جيش مالي و«المتآمرون».. التأديب إنذار ورسائل

11 ضابطا رفيعا تمت إقالتهم من قبل جيش مالي في خطوة تأديبية بعيدة عن القضاء تشكل «إنذارا»، وتبعث بعدة رسائل تتقاطع عند «هدف البناء».
ففي خطوة غير مسبوقة، أقال جيش مالي 11 ضابطا رفيع المستوى، بينهم جنرالان، بتهمة «التآمر» و«محاولة زعزعة مؤسسات الدولة»، وذلك بموجب مرسوم وقّعه رئيس المرحلة الانتقالية الجنرال آسيمي غويتا.
وهؤلاء العسكريون اعتُقلوا في أغسطس/آب الماضي، بتهمة "التآمر" و"محاولة زعزعة مؤسسات الدولة"، إلى جانب عميل في أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
وبعد أقل من شهرين على اعتقالهم، ومن دون أن تُوجَّه إليهم أي أحكام قضائية، جاءت هذه الإقالة كإجراء تأديبي وليس قرارا قضائيا، بحسب "إذاعة فرنسا الدولية" (آر أف آي).
"محاولات" سابقة
ومنذ الانقلاب العسكري الذي شهده البلد الأفريقي في أغسطس/آب 2020 والذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتلاه انقلاب مايو/أيار 2021 ضد الحكومة الانتقالية، أعلن المجلس العسكري أكثر من مرة إحباط "محاولات انقلابية".
لكن هذه المرة تُعد الأولى التي يقوم فيها بشطب جنرالات من الخدمة العسكرية، وهي أقصى عقوبة يمكن أن تُفرض في تقاليد جيش البلاد.
والجنرالان عباس ديمبيلي، الحاكم السابق لمنطقة موبتي، ونيما ساغارا، وهي ضابطة في سلاح الجو، يُعدّان الأبرز بين المقالين، وكلاهما يحظى بشعبية واسعة داخل الجيش.
كما تضمّ اللائحة أيضًا 6 مقدّمين، وقائدين إضافة إلى رقيب أول، وقد عُرضت وجوه بعضهم قبل أشهر على شاشة التلفزيون الرسمي حين أعلنت السلطات الانتقالية إحباط محاولة انقلاب.
فرنسي يفاقم القطيعة
كما اعتُقل في أغسطس/آب الماضي، مواطن فرنسي يُدعى يان فيزيلييه، اتُّهم بالمشاركة في "المؤامرة"، وكان معروفًا لدى السلطات الانتقالية كعميل تابع لجهاز الاستخبارات الخارجي الفرنسي، وكان يتعامل معها بصفته الرسمية.
وقد أدت عملية اعتقاله -التي وصفتها باريس حينها بأنها "اتهامات بلا أساس"- إلى إنهاء التعاون في مكافحة الإرهاب بين البلدين، رغم استمرار تبادل المعلومات الاستخباراتية، ولا يزال الفرنسي والجنود الماليون الذين أُوقفوا قبل شهرين محتجزين في أماكن سرية.
إنذار ورسائل
ويرى الباحث القانوني والسياسي المالي عمر برتي، الأستاذ المساعد في جامعة روان الفرنسية، أن "ما حدث يشكل تحذيرًا واضحًا من جانب السلطات".
ويقول برتي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه هي المرة الأولى في تاريخ مالي التي يُقال فيها عدد بهذا الحجم من الضباط الكبار، بمن فيهم جنرالان، دفعة واحدة".
ويضيف: "لقد تم الأمر بسرعة لافتة — إذ لم تمر سوى شهرين بين الاعتقال والإقالة، ومن دون أي حكم قضائي يثبت تورطهم في محاولة انقلاب. أرى في ذلك رسالة إنذار لجميع العسكريين، ليس فقط من يفكرون في الاستيلاء على السلطة، بل لأي عنصر قد يُظهر اعتراضًا مهما كان بسيطًا".
ويتابع برتي أن هذه القرارات "قد تثير الخوف والسخط داخل الجيش"، مشيرًا إلى أن "الجنرال عباس ديمبيلي، على وجه الخصوص، يحظى بتقدير كبير من القوات".
تعزيز الانضباط
في المقابل، ترى السلطات الحاكمة أن هذه القرارات، المستندة إلى محاضر مجالس التحقيق التأديبية، "تعكس إرادة السلطات الانتقالية في تعزيز الانضباط والأخلاقيات داخل الجيش وقوات الأمن"، في وقت تكافح فيه مالي للحفاظ على سيادتها وإعادة بناء جهازها الدفاعي.
وذكرت وسائل إعلام محلية من بينها موقع "بامادا"، أن هذه الإجراءات "تؤكد أن لا أحد، مهما كان رفيع الرتبة أو مخضرماً، أعلى من قواعد الانضباط العسكري".
ولفت الموقع إلى أنه "منذ توليه السلطة، يشدد الجنرال غويتا على بناء جيش جمهوري، مخلص، أخلاقي، ومكرس بالكامل للدفاع عن الوطن"، وأن هذه المراسيم ترسل رسالة قوية مفادها "إعادة بناء مالي سيتم على أساس الشفافية والانضباط والعدالة".
3 سيناريوهات
من جانبه، قال المحلل الأمني المالي البروفسور عبدالله سيسوكو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، لـ"العين الإخبارية" إن السلطة في مالي تواجه مرحلة إعادة اصطفاف داخلي.
وأوضح أن قرار التسريح يحمل رسالة واضحة "غويتا يريد حماية الجيش والبلاد قبل أي مرحلة انتقالية جديدة".
ويعتقد سيسوكو أن الخطوة قد تمهد لمرحلة من إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بإقصاء من ينظر إليهم كـ"ضباط مشكوك في ولائهم"، مشيراً إلى أن ذلك يعني عملياً تثبيت سلطة غويتا، لكنه يزيد من عزلة النظام داخلياً وخارجياً.
وتابع :"الرسالة السياسية واضحة: من ليس معنا فهو خارج اللعبة".
تصدّع داخلي
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والعسكري المالي إبراهيم توريه، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في باماكو، أن القرار قد يكون سيفاً ذا حدين، فتسريح ضباط قد يخلق شعوراً بالمرارة داخل صفوف الجيش، خاصة بين وحدات الحرس الوطني والقوات الجوية، ما قد يؤدي إلى تصدعات داخلية في المدى المتوسط.
وأضاف توريه لـ"العين الإخبارية": أن الضغوط الاقتصادية والعزلة الدولية التي تعاني منها مالي منذ انسحاب القوات الفرنسية وقطع الدعم الغربي، تجعل النظام أكثر هشاشة.
وأضاف: "إذا تزامنت الانقسامات داخل الجيش مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، فقد نكون أمام بداية مرحلة جديدة من عدم الاستقرار".
مناورة تكتيكية
ورجح بعض المراقبين أن تكون خطوة التسريح جزءاً من مناورة سياسية محسوبة تهدف إلى إظهار الحزم والانضباط أمام الشركاء الروس، لاسيما بعد تنامي نفوذ قوات فيلق أفريقيا (البديلة عن فاغنر) داخل الأراضي المالية.
فهذه الإجراءات قد تكون بمثابة رسالة طمأنة لموسكو بأن باماكو تسيطر على الوضع، وتمنع أي انشقاقات يمكن أن تؤثر على التعاون العسكري بين الطرفين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز