رجل شجاع وجد نفسه في بيت أوهن من خيوط العنكبوت، هو أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وقد تجاوزت شخصيته مهمته البروتوكولية، في التعامل مع موقع الأمين العام للمنظمة التي تمثل المظلة الأممية للعالم.
عادة ما يكون هذا الموقع بمثابة إشارة مرور لتنظيم المفارق العالمية، ووفقا لحسابات الدول الخمس الكبار، دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أصحاب حق النقض "الفيتو"، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، روسيا الاتحادية، فرنسا، الصين.
البرتغالي غوتيريش ذو النزعة الأممية يريد أن يقود منظمة تعبر عن جميع شعوب العالم، وتكون، بالفعل، حماية للسلم والأمن الدوليين، كما ينص ميثاقها، ويؤكده مجلس الأمن كأداة رئيسية لهذه الحماية المفترضة.
من هذه الرؤية استعاد غوتيريش قراءة ميثاق المنظمة التي يقودها، واستدعى المادة 99 التي تنص على أنه "يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين"، وهذه المادة واحدة من بين خمس مواد في ميثاق الأمم المتحدة تحدد مهام الأمين العام، وهي أكثرها أهمية في سياق السلام والأمن الدوليين.
إن المشاهد القادمة إلينا على مدار اللحظة مرعبة ووحشية، باعتراف قادة العالم ودبلوماسيي الأمم المتحدة، لكن التوقعات خابت.
الولايات المتحدة الأمريكية تحافظ على نهجها التاريخي في دعم ومساندة الكيان الإسرائيلي، فلعلنا نتذكر أنه في شهر يوليو/تموز من عام 1973، أي قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول بثلاثة أشهر، اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على مشروع قرار، تقدمت به الهند وإندونيسيا وبنما وبيرو والسودان ويوغوسلافيا السابقة وغينيا، يطالب بحق الفلسطينيين في استعادة أراضيهم المحتلة.
هذا "الفيتو" كان قبل خمسين عاما، وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2023، ها هي أمريكا تواصل إيمانها الكامل برفض الحقوق الفلسطينية، وتدعم بامتياز الجرائم الإسرائيلية.
واشنطن تمتطي صهوة نظام عالمي قديم، يبلغ من العمر 78 عاما، هذا النظام الذي ولد في ظروف استثنائية، وتم تكوينه من قبل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وحدهم، بات نظاماً أحادياً، لم يعد صالحاً لإدارة عالم القرن الحادي والعشرين، كل شيء تغير. إصلاح النظام العالمي المتمثل في مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، بما فيها من تشريعات وقوانين ومواثيق، صار طريقا إجباريا لاستقرار العالم.
من غير المقبول أن تدير العالم خمس دول لها مصالحها، غابت عدالة التمثيل، وظهرت ديكتاتورية الأقلية المتمتعة بحق النقض "الفيتو"، عقدة روما التي اخترقت فكرة "الفيتو" تطارد واشنطن وحلفاءها، ومن ثم تظل هذه الصبغة العالمية لمجلس إدارة العالم تغلق كل الأبواب أمام أي إصلاحات مأمولة للحفاظ على البشرية، فهذه المؤسسات الدولية التي من المفترض أن تكون حائط الصد، واستعادة الحقوق، باتت هي نفسها خنجرا في خاصرة السلم والأمن الدوليين.
ما كشفته الحرب في غزة أنه لا يوجد جدار عالمي قانوني أو إنساني تستند إليه الدول والشعوب وقت الكوارث والأزمات التي يصنعها البشر كالحروب، ومن ثم فإن اللحظة الراهنة تتطلب إعادة النظر بعمق شديد في بناء نظام عالمي جديد، يقوم على التمثيل الحقيقي والعادل لكل شعوب العالم.
فمن غير المنطقي أن تتحكم خمس دول فقط في مصائر مليارات البشر، وفق مصالحها، وأهوائها وحساباتها، فمن يقرأ التاريخ منذ مولد هذا النظام العالمي، قطعا سيتوقف أمام "الفيتو" الأمريكي في عرقلة الاستقرار العالمي، وإطلاق عواصف ممنهجة ضد التقدم أو التعاون البناء بين الدول، والأخطر من ذلك أن هذا النظام العالمي يتحرك وفقا لجدول أعمال واشنطن.
** الكاتب: رئيس تحرير الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة