لطالما كانت المؤتمرات الخاصة بالمناخ محط أنظار العالم، لكن حدث COP28 يعتبر الأهم في هذا الشأن منذ قيام الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد اجتمع أكثر من 100 ألف شخص لمناقشة قضايا المناخ والبحث عن تصور مستقبلي لهذا الأمر، حيث باتت «التقنيات شديدة التأثير» متوافرة في العقدين الأخيرين بشكل لم يُعرف مسبقاً، مما أمكن معه وضع الخطط لتقليص استخدام كثير من المواد التي جعلت من «مناخ العالم» مشكلة لا بد من طرحها للنقاش كل ساعة.
في دولة الإمارات اتفقت أكثر من 200 دولة على بنود معينة تخص الإطار العام الذي تعنى به الأمم المتحدة فيما يخص مسألة تغير المناخ.. فقد اتفقت الدول مبدئياً على الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري والنفط والغاز.. وإن حاولت دولة الإمارات التركيز بشكل أكبر على تقنيات احتجاز الكربون فقد طالت النقاشات فروعاً أخرى حاول فيها رئيس المؤتمر إعطاء الفرصة لكل المشاركين رغم صعوبة ذلك.
وكانت متابعتي على مدى الأسبوعين الماضيين لهذا المؤتمر الاستثنائي من الأشياء التي أفخر أنها أضافت إليّ كثيراً من تفاصيل قضايا المناخ التي كانت تمر عليّ مرور الكرام؛ فلأول مرة أدرك أن نهاية عصر الوقود الأحفوري باتت قريبة وأصبحنا في انتظار طاقات جديدة ومتجددة تسهم في انخفاض درجات الحرارة في العالم.
في المؤتمر كان الحديث عن مفهوم حماية البيئة وقد تمت مناقشته بشكل رائع، فقد لفتني إطلاق البابا والكرسي الرسولي عبارة «الانتقال العادل»، في إشارة إلى أن أزمة المناخ يؤثر فيها الإنسان عندما لا يعطي الوقت للتغيرات الطبيعية وحماية البيئة.
وفي المؤتمر أيضاً رأينا تقييماً واضحاً للتقدم الذي حصل في قضية تغير المناخ منذ اعتماد اتفاق باريس عام 2015، حيث انطلق المؤتمر من هدف «إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري عند أقل من 1.5 درجة مئوية»، ورأينا كذلك التعهد من المانحين بجمع مئات ملايين الدولارات للمساعدة في مكافحة الأمراض المتعلقة بالمناخ التي تنتشر بوضوح في القارة الأفريقية.. ناهيك عما يسمى «صندوق الخسائر والأضرار»، الذي أصبح الانتصار التاريخي لمصالح الدول الفقيرة.
بعض المسؤولين رأوا أن هذا المؤتمر كان على بُعد أميال من النتيجة التي وعدت الأمم المتحدة بها، مرجعين ذلك إلى عدم إقرار أموال فورية وليس تعهدات مستقبلية لمساعدة الدول النامية على التحول إلى الطاقات المتجددة بسبب تراجع الدول الغنية عن التزاماتها بالمساعدة فيما يخص آثار «الانهيار المناخي».
لقد أجمع كثير من المشاركين على أن الاحتفاظ بالوقود الأحفوري خياراً في المستقبل المنظور، أمر ممكن، بالإضافة إلى أن النفط والغاز يبقى لهما الدور المساعد في أنظمة الطاقة الجديدة وحاجة العالم بكل بلدانه لهما ورغم كل التشكيك في إمكانية التزام معظم الدول بـ«الاتفاق التاريخي» الذي وُقع في دولة الإمارات فإن «الأزمات المناخية» ستوضع على طاولة النقاش دوماً بعد انتهاء المؤتمر، ويكفي وصف الرئيس جو بايدن لذلك الاتفاق بـ«الحدث التاريخي».
نقطة أخرى لا بد من التوقف عندها وهي أن زيادة الطاقة المتجددة على مستوى العالم إلى ثلاثة أمثالها قبل عام 2030 التي أُعلن عنها في نتائج المؤتمر ضمن التوصيات غير الملزمة، لا شك أنها بحاجة إلى حوار مجتمعي ضمن الشعوب والحكومات في السنوات المقبلة.
تحية للدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات رئيس مؤتمر الأطراف COP28، الذي أعطى الفرصة لحضور جميع شركات النفط والغاز العالمية، وأكد ارتباط الحلول المناخية بشركات القطاع الخاص؛ فقد نجح في التعامل مع جميع الدول المشاركة بحيادية ومحاولة فهم احتياجاتها المختلفة سواء أكانت كبرى أو حتى هامشية، وبالطبع الاحتواء المذهل للمشاركين من القطاعات الخاصة والنجاح في إلزام الجميع بـ«لغة موحدة بشأن الوقود الأحفوري».
ومهما يكن من أمر فإن مواجهة تغير المناخ ستتعلق مستقبلاً باستخدام كل التقنيات وبناء «عقلية جديدة» منطلقة من «تحدي المناخ» عبر إيجاد الحلول المناسبة لمواجهته، فكارثة التغير المناخي كانت وستبقى بحاجة إلى اتفاق تاريخي يضع العالم على المسار الصحيح للعمل المناخي من أجل الحفاظ على كوكب الأرض، وبالتالي الحفاظ على البشرية.. وكانت البشرى التي أعلنها الدكتور الجابر عن حشد تعهدات تمويلية مستقبلية لمعالجة تغير المناخ تفوق الـ85 مليار دولار عبر صندوق «ألتيرا» للاستثمار المناخي والاستثمار في الاقتصاد الأخضر بمثابة التأكيد على أنه لم يعد بالإمكان إلا السير في مسار مختلف عن كل ما سبق لمواجهة «الخطر المناخي»، الذي وللأسف تعوق بعض الدول الكبرى محاولات مواجهته عبر تشويشها على «الرؤية» التي خرج بها «اتفاق الإمارات».
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة