التجنيد الإلزامي.. "ورقة سياسية" لتغطية الفساد وإلهاء الشارع العراقي
مجدداً يعود قانون التجنيد الإلزامي في العراق إلى الواجهة، بعد الإخفاق في تمريره طيلة أكثر من عقد.
والأحد قام مجلس النواب العراقي بإرجاء عرض قانون الخدمة الإلزامية إلى الجلسة المقبلة، بعدما كان حاضراً ضمن أجندة جدول أعماله.
خبيران في تصريحات لـ "العين الإخبارية" يعتقدان أن محاولات إعادة العمل بقانون التجنيد الإلزامي يهدف البعض من ورائه لشرعنة الفساد، وإلهاء الرأي العام عما يجري في البلاد، بجانب محاولات معالجة مشكلة البطالة لإرضاء الشارع الناقم على الأوضاع التي يعيشها العراق.
ويعتمد العراق في تجهيز قوته البشرية على آليات التطوع، وإشراك ذوي الخبرات العسكرية بعدما ألغى العمل بنظام ما يسمى خدمة العلم عقب سقوط نظام صدام حسين في 2002.
السلطات الحكومية والنيابية سعت لإعادة العمل بالخدمة الإلزامية في أكثر من مرحلة خلال العقدين المنصرمين، إلا أن ذلك لم يبصر النور بسبب الخلافات بشأن الكثير من التفاصيل.
وكان مجلس الوزراء العراقي السابق برئاسة مصطفى الكاظمي، أحال في أغسطس/آب 2021 مشروع قانون الخدمة الإلزامية إلى مجلس النواب بعد إقراره من حيث المبدأ.
وأعقب الكاظمي ذلك بتغريدة، قال فيها: "أنجزنا اليوم ما تعهدنا به منذ لحظة تسلمنا المسؤولية أمام شعبنا والتاريخ بإقرار خدمة العلم التي ستكرس القيم الوطنية في أبنائنا".
وفي حال إقراره، فإن القانون يلزم كلّ شاب عراقي يتراوح عمره بين 18 و35 عاما على الالتحاق بالتجنيد الإلزامي لمدّة أقصاها 18 شهرا، وأدناها 3 أشهر، بحسب التحصيل العلمي للشخص.
وأوضحت لجنة الأمن والدفاع، أن تطبيق مشروع قانون خدمة العلم سيتم بعد تشريعه وبعد سنتين من نشره بجريدة الوقائع العراقية، مما يعني وجود متسع من الوقت لتهيئة كافة مستلزماته المالية وتهيئة المعسكرات.
وأضافت أن المنضمين إلى الخدمة يحصلون على راتب شهري يتراوح بين 600 و700 ألف دينار (نحو 480 دولارا).
وإذا ما طبق قانون الخدمة الإلزامية سيستقبل العراق نحو 500 ألف شاب للانخراط في صفوف القوات الأمنية بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو تريليون دينار عراقي.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد رسول وفي تصريح للوكالة الرسمية تابعته "العين الإخبارية"، قال إن "قانون خدمة العلم جاء من الحكومات السابقة، وموجود في المجلس منذ الدورات السابقة"، مبيناً أن "من مهام اللجان قراءة جميع القوانين التي تأتي من الحكومة كما جاءت وبعدها يمكن تعديلها في القراءة الثانية".
وأشار إلى أن "القانون يشمل غير الحاصلين على الشهادة، ومن لديه شهادة المتوسطة سيخدم 18 شهراً، ومن لديه شهادة الإعدادية يخدم لمدة سنة، وشهادة البكالوريوس تسعة أشهر، وشهادة الماجستير ستة أشهر، والدكتوراه ثلاثة أشهر".
ورقة سياسية
وكانت لجنة الأمن والدفاع النيابية، عقدت اجتماعاً برئاسة جواد البولاني، الأحد، بحضور عدد من أعضاء اللجنة، لمناقشة مسودة مشروع قانون خدمة العلم.
وتبدي العديد من الأوساط العامة والشعبية استياءً من العودة للعمل بنظام الخدمة الإلزامية، كونها خطوة نحو المحافظة على النظام السياسي وفرصة لشرعنة الفساد تحت ذلك الغطاء.
المحلل السياسي، علي الكاتب وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، يقول إن "قانون التجنيد الإلزامي بات ورقة سياسية بامتياز غالباً ما تستخدمها القوى لإشغال الرأي العام، وتوجيه أنظاره بعيداً عن مجريات الحوادث والقضايا الجوهرية التي تلامس أداء الطبقة الحاكمة".
ويضيف الكاتب، أن "الأموال التي سوف ترصد في جوانب تهيئة المعسكرات والثكنات العسكرية وغيرها في حال تم إقرار القانون ستمثل استنزافاً كبيرا لموارد الدولة في وقت تعاني مرافق خدمية التهالك والقدم، مما يتطلب توجيه تلك الأموال نحو تلك الجوانب".
ويتابع: "على ما يبدو أن القوى المسيطرة على القرار بدت عاجزة وليس لديها أفق أو رؤية لمعالجة البطالة المتصاعدة بين صفوف الشباب سوى بتأجيرهم نحو العسكرة، ولأهداف باتت معروفة يتقدمها الكسب الانتخابي، وامتصاص زخم الشارع الاحتجاجي الناقم على أداء الحكومات المتعاقبة ".
فيما يرى رئيس مركز "تفكير السياسي"، إحسان الشمري، أنه "لرغم مشروع هذا القانون قديم، أتصور طرحه في هذا الوقت بالتحديد يرتبط بغايات، منها محاولات تشريع البرلمان لتحقيق مردود مادي لشريحة من الشباب وإعطاء صورة وانطباع عن مجلس النواب بأنه يهتم بالقضايا الوطنية".
فيما يرى رئيس مركز "تفكير السياسي"، إحسان الشمري، أنه "لرغم مشروع هذا القانون قديم، أتصور طرحه في هذا الوقت بالتحديد يرتبط بغايات، منها محاولات تشريع البرلمان لتحقيق مردود مادي لشريحة من الشباب وإعطاء صورة وانطباع عن مجلس النواب بأنه يهتم بالقضايا الوطنية".
ويلفت الشمري خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أنه يعتقد بوجود أهداف عميقة وراء محاولات البعض إعادة التجنيد الإلزامي، خاصة أنها تأتي في ظل دعوات بإجراء انتخابات برلمانية، وإيجاد وظائف جديدة للشباب، مما لا يقبل الشك أنها ستتحول إلى أصوات انتخابية".