في منتصف شهر يوليو/تموز الماضي كان لافتا موافقة مجلس النواب الأمريكي بفارق ضئيل على نسخة من مشروع قانون (تفويض الدفاع) للعام المالي 2024.
الموافقة جاءت بعد أن أجرى الجمهوريون تعديلات على النسخة بشأن بعض القضايا الاجتماعية الحساسة، مما دفع الديمقراطيين جميعا للتصويت ضد هذا القانون وكانت نتيجة التصويت النهائي هي 219 إلى 210.
بداية أقول إنه من شأن هذا التصويت أن يثير صراعاً محتدما مع مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، والذي سيسعى بلا شك إلى استبعاد البنود الأكثر تحفظاً من مشروع هذا القانون عندما يعقد المجلسان مؤتمرهما في وقت لاحق من هذا العام.
ونتذكر هنا أنه وعلى الرغم من تصويت لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب بـ(58 مقابل 1) لتقديم مشروع القانون الشهر الماضي فقد أوضح الديمقراطيون وبإجماع شبه كامل أنهم لا يستطيعون دعم مشروع القانون بصيغته (المعدلة) بعد إضافة الجمهوريين عدة أحكام (محافظة).
هنا في واشنطن بالقرب من الكابيتول لا ينتهي الحديث عن هذا القانون والذي ومن المتوقع أن يُكلف تمرير التعديلات عليه - والتي تمس قضايا مثيرة منها سياسية الإجهاض والرعاية الصحية للمتحولين جنسياً- أصواتا داخل الحزب الديمقراطي الشيء الكثير بسبب التصويت النهائي.
ويمكن أن يتعرض التمرير النهائي للتشريع للخطر، ما لم يستطع الجمهوريون في مجلس النواب أن يتوحدوا بقوة خلف التشريع لجعله يتجاوز الخط الأخير مع ملاحظة أن قادة جمهوريين قدموا تنازلاً كبيراً للأعضاء المحافظين عبر السماح بإجراء تصويت على التعديلات المثيرة للجدل، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان المحافظون المتشددون سيدعمون التمرير الأخير في ظل احتفاظ الجمهوريين بأغلبية بسيطة لكنهم لا يستطيعون أن يتحملوا سوى انشقاقات قليلة داخل صفوفهم في حال لم يحظَ القانون بأي دعم من الديمقراطيين.
وهنا يرد السؤال.. كيف سيكون الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين حول هذا القانون؟ز من نافلة القول أنه وفي حال أقرَّ مجلس النواب مشروع قانون الدفاع هذا فإنه سيظل بحاجة لتجاوز مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية.
خلال قراءة معمقة لنقاط هذا القانون توصلت إلى أن المسائل الخلافية فيه يمكن حصرها بعد النظر في بنود هذا القانون والذي يمثل أجندة سياسة ويُفوض بتمويل وزارة الدفاع الأمريكية...وتلك المسائل في رأيي هي:
أولا: هناك بند في القانون يحظر على وزير الدفاع دفع مقابل أو (سد نفقات خدمات الإجهاض)، وهذا القانون قد أوضح العديد من الديمقراطيين- قبل التصويت عليه- أنه لو كان مدرجاً كجزء من قانون الدفاع، فمن غير المرجح أن يدعموا التمرير النهائي للقانون بل إن بعضهم يدعو في تعديل آخر إلى حظر برنامج الرعاية الصحية لأفراد الخدمة عبر تغطية تكاليف العلاج الهرموني جنسياً وجراحات تأكيد النوع.
ثانيا: يسمح قانون "تفويض الدفاع الوطني NDAA" بتمويل قدره 886 مليار دولار كان قد طلبه الرئيس جو بايدن لبرامج دفاعية للعام 2024، ممَّا يمنح الجنود زيادة في الأجور بنسبة 5.2%، ويُوفر مساعدات لأوكرانيا بـ 300 مليون دولار، ولشراء 9 سفن جديدة للقوات البحرية، وهذا لا شك كان وسيكون محل نقاش مطول بين الحزبين فقد رفض مجلس النواب قبل فترة التعديلات على مشروع قانون الدفاع الوطني للسنة المالية 2024، والتي كما قلت سابقا قد اقترحها عدد من المشرعين لتقليل وعرقلة المساعدة العسكرية المستقبلية لأوكرانيا فعلى سبيل المثال أدانت العضو الجمهورية مارجوري تايلور جرين ما أسمته "تمويل الحروب الخارجية اللا نهائية"، على خلفية مشاكل بلادها الداخلية، ونددت بتمويل أوكرانيا وأنها ليست الولاية 51 بأمريكا.
ثالثا: في تقديري سيكون هناك رفض نهائي من مجلس النواب الأمريكي لتأييد تعديل مشروع ميزانية الدفاع الوطني حول حظر نقل القنابل العنقودية إلى أوكرانيا.
ووفقاً لنتائج التصويت الأولي فقد تم رفض التعديل بأغلبية الأصوات بعد النظر فيه فقد صوت لصالح التعديل 147 عضواً وعارضه 276 مع ملاحظة أنه وفي يوم 7 يوليو/تموز الماضي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قراره بدء تسليم الذخائر العنقودية إلى نظام كييف الأوكراني، كجزء من حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 800 مليون دولار، وبذلك تتجاوز الإدارة قاعدة تحظر إنتاج الذخائر العنقودية واستخدامها ونقلها ومع أن مشرّعين أمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري قاموا بتحركات تهدف لمنع تنفيذ القرار، لكن جهودهم مازالت في بداية الطريق، حيث قادت العضو الديمقراطية سارة جاكوبس هذه الجهود والتي تسعى من خلالها إلى تعديل "تشريع تفويض الدفاع الوطني" لحظر إرسال القنابل العنقودية، وحصلت على تأييد أكثر من 12 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب و2 من الجمهوريين وهي ترى كما أعلنت - في بيان لها - أنّ إرسال القنابل العنقودية ينافي القيم الأمريكية، وأن العديد من شركاء الولايات المتحدة لا يدعمون هذه الخطوة.
رابعا: تدعو هذه الميزانية الجيشَ الأمريكي إلى الحفاظ على "قدرة نووية موثوقة" لردع الخصوم مع تطوير ونشر أنظمة دفاع متعددة الطبقات يمكن للولايات المتحدة من خلالها هزيمة التهديدات الصاروخية المعقدة.
ومع أن البيت الأبيض انتقد هذا الجزء من قانون الدفاع الوطني المقترح على أساس أن من شأنه "تقويض الردع الاستراتيجي الأمريكي" مع الصين وروسيا فهو قد عارض كذلك المادة 1662 والتي من شأنها أن توسع سياسة الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة بطريقة تشير إلى نية تطوير دفاعات صاروخية أمريكية لمواجهة تهديدات الصواريخ النووية العابرة للقارات الكبيرة مثل تلك التي تطلقها جمهورية الصين الشعبية وروسيا، وكذلك المشروع المقترح الذي يدعو البنتاغون ووكالة الدفاع الصاروخي إلى تنفيذ برنامج لتحقيق القدرة التشغيلية الأولية لـGlide Phase Interceptor وهو سلاح يمكن أن يهزم أي صاروخ معروف تفوق سرعته سرعة الصوت، بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2029.
خامسا: خلال الساعات الماضية أجريت حوارا مختصرا مع أحد النواب استفسرت فيه -بالنظر إلى بنود هذا القانون- عن كيفية تنفيذ معاهدة ستارت الجديدة بعد تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة الأسلحة النووية في فبراير/شباط الماضي؟.
وكانت إجابته أنه قد تباينت رؤية كل من الكونغرس والبيت الأبيض حول كيفية تنفيذ معاهدة ستارت الجديدة فمشروع قانون الدفاع الوطني يحظر استخدام أموال الدفاع لتزويد روسيا بالإخطارات المطلوبة بموجب معاهدة ستارت الجديدة، ولكن يمكن إجراء "التنازلات" إذا كان ذلك في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، وأيضا إذا كانت روسيا تقدم معلومات مماثلة إلى الولايات المتحدة كما هو مطلوب بموجب معاهدة ستارت الجديدة. وهنا نلحظ توقف الولايات المتحدة، اعتباراً من 1 يونيو/حزيران الماضي، عن إرسال إشعارات معاهدة ستارت الجديدة إلى الاتحاد الروسي كإجراء قانوني مضاد لانتهاكات روسيا .
سادسا: من شأن التعديلات التي أدخلها الجمهوريون على مشروع القانون "إلغاء برنامج البنتاغون" لتعويض العسكريين الذين يتعين عليهم السفر للحصول على رعاية الصحة الإنجابية، وكذلك الحد من الوصول إلى رعاية تأكيد النوع الاجتماعي للقوات المتحولين جنسياً، وإنهاء مختلف مبادرات التنوع والمساواة والشمول في وزارة الدفاع. كما عارض معظم الديمقراطيين قانون الإجهاض والذي طرحه العضو الجمهوري روني جاكسون.
في خلاصة فإن قانون تفويض الدفاع الوطني البالغ 886 مليار دولار، والذي يُقره الكونغرس كل عام وعلى مدى العقود الستة الماضية، هو بالأساس متعلق بدفع أجور القوات المتضررة وتحديد أجندة السياسة لوزارة الدفاع.
لكن وخلال هذا العام فإن المشرعين من الجناح اليميني المتطرف يضغطون لاستخدام تعديلات لكبح سياسات البنتاغون بشأن التنوع والإجهاض وتغير المناخ، والتي يقولون إنها تصرف انتباه الجيش عن مهمته الرئيسية.
وفي رأيي فإن الجدل حول مشروع قانون التفويض الدفاعي ليس سوى مثال على التحديات العديدة التي يواجهها كيفن مكارثي الذي سيحتاج على الأرجح إلى دعم من الحزبين لتمرير مشروع قانون الدفاع الذي يأمل من خلاله المحافظة على سياسة البنتاغون في تغطية تكاليف السفر والسماح بمغادرة المجندات التي تسعى للإجهاض، والقضاء على منصب ضباط التنوع الرئيسي في البنتاغون، وحظر العمليات الجراحية والعلاجات التي تؤكد النوع الاجتماعي وأمور كثيرة تعني للأمريكيين أكثر مما تعني لهم حرب أوكرانيا، وبالتالي فقد دخل مكارثي والمعارضون المحافظون في شد وجذب بشأن عدد الأصوات المطلوبة لهذا القانون وتعديلاته خلال الفترة المقبلة .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة