كورونا.. حرب بيولوجية أم فيروس طبيعي؟
ما بين اتهامات بحرب بيولوجية واعتبار كوفيد-19 من قبل الولايات المتحدة "فيروساً صينياً" وما تروج له وسائل إعلام ببكين وموسكو عن كونه سلاحاً أمريكياً
مع تزايد حالة الهلع من فيروس كورونا جراء ارتفاع عدد الوفيات والإصابات في العالم تكثر الاتهامات ونظريات المؤامرة بين القوى العظمى حول المتسبب في الأزمة، التي باتت تقلق مضاجع الجميع على سطح الكرة الأرضية.
ما بين اتهامات بحرب بيولوجية واعتباره من قبل الولايات المتحدة "فيروساً صينياً" وما تروج له وسائل إعلام ببكين وموسكو عن كونه سلاحاً أمريكياً لتدمير الصين لخدمة أغراض اقتصادية أو دولية، يتوق العالم لمعرفة من المتسبب في افتعال هذه الكارثة الإنسانية الدولية.
بينما تنتقد منظمة الصحة العالمية هذه التكهنات والاتهامات المتبادلة، وتؤكد أن "الفيروسات لا تعرف حدوداً ومن المهم حقاً أن نكون حذرين في اللغة التي نستخدمها".
ما هو كورونا؟
فيروس كورونا المستجد هو الأحدث في سلالة فيروسات كورونا، وهو السابع المعروف من سلالة كورونا الذي يصيب البشر، والثالث الذي يسبب أمراضاً خطيرة. أما الأنواع الأربعة التي تجلب أعراضاً بسيطة هي KU1 وNL63 وOC43 و229E.
الفيروسات الأخطر ضمن السلالة، التي تسبب أمراضاً حادة هي ثلاثة، ظهر الأول منها في الصين عام 2003، وهو وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس).
وفي عام 2012 انتشرت السلالة الثانية في المملكة العربية السعودية، التي سميت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس).
فيما بدأ انتشار السلالة الثالثة والحالية (كوفيد 19) نهاية العام الماضي، الذي تم إلحاقه لاحقاً بسلالة سارس، فسمّي علمياً (سارس كوف 2).
وظهر الفيروس الغامض في الصين لأول مرة في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، بمدينة ووهان (وسط)، إلا أن بكين كشفت عنه رسمياً منتصف يناير/كانون الثاني الماضي.
إلا أنه شهد انتشاراً في نحو 170 دولة حول العالم، ما أدى إلى إصابة أكثر من 220 ألف شخص ووفاة أكثر من 9000 حالة، وسط تخوفات بمزيد من الضحايا في ظل عدم اكتشاف علاج له حتى الآن.
وتأتي إيطاليا في مقدمة الدول المتضررة من الفيروس تليها الصين وإيران ثم إسبانيا.
الخفاش أم مختبر ووهان السبب؟
ومع بدء ظهور الفيروس، تحدثت تقارير غربية وصينية أن حيوان آكل النمل الحرشفي ربما يكون الرابط الذي سمح لفيروس كورونا بالانتقال من الخفافيش إلى البشر.
ويُعتقد أن الفيروس الجديد الذي ظهر في سوق للحيوانات الحية في مدينة ووهان بوسط الصين، أواخر العام الماضي، قد نشأ في الخفافيش، لكن الباحثين أشاروا إلى احتمال وجود "مضيف وسيط" في انتقال العدوى إلى البشر.
فيما قام باحثون من جامعة "وي جي" في بكين، بدراسة نشرت نتائجها في مجلة "علم الفيروسات الطبية" قارنت المادة الوراثية من خمس عينات لفيروس كورونا المستجد بـ217 فيروساً مشابهاً أخذوه من عدد كبير من أنواع حيوانية مختلفة.
التحليلات الوراثية أظهرت أن الثعابين هي أكثر الأنواع الحاملة لمثل هذا الفيروس المستجد.
ويدعم باحثو جامعة "وي جي" الفرضية القائلة إن فيروس كورونا المستجد قد نشأ من حيوان يباع في سوق بمدينة ووهان، التي شهدت أول انتشار لهذا الوباء؛ خاصة أن هذه الثعابين من بين الحيوانات التي كانت معروضة للبيع في ذلك السوق.
وفي تقرير لها نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، كانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية من بين أول من اقترح إمكانية وجود صلة بين الفيروس الذي انتشر حديثاً ومختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية، الذي افتتح عام 2014، وهو جزء من معهد ووهان لعلم الفيروسات.
وقالت الكاتبة ناتالي راهال، في التقرير، إن علماء حذروا في عام 2017 من أن فيروساً يشبه متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "سارس"، يمكن أن ينتشر خارج مختبر أُنشئ في ذلك العام في ووهان الصينية، لدراسة بعض أخطر مسببات الأمراض في العالم.
وأشارت إلى أن مختبر ووهان الوطني للسلامة الأحيائية يقع على بعد حوالي 32 كيلومتراً من سوق هوانان للمأكولات البحرية، الذي يعتقد أنه بؤرة تفشي الفيروس.
فيما تناولت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية النظريات بشكل مختلف، بأن فيروس كورونا ربما نشأ في مختبر مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية في الصين.
هذه المزاعم استندت إلى شهادة ضابط مخابرات عسكري إسرائيلي سابق يدعى داني شوهام، وهو من أطلق هذا الادعاء.
كذلك نشرت صحيفة "ديلي ستار" البريطانية تقريراً يدعي أن الفيروس قد "بدأ في مختبر سري".
في حين اعتبر مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين أن محاولة الصين إخفاء الحقائق عن المجتمع الدولي عند اكتشافها الفيروس في ووهان، ديسمبر/كانون الأول الماضي، هو ما تسبب في هذه الجائحة، إذ إنها حرمت الدول الأخرى من الاستعداد له.
وأشار أوبراين إلى تقارير أكدت أن الصين أرغمت الأطباء الذين اكتشفوا حقيقة المرض على الصمت، وأنها فرضت عليهم عزلة حتى لا يتحدثوا في الموضوع.
كما استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصطلح "الفيروس الصيني" للإشارة إلى كورونا المستجد، في أكثر من كلمة وتغريدة له، ما أثار ردود فعل غاضبة في الصين.
وبسؤاله حول استخدام هذا المصطلح، قال الرئيس الأمريكي إنه "ليس عنصرياً ولا يقصد الإساءة العنصرية"، وإنه يستخدم هذا المصطلح للتعبير عن حقيقة أن الفيروس بدأ انتشاره في الصين، لكنه أشار إلى اتهامات صينية للولايات المتحدة بإطلاق فيروس كورونا المستجد.
فيما استبعد خبراء دوليون فرضية أن تستخدم الحكومة الصينية مثل هذا المرفق لإنتاج أو حتى البحث والتطوير في مجال الأسلحة البيولوجية، كونه له علاقات قوية مع مختبر جالفستون الوطني لجامعة تكساس، ولأنه تم تطويره بمساعدة المهندسين الفرنسيين.
وحول عامل الأمان، أشاروا إلى أن مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية يتمتع بمستوى عالٍ من الأمن التشغيلي، ومصرح له بالعمل على مسببات الأمراض الخطيرة، وأولئك الذين يدخلون إلى مختبر من المستوى (4)، يستخدمون معدات خاصة وبدلات واقية، ويتم ترشيح وتنظيف النفايات والهواء بعناية قبل مغادرة المنشأة.
وقال خبير الأسلحة الكيميائية بجامعة ميريلاند ميلتون ليتنبرغ إنه ناقش مع غيره من المحللين حول العالم إمكانية أن يكون تطوير الأسلحة في مختبر ووهان قد أدى إلى تفشي فيروس كورونا على البريد الإلكتروني، لكن لم يكن هناك أحد لديه أدلة مقنعة لدعم النظرية.
وأضاف ليتنبرغ، في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، أنه "بالطبع، إذا كانوا يطورون أسلحة بيولوجية فهذا أمر سري".
قبل أن يستدرك: "لكن من غير المرجح أن تستخدم الحكومة الصينية هذا المرفق لإنتاج أو حتى البحث والتطوير في مجال الأسلحة البيولوجية".
أمريكا بقفص الاتهام
وعلى النقيض، اعتبرت وسائل إعلام صينية وروسية أن فيروس كورونا سلاح بيولوجي أمريكي موجه ضدهما.
وتحدثت وسائل إعلام صينية أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الأساسي لفيروس "كورونا الجديد".
وأشارت إلى أن جنوداً أمريكيين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية العالمية التي جرت في مدينة ووهان، وتنافس فيها 10 آلاف عسكري من مختلف أنحاء العالم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هم الذين نقلوا الفيروس إلى هذه المدينة.
وتحت عنوان "مرض كورونا.. حرب بيولوجية أمريكية ضد روسيا والصين"، جاء مقال وسيلة إعلام تابعة لوزارة الدفاع الروسية تدعى "زفزدا" الشهر الماضي.
وقالت إن الفيروس وجّه ضربة للاقتصاد الصيني، الأمر الذي أضعف موقف بكين في المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وأِشارت إلى أن الولايات المتحدة لديها معامل بيولوجية في دول مثل جورجيا، أوكرانيا، كازاخستان، أذريبجان، أوزبكستان، وأنها على صلة بوكالة الدفاع المعنية بخفض التهديدات (DTRA).
واستشهد المقال باتهامات سابقة لسياسي جورجي يدعى إيغور جيورجادزه، بأن المعمل البيولوجي الأمريكي في بلاده يقوم باختبار أسلحة بيولوجية فتاكة على مواطنين جورجيين.
أما السياسي الروسي وزعيم الحزب الديمقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفوكي فقال في مقابلة مع إذاعة موسكو إن فيروس كورونا هو تجربة من البنتاجون وشركات الأدوية لخلق أوبئة محلية يمكن أن تدمر مجموعة مختارة من السكان، دون أن تمتد إلى بلدان أخرى.
كما أكد الأمر نفسه، السياسي الروسي إيغور نيكولين بقوله إن ووهان تم اختيارها لنشر كورونا؛ حيث يوجد بالمدينة الصينية معهد ووهان لعلم الفيروسات، مما يعطي غطاء للبنتاجون والاستخبارات المركزية الأمريكية بخصوص وجود تجارب بيولوجية صينية انحرفت عن مسارها.
وأضاف، في تصريحات لوسائل إعلام روسية، أن المعامل البيولوجية الأمريكية الممولة من البنتاجون في منطقة أوراسيا كانت تجمع عينات جينية من الشعبين الروسي والصيني، لخلق فيروس "مخصص عرقياً" يصيب أنواعاً معينة من البشر، وهو ما لا يتوافق مع ما حدث؛ حيث أصاب العديد من الدول وليس شعوباً بعينها.
إيران تدخل على الخط
نظرية المؤامرة وجدت أيضاً بقوة في إيران، بحسب علي رضا بناهيان رجل الدين المقرب من المرشد الأعلى، الذي تحدث عن حرب بيولوجية رغم رفض مساعد وزير الصحة الإيراني رضا ملك زادة تلك المزاعم.
وقال بناهيان، في تصريحات صحفية: "كورونا حرب بيولوجية ضد البشرية وتيار المقاومة" في إشارة إلى استهدف أمريكي لها.
كما تحدث المرشد الإيراني على خامنئي بدوره عن إمكانية أن يكون "هجوم بيولوجي" على إيران أدى إلى تفشي الفيروس.
وألمح إلى وجود أدلة على هجوم بيولوجي، قائلاً بالتالي: "إجراءات القوات المسلحة الإيرانية يمكن أن تكون أيضاً تدريباً دفاعياً بيولوجياً وتعزيزاً للقوة الوطنية".
دراسة تكذب الحرب
دراسة جديدة نشرتها مجلة "نيتشر" العلمية، الثلاثاء، وشارك فيها باحثون من جامعات أدنبرة وكولومبيا وسيدني وتولين، لم تجد أي دليل على أن الفيروس تم صنعه في مختبر أو هندسته بأي شكل آخر، كما تحدثت بعض الشائعات.
وقام العلماء بتحليل بيانات تسلسل الجينوم العام لفيروس كورونا المستجد واسمه العلمي "سارس كوف 2" (SARS-CoV-2) والفيروسات ذات الصلة.
وقال كريستيان أندرسن الأستاذ المساعد في علم المناعة والأحياء الدقيقة وأحد مؤلفي الورقة البحثية، إنه "من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجي المعروفة، يمكننا أن نجزم بأن سارس كوف 2 (كورونا المستجد) نشأ من خلال الطبيعة".
وبناء على تحليل النموذج الجيني للبروتين الخاص بفيروس كورونا المستجد، استنتج الباحثون أنه جاء نتيجة للتطور الطبيعي وليس نتاج هندسة وراثية أو معملية.
وختاماً، ليس من دليل قاطع على وجود مؤامرة في نشر الولايات المتحدة الفيروس في الصين وإيران، كما لا يوجد دليل حاسم على أنه فيروس صيني مطور، وكلها افتراضات قائمة على مؤشرات وانطباعات لا على حقائق وأدلة موثقة.
لكن ما هو واقع أن كورونا هو فيروس لا يمكن مواجهته إلا بالبحوث الجدية وإجراءات الوقاية والرعاية الصحية لوقف تأثيراته السلبية والخسائر الكبيرة التي وقعت على الاقتصاد العالمي.
ما يحدث ليس بجديد، فكل الأوبئة التي ظهرت سابقا كانت دائماً مرفقة بشائعات ونظريات مؤامرة ذات انعكاسات خطيرة.
فقديماً، كانت الأسلحة البيولوجية جزءاً من ترسانات الجيوش، ويرجع أول استخدام لها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
واليوم، يعتبر استخدام الأسلحة البيولوجية غير أخلاقي، بعد اتفاقية وقعت في عام 1972 بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية.
aXA6IDMuMTIuMzQuMjA5IA== جزيرة ام اند امز