الصين باتت في موقع أفضل وخرجت للعالم بخطاب جديد، رغم ما فيه من غموض وعملت على استثمار أطروحاتها وهو ما سيوظف لاحقا ضمن مقايضات جديدة
يواجه الرئيس الأمريكي أزمة كبيرة في الكونجرس، لا تقتصر على التوجهات المطروحة من نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب بل عدد كبير من أعضاء الحزب الديمقراطي، الذين يسعون لاستثمار ما يجري في إطار معالجات أزمة كورونا من قبل مسؤولي الإدارة الأمريكية.
وبالتالي فهناك توقع باستمرار التجاذب بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على إدارة الأزمة، وارتبط ذلك بإجراء الانتخابات الاستهلالية للرئاسة، وتوقف المناظرات العلنية بصورة غير مباشرة للتصفية النهائية، وهو ما سيواجه بأزمات حقيقية ليست متعلقة فقط بكيفية إدارة الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري، والتي كان يتصور أنه سيحسمها بصورة كبيرة، لتأتي إشكالية كورونا لتغير من وقائع ما سيجري.
ويتعلق ذلك ليس بانتقاد إدارة الرئيس ترامب لأزمة كورونا، وما يرتبط بها من تطورات، خاصة أنها كشفت عن قصور في الإدارة، ووجود عيوب هيكلية في النظام الصحي الأمريكي بأكمله- وإنما بغياب الضمانات الصحية للمواطن، وفشل الأجهزة المتخصصة، ليس على مستوى الولايات والمدن الكبرى وامتدادها وإنما على مستوى الأمة الفيدرالية.
إن الدخول في مواجهات جديدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي سيتجاوز إشكالية العزل التي نجح الرئيس ترامب في النجاة منها، مع التكرار بثبات قاعدته الانتخابية، وعدم تضررها بأية انعكاسات طوال الفترة الماضية
وهنا مكمن الخطورة التي لم يدركها الرئيس الأمريكي، خاصة مع المقارنات الدولية الكبيرة التي تمت على مستوى الدول الأخرى وطريقة تعاملها مع الأزمة، فالصين على سبيل المثال باتت في موقع أفضل، وخرجت للعالم بخطاب جديد رغم ما فيه من غموض وعملت على استثمار أطروحاتها، وهو ما سيوظف لاحقا في إطار مقايضات جديدة ربما ستصل إلى حالة التجاذب السياسي في ملفات التعامل مع إيران، والاتفاقيات التجارية، وحركة رؤوس الأموال، وكلها موضوعات ستنعكس على مسارات تعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة وانعكاساتها على اتجاهات الحملة الانتخابية الراهنة في ظل بعض الاحتمالات.
الأول: تأجيل الخطوات الإجرائية لحملات المرشحين على الجانبين، وهو ما قد يؤدي في محصلته إلى احتمالات تأجيل الانتخابات الأمريكية نفسها، وعدم إجرائها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حال استمرار الأزمة أو على الأقل امتداد تأثيراتها، وفي ظل مخاوف مطروحة على شعبية الرئيس الأمريكي ترامب نفسه، وتصاعد حالة الاعتراض والتحفظ على سياسته الراهنة، خاصة أن خطابه السياسي بات يثير تحفظات سلبية في قطاعات كبيرة، مع استمرار انتقاده المباشر لبرنامج أوباما كير وعدم وجود البديل الجاهز، ورغم ما صرح به الرئيس ترامب بأن الانتخابات العامة في الولايات المتحدة ستستمر كما خطط لها في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
الثاني: نجاح مخطط الكونجرس في محاصرة الرئيس ترامب في دائرة محددة، إثر تشكيل لجنة تقصي ومتابعة من داخل الكونجرس حول إدارة الرئيس ترامب لأزمة كورونا، وما سوف تؤدي إليه من تداعيات حقيقية مكلفة، الأمر الذي قد يفتح الباب حول اتهامات الرئيس ترامب بالتقصير، وهو اتهام يرتب له الديمقراطيون استثمارا لما يجري، وستكون له تداعياته في كل الأحوال على مسار الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري رغم تأجيل الحزب الديمقراطي، المؤتمر المخصص لاختيار منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة حتى أغسطس/آب، والذي كان من المفترض عقده في يوليو/تموز.
ومن ثم فإن الدخول في مواجهات جديدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي سيتجاوز إشكالية العزل التي نجح الرئيس ترامب في النجاة منها، مع التكرار بثبات قاعدته الانتخابية، وعدم تضررها بأية انعكاسات طوال الفترة الماضية، وهو الأمر الذي سيتغير في ظل وضع الرئيس الأمريكي وفريق مستشاريه في مقارنة دائمة مع الخارج، حيث لن يكفي الخطاب الإعلامي المكرر الذي يطرحه الرئيس ترامب خاصة مع الصراع الراهن داخل الكونجرس على تصدير أزمة حقيقية للرئيس، وهو ما سيؤثر بالفعل على إدارة العملية الانتخابية على المستوى الفيدرالي بأكمله، خاصة أنه وبخلاف الخوف من كورونا الذي سيحول دون مشاركة فعالة في التصويت، هناك تصور باحتمال تراجع مشهد الانتخابات بشكل عام داخل الولايات، حيث تم إرجاء الانتخابات التمهيدية، وتراجعت المناظرات السياسية كافة أمام حال توافق اتضحت في موافقة مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية على حزمة ترامب لتحفيز الاقتصاد رغم الخلاف القائم بينهما.
الثالث: سيكون الرئيس الأمريكي في مأزق سياسي حقيقي بسبب سرعة التعامل مع المشهد الداخلي، فمن ناحية سيعمل على لم شمل حزبه، ويعلي من توجهاته الإيجابية والتأكيد على أنه نجح في تحقيق مكاسب اقتصادية حقيقية، ونهض بالاقتصاد الأمريكي، وهو ما رفع شعبيته طوال الفترات الأخيرة لتأتي أزمة كورونا وتغير من وقائع ما يجري.
الرابع: لن تكون الانتخابات الأمريكية المقبلة مجرد استحقاق سياسي داخلي، بل سيكون حدثا مرتبطا بتفاعلات ما سيجري سواء في الكونجرس أو خارجه.
ولعل الرئيس ترامب يدرك تبعات ما يجري، وسيحاول الالتفاف عليه بما يملكه من خطاب شعبوي قادر على التعامل مع تكتيكات الحزب الديمقراطي، حيث يحتاج الأمر إلى حماية التصويت في عام 2020 والتأكد من أن إقبال الرأي العام مرتفع، وبما يمكن مسؤولي العملية الانتخابية للتأكد من أن ملايين الأمريكيين ستتاح لهم الفرصة للإدلاء بأصواتهم.
في كل الأحوال يبقى التأكيد على أن تكلفة المواجهة للرئيس ترامب لن تقتصر على الكونجرس والحزب الديمقراطي، بل قد تمتد لشرائح أخرى في الخريطة الانتخابية العامة في الولايات المتحدة، بما فيها الصوت اليهودي وشريحة القادمين من الخارج، والتي سيكون لها قرارها في الحكم على الرئيس ترامب وحسن إدارته لأزمة كورونا أو فشله في التعامل مع الأزمة، ومن ثم فنحن أمام سيناريوهات متعددة ومفتوحة على الخيارات كافة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة