على الرغم من موافقة مجلس الأمن الدولي على الخطة الروسية - التركية من أجل وقف إطلاق النار
على الرغم من موافقة مجلس الأمن الدولي على الخطة الروسية - التركية من أجل وقف إطلاق النار، والمفاوضات من أجل تقرير مستقبل سوريا، فإن إيران التي تشارك في المؤتمر المقبل في الأستانة اتخذت موقفًا مختلفًا عن تركيا حول أولويات الحل في سوريا. إيران لديها موقف مختلف عن موسكو وأنقرة لأنها تفضل الحل العسكري في سوريا، فالمفاوضات السلمية سوف تقلص النفوذ الإيراني في المنطقة، لأن روسيا وتركيا اتخذتا موقف المبادرة في فرض الهدنة والدعوة للمفاوضات في الشهر المقبل.
الموقف التركي يدعو لسحب جميع الميليشيات الأجنبية من سوريا، بمن فيهم قوات حزب الله، لبدء سريان قرار وقف إطلاق النار في سوريا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد مقاتلي حزب الله الذين يدعمون النظام السوري يقدر بما بين 5 و8 آلاف مقاتل.. واقعيًا وعمليًا، حزب الله لن ينسحب من سوريا إلا بموافقة الجمهورية الإسلامية؛ وفي حالة رفض إيران الانسحاب من سوريا، لن يتم بسهولة.
السؤال الذي علينا طرحه هنا: هل تستطيع روسيا بدء المفاوضات السلمية وتحقيق السلام في سوريا دون موافقة إيران التي تحاول بكل الوسائل عرقلة عملية السلام؟
القلق الإيراني من الهدنة وبدء عملية السلام عبرت عنه زيارة وزير الخارجية السوري السريعة إلى طهران...
ما عناصر القوة والضعف لدى إيران في محاولتها لمنع المفاوضات وتحقيق السلام؟ إيران تحاول العبث بالهدنة الهشة باستمرارها في اختراق الهدنة في أكثر من منطقة، لكن الهدنة حتى الآن مستمرة بسبب جهود كل من روسيا وتركيا اللتين تحظيان بمباركة مجلس الأمن الدولي.
المفاوضات وتحقيق السلام في سوريا ليست من مصلحة النظام الإيراني الذي يطمح لتحقيق طموحاته القومية بالتوسع في كل من العراق وسوريا... المشكلة أن إيران لا تملك القوة والنفوذ لمنع كل من روسيا وتركيا من إنجاز الهدنة، وبعدها الدعوة للمفاوضات في آستانة الشهر المقبل، خصوصًا أن مجلس الأمن الدولي يدعم التحرك الروسي - التركي بهذا الاتجاه. ومن سوء حظ إيران أن روسيا اليوم لا تود الاستمرار في الحل العسكري في سوريا، وهي تحاول أن تجني سياسيًا ما استثمرته عسكريًا... روسيا اليوم أصبح بيدها الورقة السورية بعد فرضها الهدنة وبدء عملية السلام، وهي بذلك تحاول أن يكون موقفها قويًا في مواجهة الإدارة الأميركية.
الموقف في سوريا لن تتضح معالمه إلا بعد أن نرى توجهات الرئيس الأميركي المنتخب ترامب؛ هل يستمر في سياسة أوباما التي تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من الحرب الوقائية والتدخلات العسكرية، وسعيها لمشاركة الأطراف الفاعلة الأخرى بدلاً من الاستفراد، مع اعتمادها التوافق في مجلس الأمن الدولي بدلاً من التدخلات الأحادية؟ هل سيكون هنالك تفاهم أميركي - إيراني حول سوريا؛ إيران مهتمة أكثر بالموقف الأميركي في العراق، حيث يعتبر العراق منطقة النفوذ والقوة للتمدد الإيراني. بالتأكيد ضعف الموقف الإيراني واهتزازه في سوريا سينعكس حتمًا على العراق، وإيران قلقة من القبول العربي للوجود التركي في سوريا. فتركيا ليس لديها ميليشيات طائفية، ولا تحاول إشعال الفتنة والتوتر في العالم العربي.. تركيا دخلت بشكل قوي في المشهد السوري عبر تصريحات قادتها برفض القتل والتشريد للشعب السوري، كما أنها استضافت اللاجئين السوريين، واحتضنت فصائل المعارضة والجيش الحر، وهذا يعني أن تركيا لديها عناصر التفوق والتميز عن إيران التي تحاول تعزيز نفوذها وشعبيتها في المنطقة، وهي العناصر المتمثلة بتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وأخيرًا، نرى أن الرابح الأكبر من التدخل العسكري في سوريا هو روسيا وليس إيران؛ روسيا بعد توقف النار والهدنة والدعوة للمفاوضات في الشهر المقبل قد عززت من مكانتها، واستعادت مكانتها كقطب منافس للولايات المتحدة في المنطقة.
دول الخليج العربية لن ترتاح حتى يتم إبعاد النفوذ الإيراني في المنطقة؛ هذه الدول لا تزال متخوفة من تذبذب السياسة الأميركية في المنطقة، فهي تراقب باهتمام كبير توجهات الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب.
* نقلا عن " الشرق الأوسـط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة