جرت الأسبوع الماضي انتخابات جمعية الصحفيين الإماراتية، وأسفرت عن انتخاب مجلس إدارة جديد لها.
وتمثل تلك النتائج مرحلة جديدة في مسيرة العمل الصحفي بدولة الإمارات، ليس فقط لأن هذه الانتخابات تعد الأولى التي تم خلالها تطبيق النظام الأساسي المعدل للجمعية، والذي بموجبه يحق لرئيس مجلس الإدارة الجديد الترشح لدورتين متتاليتين فقط، أو لأنها الأكثر مشاركة من جانب المرشحين مقارنة بالانتخابات السابقة، وإنما أيضاً لأنها تتزامن مع عام الخمسين، الذي تحتفي فيه الإمارات بيوبيلها الذهبي وما حققته خلاله من نجاحات وإنجازات على الصُّعُد كافة، وتستعد خلاله أيضاً إلى التحوّل الفاعل والمُستدام للخمسين عامًا القادمة، وهي مرحلة تتطلب من الصحافة، والإعلام الوطني بوجه عام، مواكبتها والتعبير عنها في منصاته المختلفة، باعتبارها تؤسس لانطلاقة جديدة ترسخ خلالها الإمارات مكانتها كدولة نموذج وتجربة يُحتذى بها في البناء والتنمية والإنجاز.
إن الآمال المعقودة على مجلس إدارة جمعية الصحفيين الإماراتية المنتخب كبيرة، خاصة في ظل ما يتمتع به أعضاؤه من خبرة كبيرة في العمل الصحفي وإلمام بأدواته، فضلاً عن إيمانهم العميق بدور الصحافة في النهوض بالمجتمع، وحرصهم كذلك على الارتقاء بمهنة الصحافة والعاملين بها، وبما يواكب الأهداف الطموحة لاستراتيجية الإمارات الإعلامية، التي أقرها مجلس الوزراء في يناير الماضي، خاصة فيما يتعلق بتعزيز حضور الإعلام الوطني على الصعيدين الإقليمي والدولي، وترسيخ مفهوم الشراكة والتعاون وتكامل الجهود بين مختلف الجهات الإعلامية في الدولة، وبناء الشراكات مع المؤسسات الإعلامية العالمية، وإيجاد بيئة إعلامية رقمية تواكب التطورات السريعة وتتفاعل مع العالم، بما يسهم في تعزيز سمعة الإمارات وإنجازاتها إعلامياً على الصعيدين المحلي والدولي.
ومثلما كانت الصحافة الإماراتية شاهداً على مسيرة الإنجازات، التي تحققت خلال العقود الخمسة الماضية، بل وشاركت فيها بفاعلية حينما عبرت بكل أمانة وشفافية عن مطالب المواطنين، واستطاعت أن تكون حلقة الوصل بينهم وبين القيادة الرشيدة، فإنها كذلك ستواصل دورها الفاعل والحيوي في مواكبة رحلة الإمارات للخمسين عاماً المقبلة، التي تنطلق خلالها إلى آفاق أرحب وأوسع، وبطموح متجدد يعزز مكانتها وريادتها على خارطة الدول المتقدمة.
ولعل ما يبعث على التفاؤل في هذا السياق أن مجلس الإدارة الجديد لجمعية الصحفيين لديه رؤية طموحة للنهوض بالعمل الصحفي، تنطلق بالأساس من مواجهة تحديات المهنة والعمل على إيجاد حلول فاعلة ومستدامة لها، ومواكبة التحولات المتسارعة في العمل الصحفي والإعلامي بوجه عام، لا سيما ما يتعلق منها بالإعلام الجديد والمنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أوجدت ما يسمى بظاهرة "الصحفي المواطن" ضمن منظومة العمل الإعلامي، وغيرها العديد من التطورات التي لا شك سيأخذها مجلس الإدارة الجديد في الاعتبار خلال المرحلة المقبلة، بما يضمن توفير بيئة تسهم في إطلاق إبداعات العاملين في المجال الصحفي، وتعزز من دور الصحافة، باعتبارها بالفعل السلطة الرابعة التي تمتلك العديد من أدوات التأثير الإيجابي والفاعل في المجتمع.
منذ تأسيسها عام 2000، وجمعية الصحفيين الإماراتية تمثل منبراً فاعلاً، ليس فقط للنهوض بمهنة الصحافة والعاملين بها، وإنما أيضاً في تطوير مفاهيم حرية الصحافة بما يتفق والخصوصية المجتمعية والثقافية والحضارية لدولة الإمارات، ويعبر عن ثوابتها تجاه مجمل القضايا خاصة لدى الرأي العام العربي والدولي.
ولا شك في أن التحولات المتسارعة، التي لحقت بالعمل الصحفي والإعلامي بوجه عام في الآونة الأخيرة وما يرتبط به من تحديات تمثل الاختبار الحقيقي أمام الجمعية خلال السنوات المقبلة، ومن بين هذه التحديات كيفية العمل على جذب المواطنين لمهنة الصحافة، والعمل على بناء كوادر وطنية في هذا المجال الحيوي، خاصة في ظل استمرار ظاهرة "العزوف" عن العمل في المجال الإعلامي بوجه عام، والوظائف المرتبطة بالتحرير والمحتوى والإعداد، فضلاً عن كيفية مواكبة الصحافة لثورة الإعلام الجديد وأدواته المختلفة من منصات رقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي فرضت محتوى رقميا ذا مضمون يناسب شريحة واسعة من أفراد المجتمع، خاصة الشباب "المهووس" بهذا النمط البعيد عن الصحافة التقليدية، وما يرتبط بذلك من تراجع الاهتمام بالصحافة الورقية لصالح الرقمية، وهي قضايا ينبغي أن تحظى بمزيد من الاهتمام من جانب جمعية الصحفيين في المرحلة المقبلة.
رغم هذه التحديات، فإن الصحافة الإماراتية باتت طرفاً فاعلاً ومؤثراً في صياغة المشهد الإعلامي على الصعيدين العربي والإقليمي، وتجربة يُحتذى بها في الموضوعية والحرية المسؤولة، بلا تجاوز لخصوصية المجتمع، حريصة على الالتزام بثوابته ومنظومة قيمه وتقاليده، لأنها تمارس نوعاً من الرقابة الذاتية، التي تجعلها تقدم مضموناً هادفاً ينحاز لمصلحة الوطن، وتبتعد عن الإثارة ووهم ما يسمى "السبق الصحفي"، الذي يقترن في أحيان كثيرة بمضمون غير موثوق وغير هادف، وهذا ما يجعلها تحظى بالمصداقية.
إن تعزيز مكانة الصحافة الإماراتية والعمل على ترسيخ صورتها باعتبارها نموذجاً للصحافة المسؤولة والموضوعية والملتزمة بقضايا وطنها وأمتها، يمثل المهمة الرئيسية لجمعية الصحفيين الإماراتية خلال المرحلة المقبلة، وهي قادرة على إنجاز هذه المهمة، ليس فقط لأن مجلس إدارتها الجديد يمتلك رؤية شاملة للنهوض بالصحافة شكلاً ومضموناً، وإنما الأهم أنها تحظى بدعم القيادة الرشيدة في الإمارات، والتي تؤمن بأهمية الدور الذي تقوم به الصحافة والإعلام بوجه عام، باعتباره شريكا رئيسيا في نهضة الوطن وتطوره، والتعبير عن طموحاته ونقل قصة نجاحه إلى الخارج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة