ليس من قبيل المبالغة وصف دورة المؤتمر العالمي للمناخ COP28، التي أنهت أعمالها قبل أيام في دولة الإمارات، بالقمة الاستثنائية بامتياز.
هذا ليس رأياً شخصياً لكاتب إماراتي، وإنما هو إجماع عالمي من كل الدول والمنظمات والأشخاص الذين شاركوا في هذه الدورة أو تابعوا أعمالها ولو عن بعد. وإذا كانت الاستثنائية تعني التميز بخطوة غير مسبوقة أو تحقيق إنجاز فريد من نوعه، فإن دولة الإمارات باستضافتها COP28 تجاوزت هذا التعريف، حيث جعلت من هذه الدورة سلسلة من الانفرادات وحزمة كبيرة من الخطوات غير المسبوقة. إذ لم يعرف العالم مؤتمراً دولياً أو حدثاً عالمياً حفل بذلك القدر من المواثيق والاتفاقات.
لقد تم في COP28 إصدار 12 وثيقة عالمية تجسد ما توافقت عليه الأطراف المشاركة من إعلانات وتعهدات وتفاهمات ومواثيق لتنظيم وتفعيل التوجه العالمي للحفاظ على البيئة ومواجهة مختلف أوجه وجوانب التحدي المناخي المتزايد. وبهذا العدد وتلك الأهمية، يكون COP28 قد منح الجهد البشري البيئي العالمي زخماً ودفعة غير مسبوقة، تستحق بالفعل وعن حق وصف "استثنائية".
ولم تقف تلك الاستثنائية عند حدود الإعلان الشفهي أو المكتوب، بل امتدت إلى الالتزامات الفعلية وأقصد تحديداً التمويل. فقد تم تأمين تمويلات وصلت إلى أكثر من 83 مليار دولار لتغطية تكاليف وأعباء الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ. قدمت الإمارات أكثر من 30 ملياراً منها، ونجحت في حشد العالم لتوفير القيمة المتبقية.
وتنوعت أوجه "الجديد" في COP28، من تخصيص منطقة للتفاعل بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني بل والمواطنين العاديين، إلى استدعاء المظلة الدينية بإنشاء جناح خاص للأديان ودورها في هذه القضية العالمية. فضلاً عن استحداث "صندوق الخسائر والأضرار" الذي يعد بالفعل إنجازاً تاريخياً ومحطة فاصلة نحو الالتفات إلى ما تتعرض له الدول النامية من أضرار بيئية وإنسانية مباشرة. بعد عقود من تجاهل أوضاع تلك الدول والخسائر التي تكبدتها مقابل مكاسب الدول الصناعية.
بالإضافة إلى كل ذلك وغيره من الجديد في COP28، ثمة حدث لا يتميز فقط بأنه غير مسبوق، وإنما يمثل أيضاً نقطة انطلاق جديدة ومهمة في اتجاه التكامل بين مجالات العمل الإنساني، ألا وهو اتفاق 134 دولة وإصدارها إعلان COP28 بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي. فبهذه الخطوة تترجم الإمارات عملياً تمسكها بتلبية مختلف الجوانب والمسارات الضرورية والمرتبطة بقضية التحدي المناخي، حيث تأتي الزراعة والأغذية والمياه على رأس تلك الروافد التي تصب أوضاعها العالمية في قضية المناخ.
الإمارات ستستمر في التصدي لجهود مواجهة التغير المناخي وعلى نحو مستدام. كجزء لا يتجزأ من النهج الإماراتي الثابت بالتعاطي مع القضايا الإنسانية والعالمية ليس بالقطعة ولا على نحو مؤقت، وإنما تنظر إلى كل ما يتصل بمستقبل البشر باعتباره همّاً دائماً ومسؤولية والتزاماً أخلاقياً مستمراً باستمرار الحياة الإنسانية.
المعتاد في الدول التي تستضيف إحدى دورات مؤتمرات المناخ، أن تنتهي مسؤولياتها تجاه المؤتمر بل وربما تجاه قضية التغير المناخي نفسها، بانتهاء أعمال الدورة. لكن الإمارات مختلفة دائماً، فقد نظمت وأدارت COP28 كجزء من رؤيتها الشاملة لقضية التغير المناخي وليس كحدث تنظيمي أو فعالية تستضيفها. ولا شك أن هذا يضاف إلى قائمة من الاستثناءات والجوانب غير المسبوقة التي تفردت الدورة الحالية لـCOP28 في الإمارات.
الجدير بالذكر، أن كل تلك "الاستثنائية" كانت متوقعة، نعم فبدون مبالغة هذا هو المتوقع من دولة الإمارات التي دائماً حين تتصدى لحدث أو استحقاق أياً كان مجاله أو نطاقه، تضطلع به وتستوفي متطلباته ليس فقط كما يجب بل وأكثر، وبإضافات وتطوير ومستجدات بل وبنهج ورؤية مختلفة، ما يجعلنا نقول وبثقة إن الاستثناء هو ما نتوقعه من الإمارات دائماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة