هناك دول قرر قادتها إجراء الانتخابات، وذلك بحجة احترام الدستور وإمكانية اتخاذ الإجراءات الوقائية والتنظيمية التي تيسر عقد الانتخابات.
فرض انتشار مرض فيروس كورونا حالة من الارتباك والتردد في الدول التي كان من المقرر أن تعقد انتخابات رئاسية أو برلمانية في عام 2020. وتراوحت المواقف بين المضي قدماً في إجراء الانتخابات، وإجراء الجولة الأولى من الانتخابات ثم تأجيل الجولة الثانية، وتأجيل الانتخابات لمدة محددة أو لأجل غير مسمى.
هناك دول قرر قادتها إجراء الانتخابات، وذلك بحجة احترام الدستور وإمكانية اتخاذ الإجراءات الوقائية والتنظيمية التي تيسر عقد الانتخابات بأقل الأضرار الممكنة. كانت أفريقيا هي القارة التي شهدت أكبر عدد من الانتخابات التي أجريت في العالم عام 2020 حتى الآن. وفي غينيا بيساو في يناير 2020 التي انتخب فيها المرشح المعارض "عمر سيسوكو". كما جرت انتخابات رئاسية في توجو، في فبراير، التي تم فيها إعادة انتخاب الرئيس "فور جناسينجبى. وكذلك انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء البرلمان في الكاميرون في شهر فبراير، ومالي وغينيا بيساو في شهر مارس، وانتخابات محلية أو بلدية رافقت الانتخابات التشريعية في الكاميرون. وربما يرجع ذلك لأن أفريقيا كانت أقل القارات التي انتشر فيها المرض وكان ظهوره متأخراً مقارنة ببقية دول العالم، وربما أيضاً أن بعض هذه الانتخابات كانت مؤجلة بالفعل عن مواعيدها المقررة عام 2019.
هناك دول قرر قادتها إجراء الانتخابات، وذلك بحجة احترام الدستور وإمكانية اتخاذ الإجراءات الوقائية والتنظيمية التي تيسر عقد الانتخابات بأقل الأضرار الممكنة.
ولكن الدولة التي حظيت بأكبر اهتمام إعلامي، كانت كوريا الجنوبية التي أجرت انتخابات تشريعية في 15 أبريل، مع أنها كانت ضمن دول الموجة الأولى لانتشار وباء الكورونا، واستطاعت الإجراءات الحكومية الصارمة والالتزام الشعبي بها في انحصار هذه الموجة. لذلك اتخذت الهيئة المشرفة على الانتخابات عدة إجراءات لتأمين الناخبين والعاملين في مراكز الاقتراع، التي بلغ عددها 14 ألفاً؛ منها الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي أثناء الانتظار قبل الدخول إلى مكان التصويت، وإلزام الناخبين بارتداء الكمامات الطبية، وقياس درجة حرارة الناخبين قبل دخولهم مركز الاقتراع، وفي حالة الاشتباه في أحدهم يتم توجيهه إلى غرفة خاصة للتصويت مخصصة لهذا الغرض، وقيام الناخب بتعقيم اليدين وارتداء قفازات إبان عملية التصويت.
وكان هناك أيضاً إجراء الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأمريكي في ويسكونسن في أبريل، التي تهدف إلى اختيار مرشح الحزب لخوض انتخابات الرئاسة ومنافسة الرئيس ترامب في نوفمبر المقبل. فقد صاحب موعد هذه الانتخابات ازدياد عدد الإصابات والوفيات بشكل مروع في أمريكا، وصدور أوامر تنفيذية من حكام الولايات، ومنها هذه الولاية، بالبقاء في المنازل وعدم الخروج إلا للحصول على الطعام وفي حالات الطوارئ.
وأثار توقيت هذه الانتخابات خلافات عميقة بين المؤيدين للاستمرار فيها من أنصار المرشحين والذين بذلوا الكثير من الوقت والجهد استعداداً لهذا اليوم المنشود، وبين المنتقدين لإجرائها حفاظاً على صحة الناخبين والعاملين في مراكز الاقتراع.
عندما أصدر حاكم الولاية، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، قراراً بتأجيل الانتخابات وأيده في ذلك المجلس التشريعي للولاية، الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، فإن المحكمة العليا رفضت هذا القرار مؤكدة ضرورة عقد الانتخابات في موعدها. وأجريت الانتخابات في موعدها وجاء الإقبال ضعيفاً، وانتظر الناخبون ساعات، واعتذر كثير من المتطوعين عن العمل في مراكز الاقتراع حفاظاً على أرواحهم، مما أدى بحاكم الولاية إلى استدعاء قوات الحرس الوطني للحلول محلهم.
وتم الالتزام بالإجراءات الاحترازية ضد انتشار المرض كارتداء الكمامات والقفازات والقيام بالتعقيم، وإقامة حواجز زجاجية نفصل بين الناخب والعاملين في مركز الاقتراع، واستخدام شاشات إلكترونية للتصويت بدلاً من الورق، تعقم بعد قيام كل ناخب بالتصويت. واستخدام قاعات لها أبواب الكترونية تفتح تلقائياً ولا تتطلب الملامسة عند الفتح أو الغلق. كما تم استخدام أسلوب التصويت بالبريد في حالة الأشخاص الذين لا تمكنهم ظروفهم من الحضور وذلك وفقاً لقوانين الولاية.
واتصالاً بذلك، صدر قرار فى بولندا فى 10 مارس بمنع الاجتماعات والحشود الخاصة بانتخابات الرئاسة المقرر عقدها فى مايو. وفي فنزويلا، فقد صرح رئيسها في 19 أبريل بأن الانتخابات التشريعية المقبلة قد تؤجل بسبب ظروف الوباء.
وهناك دول أجرت الجولة الأولى من الانتخابات ثم قررت تأجيل الجولة الثانية خوفاً من العواقب الصحية لذلك. مثل إيران التي أجرت انتخابات الجولة الأولى من انتخابات البرلمان، مجلس الشورى، في فبراير، في وقت كانت هي الدولة الثالثة في العالم من حيث انتشار المرض، وترتب على ذلك انخفاض نسبة المشاركين في التصويت، ووفقاً لبيان وزير الداخلية الإيراني، فإن نسبة الإقبال بلغت 42,6%، وإن هذه النسبة، حسب قوله، هي أقل نسبة إقبال في الانتخابات البرلمانية. وكان من المفروض إجراء الجولة الثانية من الانتخابات في أبريل، ولكن صدر قرار بتأجيلها حتى سبتمبر من العام نفسه.
ومن هذه الدول أيضاً فرنسا التي أجرت الجولة الأولى من انتخابات المجالس المحلية في مارس، وشملت 35 ألف مدينة وقرية وبلدة، ولكن مع تفشي المرض أعلنت السلطات تأجيل الجولة الثانية إلى شهر يونيو. ومع استمرار الأوضاع الصحية القلقة، فمن الأرجح أن يتم تأجيل هذا الموعد إلى تاريخ لاحق.
وهناك دول وولايات آثرت التأجيل وصدر فيها قرارات بذلك. ومنها قرار رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" بتأجيل الانتخابات المحلية، التي كانت من المقرر عقدها في شهر مايو إلى نهاية العام. وقد قرر عدد من الولايات الأمريكية تأجيل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مثل ولاية جورجيا من 24 مارس إلى 24 مايو، وولاية لويزيانا الأمريكية التي أجلتها من 4 أبريل إلى 20 يونيو، وولاية كنتاكي من 4 أبريل إلى 23 يونيو. والحقيقة أن إجراء هذه الانتخابات فقد أهميته في ضوء خروج المرشح بيرني ساندرز من سباق الرئاسة ودعمه المرشح الأقوى جون بايدن نائب الرئيس السابق، الذي سرعان ما حظي بعد ذلك بتأييد علني من الرئيس أوباما والمرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون.
ومن الأمثلة الأخرى لتأجيل الانتخابات: سوريا التي أصدر رئيسها مرسوماً بتأجيل الانتخابات التشريعية لأعضاء مجلس الشعب، التي كان من المقرر انعقادها في 13 أبريل لتكون في 20 مايو. وفي إثيوبيا قررت المفوضية العليا للانتخابات تأجيل الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 29 أغسطس إلى أجل غير مسمى.
تبقى الإشارة إلى مشكلة تتعلق بانتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في 3 نوفمبر 2020، وعما إذا كانت ظروف البلاد وقتها سوف تسمح بالممارسات المرتبطة بهذه الانتخابات مثل جولات المرشحين في الولايات والاجتماعات الحزبية والمناظرات الرئاسية، وماذا إذا استعاد الفيروس القاتل حيويته وبدأ انتشار المرض من جديد. والمشكلة هي أنه لم يحدث قط في تاريخ الولايات المتحدة من تاريخ نشأتها حتى الآن أن تأجل موعد الانتخابات الرئاسية حتى في أوقات الحروب الأمريكية. وذلك لأن الدستور الأمريكي أورد نصوصاً صريحة تتعلق بمواعيد هذه الانتخابات، فنص التعديل الدستوري رقم 20 الذي تمت المصادقة عليه في عام 1933 على "تنتهي مدة ولاية كل من الرئيس ونائب الرئيس ظهر يوم العشرين من يناير" في السنة الأخيرة لولايتهما على أن يتم حفل تنصيب الرئيس الجديد في العشرين من الشهر نفسه. وهي نصوص مباشرة وصريحة ولا يمكن تأويلها على نحو يسمح بتأجيل موعد الانتخابات.
ومعنى ذلك أنه لا يمكن تأجيل الانتخابات إلا بإجراء تعديل دستوري، وهو أمر صعب للغاية، إذ تنص المادة الخامسة من الدستور، التي تنص على أن تعديل الدستور يتطلب موافقة اغلبية الثلثين من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وأن يصدر قرار مشترك من المجلسين بهذا التعديل، وهو أمر بعيد المنال في ضوء سيطرة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلس النواب والعلاقات المتوترة بين الرئيس ترامب ورئيسة المجلس نانسي بيلوسي، خاصة بعد توجيه المجلس لائحة اتهام ضده والمطالبة بعزله من منصبه.
المشكلة عويصة بحق ولا يوجد حل لها في ضوء الدستور والسوابق التاريخية، وأثير في هذا المجال اقتراحات باللجوء إلى التصويت بالبريد أو التصويت الإلكتروني، وأثارت جدلاً وخلافات سياسية ودستورية. والمخرج الوحيد هو أن تنجلي الغمة ويكون من الممكن إجراء الانتخابات في تاريخها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة