الإعلان الدستوري.. هاجس الإقصاء يزاحم «مكاسب الحريات» في سوريا

أثار الإعلان الدستوري في سوريا مخاوف من إقصاء مكونات مجتمعية، رغم المكاسب التي تحققت على صعيد الحريات والعدالة الانتقالية.
ووقع الرئيس السوري أحمد الشرع على الإعلان الدستوري، الذي يرسم ملامح السنوات الخمس المقبلة في بلد لم يتعافَ بعدُ من آثار الحرب الممتدة منذ أكثر من عقد.
وجاء توقيع الشرع على الإعلان بعد نحو أسبوعين من تشكيل لجنة لصياغته، وسط حالة من التوتر الأمني المستمر في البلاد، إثر تداعيات أحداث الساحل التي أسفرت عن مقتل المئات، والهجمات الإسرائيلية على مواقع سورية، كان آخرها استهداف أطراف العاصمة دمشق.
وبينما لقي الإعلان ترحيبًا عربيًّا وأمميًّا، رفضت قوى محلية، وعلى رأسها مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" (المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية) وزعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، الخطوة الحكومية، معتبرة إياها "خطوة إلى الوراء".
وكان قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي قد حذر من أن إبراز "الشريعة الإسلامية كمرجعية للحكم سيؤدي إلى مزيد من الفوضى والانقسام".
وفي بيان له قال مجلس "مسد" ، وهو المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أن الدستور السوري للمرحلة الانتقالية "غير شرعي"، مشيرًا إلى أنه |لا يتوافق مع اتفاقية الشرع وقائد قسد"، كما اعتبر أن "إبراز الشريعة الإسلامية في إدارة الدولة قد يقود البلاد إلى الفوضى".
بينما جدد الشيخ حكمت الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، دعوته إلى إقرار "نظام لامركزي يضمن بناء دولة مدنية قائمة على التعددية والتشاركية"، بدلًا من "تكريس توجهات أحادية في الحكم".
مخيب للآمال
وفي حديثه مع "العين الإخبارية"، اعتبر نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطي ومسؤول ممثلية "مسد" في دمشق، علي رحمون، أن الإعلان الدستوري "مخيب للآمال، خاصة بعد نضال سنوات طويلة للشعب السوري كلف تضحيات هائلة وكوارث على مستوى البلاد".
وأضاف أن الإعلان "لم يواكب تطلعات الشعب السوري، ولم يعبر عن مكوناته، وعليه جاء الرفض العام له، ليس فقط من قبل مجلس سوريا الديمقراطي، وإنما من أغلب القوى السياسية"، على حد قوله.
ولفت رحمون إلى أنه كان "من المتوقع الإعلان عن سوريا واحدة لكل مواطنيها، وذِكر الجمهورية السورية، لا الجمهورية العربية السورية".
وأوضح أن "النص على دين رئيس الجمهورية يناقض ما ورد في البند الثالث، الذي ينص على أحقية كل سوري في الترشح لمنصب الرئيس، كما يناقض النص الذي يؤكد أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات".
وتابع متسائلًا: "إذا كان الأمر كذلك، كيف للمواطن السوري المسيحي أن يترشح لرئاسة البلاد؟ هذا إقصاء واضح لطائفة موجودة على الأراضي السورية".
ووضع الإعلان الدستوري السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، في حين أعطى السلطة التشريعية الكاملة لمجلس الشعب، الذي يختار الرئيس ثلثه، ونصَّ على فصل السلطات وحماية الحريات.
فيما ثبت الإعلان الدستوري ديانة الرئيس بأن يكون مسلمًا، واعتبر أن الإسلام مصدر أساسي في التشريع.
ورأى رحمون أن الإعلان الدستوري "أعطى صلاحيات واسعة جدًّا للرئيس"، محذرًا من أنه "يكرس استمرار النظام المركزي والاستبداد، وعدم مشاركة الآخرين، ويحصر الصلاحيات بيد الرئيس غير المنتخب أيضًا".
ثغرة المجتمع المدني
من جهته، ميّز الناشط المدني ربيع منذر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، بين الشق الإيجابي والسلبي في المبادئ الدستورية.
وأشار إلى أن الشق الإيجابي يتمثل في "تناول قضايا مهمة مرتبطة بالحريات، وموضوع حقوق الإنسان، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، ومسألة دسترة العدالة الانتقالية، إضافة إلى ضمان الحقوق الثقافية واللغوية لجميع المواطنين السوريين".
أما الشق السلبي، فيعتبره منذر "تكريس الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، وهذه قضية جدلية، فالبعض يرى أن من الإيجابية تركُّز الصلاحيات بيد الرئيس، بما يعطي مرونة في اتخاذ القرار، لا سيما في المرحلة الانتقالية، بينما يحذر آخرون من الاستبداد وغياب إمكانية المحاسبة".
وأشار منذر أيضًا إلى المسائل المرتبطة بدين رئيس الدولة واعتبار الإسلام مصدرًا رئيسيًّا للتشريع، لافتًا إلى أن هناك دولًا إسلامية تمتلك دساتير علمانية، رغم أن الدين الإسلامي هو السائد فيها.
النقطة الأهم برأي الناشط السوري هي "عدم تطرق الإعلان الدستوري لمسألتي المجتمع المدني والإعلام، فرغم مراعاته لحرية الإعلام، فإنه لم يذكر دور الإعلام في الحياة السورية، كما لم يذكر دور المجتمع المدني".
وأرجع الناشط السوري حالة الرفض للخطوة الدستورية، ومنها ما صدر عن الشيخ حكمت الهجري وكذلك القوى الكردية، إلى أنها "انعكاس لعملية الإقصاء التي جرت خلال هذه المرحلة، والتي امتدت لإقصاء المكونات السورية وعدم مشاركتها في كتابة الدستور".
وكان الشيخ حكمت الهجري، الذي وصف الحكومة السورية الحالية بأنها "مطلوبة للعدالة الدولية"، قد أكد رفضه للإعلان الدستوري، مشددًا على أن الحكومة "لا تمثل تطلعات السوريين".
مؤقت
بالمقابل، رد مدير مركز كاندل للدراسات، الدكتور عباس شريفة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، على الانتقادات التي طالت آلية وبنود الإعلان الدستوري، لافتًا إلى أننا "نتحدث اليوم عن إعلان دستوري، وليس عن دستور دائم".
وأضاف: "هناك فرق كبير، لأن الإعلان الدستوري مهمته إدارة المرحلة الانتقالية بمواد قليلة جدًّا، قد لا تصل إلى 30 مادة، وهذا الدستور جاء بـ50 مادة، لذلك فإن الحديث عن دين رئيس الدولة ومواضيع أخرى لبّى طموح شريحة واسعة في المجتمع السوري، وهو في الوقت نفسه حمل مضامين ديمقراطية، مثل الاعتراف باتفاقيات حقوق الإنسان، وضمان حرية التعبير، ودور المرأة، وحرية الاعتقاد لكل المكونات والاتجاهات، وهذه قضايا إيجابية لا يجب أن يختلف عليها أحد، إضافة إلى قضية الفصل بين السلطات".
واستطرد: "هناك فصل حقيقي، فرئيس الجمهورية لا يحق له إصدار مرسوم تشريعي إلا بعد موافقة مجلس الشعب، كما أنه فيما يخص المجلس التشريعي المؤقت، فالأصل أنه يحق للرئيس تعيين هذا المجلس، لكن الدستور آثر أن يكون هذا المجلس بثلثيه منتخبًا، فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي، وهذه قضية إيجابية بكل تأكيد".
ونصَّ الإعلان الدستوري، المؤلف من أربعة أبواب، على الفصل المطلق بين السلطات، وأكد على جملةٍ من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها حرية الرأي والتعبير، وحق المرأة في المشاركة.
وأعرب شريفة عن ثقته بقدرة السوريين على تشكيل مجلس تشريعي، وتكليف حكومة سورية موسعة بنهاية الشهر الجاري، لافتًا إلى أن الوضع الأمني لن يؤثر على سير العمل ولا على خطوات الدولة في المرحلة الانتقالية.
aXA6IDE4LjExOS4xMjAuMjI5IA== جزيرة ام اند امز