الإرهاب في ليبيا.. 8 سنوات من الحرب بضراوة
في الـ10 من مارس/آذار 2015، تولى المشير خليفة حفتر قيادة الجيش الوطني بعد تعيينه من مجلس النواب وأداء اليمين الدستورية قبلها بيوم.
كانت مهمة حفتر الرئيسية التي تم تعيينه لأجلها قائدا عاما للقوات المسلحة هي إعادة بناء الجيش الذي تم تدميره في أعقاب ثورة الـ17 من فبراير/شباط والقضاء على الإرهاب.
ومع مرور 8 أعوام على تعيين حفتر في هذا المنصب، نجح الجيش الليبي في تطهير نحو 80 % من الأراضي الليبية من كمائن الإرهاب بعد إعادة بناء القوات المسلحة سعيا للتطهير الكامل للبلاد من الإرهاب.
اتسمت رحلة بناء الجيش الليبي والحرب على الإرهاب خلال 8 سنوات بالتعامل مع تحديات كثيرة، ليس أقلها حالة الانقسام السياسي وكذلك انتشار السلاح الذي بلغ نحو 20 مليون قطعة سلاح بأيدي الليبيين، وفقا لتقديرات أممية، وتنامي ظاهرة الإرهاب عالميا وفي القرن الأفريقي بشكل خاص.
تستعرض "العين الإخبارية" جانبا من رحلة بناء الجيش الوطني في ليبيا والحرب على الإرهاب.
نشأة الإرهاب
في أثناء ثورة الـ17 من فبراير/شباط 2011 ضد نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تم تدمير معظم طائرات وآليات الجيش الليبي، سواء في الاشتباكات مع قوات المعارضة والثوار، أو نتيجة لعمليات القصف التي نفذها التحالف العسكري بقيادة الناتو ضد نظام القذافي.
استغل تنظيم الإخوان الأوضاع في بناء أول مليشيات عرفت عقب اتساع الاحتجاجات ضد النظام السابق باسم "مسؤولو تحرير طرابلس" في أبريل/نيسان 2011.
كما عمل التنظيم على تقوية صفوفه بعناصر إرهابية دولية مستدعيا عناصره الهاربة في دول العالم المختلفة ليكون قوة يستطيع بها السطو على السلطة.
ومع الإطاحة بنظام القذافي، ظهرت موجة إرهاب تمثلت في عمليات اغتيال لسياسيين وعسكريين وصحفيين وغيرهم، أشارت أصابع الاتهام فيها للتنظيمات التكفيرية والإرهابية وعلى راسها القاعدة وداعش والإخوان والجماعة الليبية المقاتلة وغيرها.
كذلك أفصحت التنظيمات التكفيرية عن وجهها القبيح خاصة في بنغازي ودرنة وإجدابيا ومن هذه التنظيمات "أنصار الشريعة" و"مجلس الشورى" و"الدروع" و"كتيبة البتار" وغيرها، والتي بايعت معظمها تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.
حاولت جماعات الإسلام السياسي المتطرفة جعل ليبيا بيت ماله وبيت سلاح لنشر أيديولوجياتهم التكفيرية، إضافة إلى جعل بعض المدن كمعامل لتفريخ وتدريب للإرهابيين من الدول الأخرى.
حينها نشأت تنظيمات إرهابية عابرة للحدود أبرزها "تنظيم المرابطين" بقيادة الإرهابي المصري هشام عشماوي، في مدينة درنة.
ولم يسلم من إرهاب المتطرفين الليبيين وحتى الأجانب بما في ذلك البعثات الدبلوماسية، فجاء الحدث الإرهابي الأبرز خلال تلك الفترة بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي والذي خلف عددا من القتلى بينهم السفير الأمريكي وعدد من الدبلوماسيين الآخرين،في ١١ سبتمبر/أيلول ٢٠١٢.
بناء الجيش
استفاقت ليبيا انطلاقا من الشرق وبدأت الانطلاق في رحلة إعادة بناء القوات المسلحة الليبية التي تلاشت وتفرقت عقب الإطاحة بنظام القذافي، بالتوازي مع الحرب على الإرهاب، حيث تم إنشاء الكلية العسكرية في مدينة توكرة شرق بنغازي.
كما انطلقت دورات تدريبية لتخريج دفعات الظباط وتدريب دفعات أخرى في مراكز تدريب للجنود وضباط الصف لإنتاج كل الصنوف العسكرية القادرة على تكوين جيش وطني منظم.
وعملت القيادة العامة للجيش التي تم استحداثها وفقا لقرار رقم 1 لسنة 2015 بشأن تعديل المناصب العليا بالدولة على تطوير سلاح الجو والبحرية بصيانة العديد من الطائرات الحربية والقطع الحربية التي كان أغلبها خارج الخدمة.
استمر الجيش في تشكيل الوحدات العسكرية من كتائب وألوية مجحفلة معززة بكل الصنوف العسكرية، سعيا لمؤسسة عسكرية ليبية متكاملة تحمي كافة أرجاء ليبيا وبقوة عمومية تتعدى الـ100 ألف جندي وضابط ينتمون لكافة أرجاء البلاد.
الحرب على الإرهاب
جاء عام 2014 ليكون نقطة انطلاق للحرب الكبرى على الإرهاب، عندما أعلن اللواء (رتبته حينها) خليفة حفتر إطلاق "ثورة الكرامة" أو "ثورة التصحيح" في 16 مايو/أيار بمساعدة نحو 128 عسكريا فقط، بعد أن قام بتأمين انتخابات مجلس النواب عام 2014، قبل تكليفه رسميا من قبل مجلس النواب المنتخب بقيادة الجيش الوطني.
وكانت هذه الخطوة فاصلة ومهمة في إعادة ليبيا لمسارها السياسي الصحيح بعد أن حاولت جماعة الإخوان اختطافها والسطو على الحكم ليكون لها بصورة مطلقة، ساعد في ذلك خسارة التنظيم لمعظم الأصوات بالنظر لما شهدته ليبيا من إرهاب ويقظة الوعي الشعبي.
بعدها، انطلق الجيش الليبي في مهمته الرئيسية فعليا بتطهير البلاد من الإرهاب وحماية حدود الدولة وحماية الليبيين.
وبعد سنوات من القتال زف الجيش لليبيين أنباء تحرير المدن واحدة تلو الأخرى، وكانت البداية من بنغازي التي أطلق عليها الليبيون "عاصمة الكرامة" والتي تم تطهيرها بالكامل 5 يوليو/تموز 2017.
وفي عملية خاطفة استطاع الجيش الليبي تحرير قوت الليبيين بالكامل من الإرهاب، بعد تطهيره للموانئ النفطية من المليشيات التي كانت تسيطر عليها في عملية (البرق الخاطف) في سبتمبر/أيلول 2016 دون خسارة أي جندي أو مدني واحد في شريط قتالي يقدر بـ400 كم طولا، وهي الهلال النفطي الذي يضم الحقول والموانئ النفطية بمحيط مدينتي السدرة وراس لانوف شمال ليبيا.
كما عمل الجيش الليبي على تصفية الخلايا الإرهابية في مدينة درنة، وكانت معركة شرسة ضد الإرهاب وعناصره من مختلف دول العالم والتي توجت بالتحرير الكامل لمدينة درنة أواخر يونيو/حزيران 2018.
وعقب ذلك انطلق الجيش الليبي في مهمة جديدة باتجاه الجنوب الذي كانت تسيطر عليه عصابات مسلحة ومليشيات من دول الجوار جنوب ليبيا، واستطاع تحريره بالكامل مطلع 2019، ليصل جنوده إلى الحدود مع دول الجوار ويتم القضاء على موجة من التهريب والجريمة والإرهاب سيطرت على الجنوب الليبي لسنوات.
لم يقف الجيش الليبي عند هذا الحد، حيث أخذ في تسيير الدوريات في الأظهرة الصحراوية للمدن وعبر الحدود للتصدي للخلايا النائمة وتوجيه ضربات استباقية ضد جماعات العنف والإرهاب والعصابات المنظمة لتصفيتها.
بناء السلام
لم يكن الجيش الليبي طرفا في الحرب فقط بل كان طرفا أصيلا في معركة السلام، فمع توجه الليبيين للسلام ومساعي إنهاء الأزمة والانقسام التي استمرت منذ عام 2011، وقع الجيش الليبي على اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف 2020، مع الأطراف العسكرية في المنطقة الغربية.
وأبدى الجيش الليبي ترحيبا كبيرا بأي خطوة لبناء السلام والاستقرار.
وقام بدعم أعمال اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" والمكلفة بتوحيد المؤسسة العسكرية وحل المليشيات ونزع سلاحها وإخراج القوات والمرتزقة والقواعد الأجنبية من ليبيا.
من هو المشير خليفة حفتر؟
خليفة بلقاسم حفتر قائد الجيش الليبي من مواليد 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1943 بمدينة أجدابيا.
التحق بالكلية العسكرية الملكية في بنغازي عام 1964، وخدم في الجيش، وشارك مع معمر القذافي في الحراك الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي عام 1969.
تلقّى حفتر تدريبًا عسكريًا في الاتحاد السوفياتي لمدة ثلاث سنوات، وشارك ضمن الكتيبة الليبية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ونال عنها من مصر وسام نجمة سيناء (من أعلى الأوسمة العسكرية في مصر).
ظل حفتر يترقى في المناصب العسكرية ليقود عام 1987 قوات الجيش الليبي بالحرب ضد تشاد.
لكن الخلاف مع القذافي بشأن هذه الحرب أطاح به من منصبه، ما اضطره للإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما انضمّ إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة لنظام القذافي.
ومع اندلاع ثورة الـ 17 من فبراير/شباط 2011، عاد حفتر إلى ليبيا والتحق بالثوار، ليتولى مناصب قيادية بهذه القوات إلى أن أعلن إطلاق "عملية الكرامة" في مايو/أيار 2014، وتم عقبها تعيينه من قبل مجلس النواب المنتخب قائدا عاما للجيش الليبي مارس/آذار 2015.