست كسابقاتها، و"الأخطاء" التي ارتكبها "جونسون" تُلقي بظلالها على نتائج الاستحقاق.
الانتخابات المحلية الجديدة هي مرآة "مخالفات" رئيس الوزراء لقواعد الإغلاق في مواجهة جائحة كورونا خلال العامين الماضيين.
وصناديق الاقتراع بمثابة محاكمة شعبية لـ"جونسون" في هذه المخالفات بالدرجة الأولى، ومن ثمّ تعامل الحكومة مع الجائحة، وقضايا بريكست، وارتفاع كلفة المعيشة كثيرا في البلاد.
"جونسون" في أعين البريطانيين اليوم هو أول رئيس وزراء يخالف القانون ويغرَّم على ذلك.
وهذا أمر لن يمر مرور الكرام، أو ينتهي عند حدود دفعه غرامة بقيمة عشرات أو مئات الجنيهات.. فالحرب ضد زعيم المحافظين بدأت منذ أشهر عدة في الشارع وأروقة البرلمان والإعلام، ولن تنتهي بسرعة وسهولة.
الجميع يعلم أن أزمة أوكرانيا وتداعياتها على القارة العجوز هي مَن أنقذ رئيس الوزراء وحكومته، وجنّبهم الاستقالة على خلفية "فضيحة الحفلات". ولكن الانتخابات البلدية لا تأخذ هذه الأزمة بعين الاعتبار، ولا يتردد البريطانيون في تسجيل احتجاجهم على سلوك "جونسون"، خاصة في بعض الدوائر والمناطق.
تعدد مشكلات "جونسون" ساعد خصومه كثيرا على ربطها وتحويلها إلى كتلة صُلبة ضده.
تصريحات زعماء أحزاب المعارضة قبيل الانتخابات عكست توجهاً موحدا في هذا السياق، وفحواه باختصار: "البلاد لا تستطيع تحمل رئيس وزراء يخالف القانون، ويزيد أعباء الحياة وكلفة المعيشة على المواطنين".
ليست أحزاب المعارضة فقط، فهناك نواب محافظون يستعدون للتمرد على "جونسون" بعد ظهور نتائج هذه الانتخابات.. لا يهمهم كم نال الحزب من مقاعد بلدية، وأين توزعت هذه المقاعد، لأنهم على يقين، أو هكذا يظنون بتعبير أدق، أن "أخطاء جونسون وحكومته وراء كل خسارة تكبّدها ويتكبّدها المحافظون".
ما يحصده المحافظون اليوم في بلديات إنجلترا وويلز واسكتلندا يؤسس للانتخابات العامة المقبلة، سواء جاءت في موعدها، أو استُدعيت مبكرا.
وتلك الانتخابات قد تسجل انعطافة تاريخية كبرى في مستقبل المملكة المتحدة. خاصة إنْ أفرزت جبهتين مطالبتين بالاستقلال عن المملكة في اسكتلندا وأيرلندا الشمالية.
الانتخابات البلدية هي من المؤشرات الرئيسية لتوجهات البريطانيين في الانتخابات العامة، ولكن نتائجها لا تعكس بالضرورة تشكيلة البرلمان المقبل للبلاد، وبالتالي لا تحدد الحزب القائد للدولة بعد بضع سنوات.
المنتصر اليوم ربما يهزم في الاستحقاق البرلماني بعد نحو ثلاثة أعوام، والعكس بالعكس بالنسبة للفائز.
ثمة دوائر انتخابية محددة ستُقرأ نتائج الانتخابات البلدية فيها بتمعن شديد من قبل الأحزاب الكبرى في المملكة المتحدة.. خاصة إنْ جاءت مخالفة للتوجهات التاريخية في هذه الدوائر بتأييد العمال أو المحافظين.
الأمر في هذه الحالة يتجاوز معايير التصويت العادية بكثير، ويخلق إشاراتِ استفهام كبيرة للخاسرين.
نتائج الانتخابات المحلية لن تعكس بسرعة ودقة حجم التأثير الفعلي لـ"فضائح الحفلات" على قرارات البريطانيين في اختيار رؤساء وأعضاء البلديات.. ولكنها ستعكس حتما المزاج العام في البلاد إزاء المحافظين.. كما ستوضح مدى استفادة أحزاب المعارضة من "أخطاء جونسون" وحكومته على مدار عامين متتاليين.
في هذه الانتخابات، جميع الأحزاب ستعيش لحظة مكاشفة حقيقية إزاء صواب ما فعلته منذ عام 2019.. وتركُّز الأضواء على "جونسون" والمحافظين لا يعني أن المعارضة تمكنت من تجاوز جميع عثراتها السابقة، وباتت اليوم متماسكة وقادرة على الإطاحة بالحزب الحاكم في الاستحقاق البرلماني المقبل.. فلا يزال حزب العمال يتخبط في ملفات عديدة، ولا نبالغ بالقول إن أقوى أوراقه هي الأخطاء التي سقط فيها "جونسون".. أما بقية أحزاب المعارضة في إنجلترا فهي تقف على مسافة كبيرة جدا من المحافظين.. كما أن المنافسة الشديدة بينها والتباينات الكثيرة، التي تجعل توحدها في غاية الصعوبة، تُضعف موقفها وجبهتها.
في المحصلة، يعتقد جزء من المحافظين أن "أخطاء جونسون" نقاط ضعف يمكن للمعارضة استغلالها إلى حين، لذلك يجب على نواب الحزب الالتفاف على هذه الأخطاء، والوقوف وراء رئيس الحكومة حتى يتجاوز أزمته.. ولكن الجزء الآخر يظن أن الحزب لا يجب أن يسقط بسبب كبوات رئيسه، وكما قال يوما أشهر رؤساء وزراء بريطانيا ونستون تشرشل: "بعض الأخطاء لا تُنسى حتى وإنْ سامحْنا".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة