لأن سوريا ليست على قائمة أولويات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، تستغل تركيا وإيران هذا الظرف السياسي لتخلقا واقعا جديدا
رغم انشغال العالم إعلامياً وسياسياً بأحداث كثيرة، ليس آخرها لربما فيروس كورونا، فإن الأزمة السورية بتفاصيلها المعقدة لا تزال تختصر حالة شعب عربي منكوب، داخل وخارج بلد مدمر وممزق بكل ما لهذه الكلمة من معنى، إذ تحيطُ بهذا البلد وأهله أطماع المحتلين، وتعيث به وبهم فساداً أجندات الإرهابيين والمتطرفين الذين باتوا سلطة أمر واقع في كثير من المناطق السورية.
والسوريون داخل البلاد وفي الشتات تعبوا من الحرب التي أكلت الأخضر واليابس على مدى سنوات مضت، وسئموا غالباً من مناقشة مستجدات قضيتهم، لأنهم يقرون بأن القرار ليس بيدهم أبداً، لكن فريقاً منهم على الرغم من ذلك، كان قد سلم زمام أمره لأردوغان في تركيا، وجعل من نفسه مطية لأوهام الإخوان المسلمين، ورضي بأن يكون مرتزقاً، تأخذه الطائرات العسكرية التركية تارة إلى ليبيا، وتارةً أخرى إلى الصومال، وربما قريباً إلى قطر.
ودور أنقرة التخريبي في المسألة السورية يتجلى في عدم رغبتها بإنهاء الصراع بين الحكومة والأطراف الأخرى، ودعمها اللوجستي واللامحدود لعصابات متطرفة في شمال سوريا، كجبهة النصرة وبقايا داعش على سبيل المثال لا الحصر، يشكل علامة فارقة في تصرفاتها المشبوهة.
أردوغان وحزبه مستفيدان بشكل مباشر من بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه، ويتحالفان علناً مع إيران التي جلبت مليشياتها الإرهابية لقتل السوريين ونهب ثروات بلدهم، وتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي على تلك الأرض العربية العريقة حضاريًّا وتاريخيًّا.
وتحارب تركيا كما إيران أي دور عربي أو جهد عربي مشترك لتخليص السوريين من محنتهم، ويريد البلدان أن يبقى الدور العربي بعيداً كل البعد عن المشهد السوري الراهن، لهذا نرى مخابرات أردوغان تفخخ باستمرار العملية السياسية حول سوريا، وتعرقلها حينا عبر ما يسمى بـ"الائتلاف الوطني المعارض"، وهو كيان سياسي يمثل رغبات تركيا، ويهيمن عليه الإخوان المسلمون السوريون المتطرفون.
لأن سوريا ليست على قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي اليوم، تستغل تركيا وإيران هذا الظرف السياسي، لتخلقا واقعاً جديداً يحقق طموحات أردوغان وروحاني وخامنئي.
وحيناً آخر عبر مشاركة هذا الائتلاف المذكور -بكل أسف- في تشكيل هيئة التفاوض السورية، إذ يعطل منتسبوه جميع أعمالها الإدارية والتفاوضية إذا أتتهم الأوامر من مكتب هاكان فيدان أو مساعديه في جهاز الاستخبارات الأردوغاني، ويشرعون بعد تلقي الأوامر في نسج العقد البيروقراطية داخل الاجتماعات الافتراضية أو الفيزيائية، ويطالبون الدول بأمور تنشدها تركيا ولا تنفع السوريين.
ولأن سوريا ليست على قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي اليوم، تستغل تركيا وإيران هذا الظرف السياسي، لتخلقا واقعاً جديداً يحقق طموحات أردوغان وروحاني وخامنئي، وتُمْعِنا في إهلاك السوريين، ومنعهم من الحوار مع بعضهم البعض حكومة كانوا أو معارضة، وتستعينان بالمتشددين كي يسوموا الناس سوء العذاب إن هم عبروا عن رأيهم في المناطق التي تديرها إيران أو تركيا على حد سواء.
ويؤسس التحالف السعودي الإماراتي المصري دوماً لواقع عربي جديد، يأمل السوريون أن يترجم على الأرض في وطنهم، لأن كلاً من الرياض وأبوظبي والقاهرة وقفت وتقف في وجه المشاريع الهدامة لأنقرة وطهران في المنطقة، وسوريا ليست استثناءً في ذلك.
والعرب هم الأحرص على حل الأزمة السورية، لأنهم أشقاء وليسوا أعداءً محتلين كالتركي والإيراني، ولأن تلك الدول العربية المذكورة تبنت وما زالت نهج السلام المستدام في سوريا وليس تأجيج الصراع وإدارته كما تفعل إيران وتركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة