تشهد إجراءات محاصرة فيروس كورونا تطورات إيجابية تبعث التفاؤل بقرب جلاء هذه الجائحة عن البشرية.
فمع تسارع جهود الحكومات لتطعيم السكان وتوفير اللقاحات المناسبة لأكبر شريحة ممكنة منهم، بدأت آفاق التعافي الشامل تظهر في العديد من مناطق العالم.
ورغم ذلك، لا يزال الحذر واجبا، خاصة في ضوء التطورات والتحورات التي يشهدها الفيروس بظهور سلالات جديدة منه في مناطق متفرقة من العالم، كما حدث في الهند مؤخرا.
ضمن هذا السياق، يمكن فهم قرار وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية الشقيقة بقصر إتاحة التسجيل للراغبين في أداء مناسك الحج للعام الحالي على المواطنين والمقيمين داخل المملكة بإجمالي 60 ألف حاج.
هذا القرار يتسم بقدر كبير من الحكمة والرشادة، ويضمن تحقيق التوازن المطلوب بين الحفاظ على استمرار أداء فريضة الحج، والحفاظ في الوقت نفسه على سلامة حجاج بيت الله الحرام، ويسهم في تعزيز الإجراءات المتبعة داخل المملكة لحماية مواطنيها والمقيمين على أرضها من خطر انتشار الفيروس.
لقد حرصت الحكومة السعودية دائما على توفير أقصى درجات السلامة للحجاج، وهي تضع ذلك في مقدمة اهتماماتها وأولوياتها، وكانت إجراءاتها لتحقيق هذا الهدف موضع إشادة وتقدير دائمين من جميع الدول والحكومات الإسلامية، ومن قبل ملايين الحجاج، الذين يذهبون كل عام لأداء المناسك.
وتعمل المملكة كل عام على حشد جميع إمكاناتها البشرية والمادية من أجل خدمة الحجاج وتسهيل أدائهم المناسك بيسر وأمان، ودائماً ما تخضع هذه الإجراءات الاستثنائية والجهود الجبارة، التي تبذلها الأجهزة الرسمية لمتابعة وإشراف خادم الحرمين الشريفين شخصياً، باعتبار أن خدمة ضيوف الرحمن والمشاعر المقدسة هي من أهم أولويات المملكة كبلد شرفه الله بأداء هذا الدور الحيوي.
لقد دفعت حالة الوباء العالمية والحرص الكبير من القيادة السعودية على ضمان حماية وسلامة الحجاج السلطات السعودية إلى وضع اشتراطات صارمة لضمان تنظيم موسم حج خالٍ من الأمراض والأوبئة، من بين ذلك: ضرورة أن تكون الحالة الصحية للراغبين في أداء الحج خالية من الأمراض المزمنة، وأن تكون ضمن الفئات العمرية من 18 إلى 65 عاماً، كما اعتبرت السلطات السعودية التطعيم، ولو بجرعة واحدة، شرطا أساسيا لحج هذا العام، وهي جميعا إجراءات تستهدف سلامة الحجاج وأمنهم بالدرجة الأولى.
لقد تشرفت المملكة العربية السعودية الشقيقة بخدمة ما يزيد على 150 مليون حاج خلال السنوات العشر الماضية فقط، ولكن الظروف العالمية، التي تفرضها جائحة كورونا، تتطلب استمرار حالة الحذر، لأن السماح لأعداد كبيرة من الحجاج للقدوم من خارج الدولة يعني أن احتمالات انتشار الفيروس ستكون كبيرة، فالحشود الكبيرة، التي تؤدي فريضة الحج وقضاؤها فترات طويلة في أماكن متعددة ومحددة، كل ذلك من شأنه أن يشكل خطرا صحياً، ليس فقط على الحجاج وعلى الوضع الصحي في المملكة، وإنما أيضاً على البلدان التي يأتي منها الحجيج عند عودتهم إليها.
من هنا يتفق قرار المملكة بتحديد عدد حجاج هذا العام عند 60 ألف حاج من داخل البلاد "مواطنين ومقيمين"، ليس فقط مع المتطلبات الصحية، ولكن أيضاً مع القواعد الفقهية والشرعية، التي تولي حفظ النفس اهتماما باعتباره من المقاصد الشرعية الأساسية لديننا الحنيف.
ستنجح الحكومة السعودية الشقيقة، مثلما هي عادتها كل عام، في تنظيم موسم حج ناجح وصحي وآمن، وستقدم كل التسهيلات اللازمة للتيسير على ضيوف الرحمن أداء المناسك، وستمكّنهم من الوصول إلى المشاعر المقدسة بكل يسر، محافظة على استمرار أداء هذه الفريضة من ناحية، وضمان الحماية والسلامة الصحية للحجاج من ناحية أخرى، على أمل أن ينتهي الوباء قريبًا، ويعود الحجاج إلى أرض الحرمين الشريفين من كل بقاع الأرض وسط ترحيب وحفاوة الشعب السعودي وقيادته الحكيمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة