بعد واقعة كلية الطب المصرية.. خبراء يكشفون لـ"العين الإخبارية" عواقب تفشي ظاهرة الغش
تؤدي تفشي ظاهرة الغش في بعض البلدان العربية إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة، في الوقت الذي تبذل السلطات التعليمية والتقنية مجهودات مضنية لمواكبة التطور الرهيب في وسائل الغش.
ويبدو أن العقوبات التي تلجأ إليها بعض الدول ووسائل محاربتها، غير كافية للحد من تفشي ظاهرة.
وأعلنت جامعة أسيوط المصرية رسوب 60% من طلاب الفرقة الأولى من كلية الطب، أي ما يقرب من ثلثي الدفعة، ووصلت أصداء هذه الأزمة إلى البرلمان المصري، مما أثار التساؤلات بشأن جودة التعليم في البلاد.
كما أظهرت النتائج في بالفرقة الأولى لكلية الطب بجامعة عن سوهاج،رسوب 229 طالبا بالفرقة الأولى بكلية الطب جامعة سوهاج، من إجمالي 671 طالبًا مقيدين بالفرقة الأولى بالكلية.
وفي الجزائر تشدد السلطات من إجراءاتها لمجابهة الظاهرة، ووصل الأمر إلى إدانة طالبة ضبطت متلبسة بالغش بعقوبة الحبس لمدة 6 أشهر، الأمر الذي أحدث جدلاً كبيراً سيما وأن سلطات البلاد لجأت لقطع الإنترنت عن البلاد وقت إجراء امتحانات الثانوية العامة.
فيما أدانت المحاكم في مختلف الولايات الجزائرية 21 شخصا تورطوا في الغش بامتحانات بكالوريا 2023
ويعتقد الخبير التربوي عادل النجدي عميد كلية التربية بجامعة أسيوط المصرية، إن الغش بات ظاهرة اجتماعية متوارثة داخل قطاع كبير في المجتمع المصري، ويساهم في تفشيه في مرحلة الثانوية العامة".
وأضاف: "أسلوب الامتحان بوجه عام لا يعتمد في المقام الأول على الأسئلة الذكية التي تميز بين الطلاب بل تعتمد على أسئلة منهجية ما يسهل عملية انتشار الغش حتى لو اختلف ترتيب الأسئلة بين الطلاب.
وتابع: "مرودود هذا الغش في المرحلة الثانوية ينعكس بشكل آلي على نتائج الطلاب في الصف الأول الجامعي، وتحديدا في الكليات العلمية التي تحتاج إلى مستوى تعليمي مختلف ومتميز للطلاب، ولذلك تظهر النتائج مخيبة لآمال الطلاب والأهالي والقائمين على التعليم على حد سواء لأن ما بني على باطل فهو باطل".
ويواصل النجدي حديثه لـ"العين الإخبارية"، مشيراً إلى أنه مع فرضية نجاح بعض الطلاب بعد ذلك في المرحلة الجامعية، والارتقاء إلى المرحلة العملية، فإن ذلك سيخلف مشكلات لا حصر لها في الواقع العملي، وهو أمر ظهرت نتائجه خلال السنوات الأخيرة بعد تفشي الغش في أكثر من مجتمع عربي بشكل كبير دون تحقيق ردع حقيقي يمنع أو يحد من هذه الظاهرة المقيتة.
عقوبات غير رادع
في السياق ذاته يؤكد الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أن ظاهرة الغش في مصر متأصلة وجذرية في نفوس الطلاب والأهالي على حد السواء، في الوقت الذي تقف مؤسسات الدولة خطوة للخلف بشكل سلبي في مواجهة الظاهرة والحد ومجابهتها بالشكل الأمثل والرادع.
ولا يرى الطالب "الغشاش" أي وصمة اجتماعية أو شخصية، في إقباله على الغش بل تظل مدعاة للافتخار بين زملائه بشكل كبير إذا نجح في ذلك، مستخدماً في ذلك كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة للوصول إلى مبتغاه.
الكثير من الحالات يشير إليها أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في حديثه لـ"العين الإخبارية"، للبرهنة على صحة حديثه، مؤكداً أن الطلاب لديهم حيل وأعذار جاهزة يقدمونها حين يضبطون يمارسون الغش، تبدأ من الاعتذار وصولاً إلى البكاء، مرورواً بالتوسط من خلال معارف لوقف أي عقوبة ممكنة.
ويعتقد صادق أن العقوبات غير الرادعة من جامعات بعض البلدان العربية، هي من تدفع الطلاب للغش ولو أن الجامعات سلكت مسلك عقابي صارم وقاسي بالفصل النهائي من الجامعات الأوروبية لامتنع الطلاب عن الغش بشكل فوري، أو على أقل تقدير قلت الظاهرة.
اقتصاديا ً لا يمكن إغفال النتائج المترتبة عن تفشي ظاهرة الغش، وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي المصري أحمد الزيات لـ"العين الإخبارية"، إن سوق العمل يتأثر بشكل سلبي وبشكل متزايد بفعل تواجد كوادر غير مؤهلة للعمل في أماكن المفترض أنه حصل فيها على المؤهل العلمي لها".
بيد أن ضبط عمليات غش متكررة في عدد من المدارس المصرية أو الجامعات المصرية لم يؤثر حتى الآن على تزايد تواجد الطلبة من كل الدول العربية للدراسة في مصر.
وعزا الخبير الاقتصادي هذا الأمر إلى سبيين رئيسيين، الأول سمعة الجامعات المصرية التي لا تزال جيدة في الأقطار العربية بوجه عام.
الأمر الآخر يرجع إلى قلة تكاليف التعليم في مصر بالنسبة للمغتربين بسبب انخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار، ما يدفع الكثير من مواطنين الشرق الأوسط بوجه عام للتوجه للدراسة في مصر، والحصول على المؤهلات العملية من مصر على وجه التحديد.
حل مشكلة الغش في مصر
ويرى الخبير التربوي عادل النجدي عميد كلية التربية بجامعة أسيوط المصرية طريقة الامتحانات يعاد النظر لها مرة أخرى، ويتقن مهارات القراءة والكتابة والحساب، لمنع تسريب الأسئلة وتصحيح الأسئلة بطريقة غير آلية.
وأكد أنه يتوجب على وزارة التربية والتعليم تحديداً العمل على إعادة توزيع مراقبي الامتحانات بشكل مختلف، ووضع نظام حماية وسرية عليهم قبل توزيعهم على اللجان، لأنه في كثير من الأقاليم تحدث ظاهرة الغش الجماعي وشراء لجان بعينها وبالتالي في المرحلة الجامعية ينكشف الأمر وتحدث ظاهرة الرسوب الجماعي.
اجتماعياً يشدد الدكتور أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، على أن الحلول تكمن في تشديد العقوبات في المقام الأول من قبل المؤسسات العلمية، وأن تغلظ عقوبات غش الطلاب من خلال الأهالي وأن تكون العقوبة الحبس أو الغرامة الباهظة.
وتابع: "ويجب أن تتحرك مؤسسات الدولة بشكل متزايد من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية لتأصيل وتثقيف المجتمع على أن ظاهرة الغش جريمة بشعة وآثارها الوخيمة مضرة، فضلاً عن توجيه النشء على الإيمان بقدراته وعدم التفرقة بين الكليات العلمية وأن كل مميز في تخصصه، وعلى المدى البعيد ستأتي نتائج هذا الأمر على مستوى الطلاب والمجتمع إذا كان الدولة جادة في محاربتها لتلك الظاهرة".
aXA6IDE4LjExNi40MC41MyA= جزيرة ام اند امز