"العين الإخبارية" تفتح ملف ديون كورونا المناعية
باستثناء الإنفلونزا، وهي فيروس شهير ومعروف، تتواجد فيروسات وبكتيريا ممرضة بيننا منذ أمد بعيد لكن لم نسمع عنها إلا هذه الأيام.
فالفيروس المعروف باسم "التنفسي المخلوي" تم اكتشافه عام 1959، ومنذ ذلك التاريخ كان يسبب أعراضا شبيهة بالإنفلونزا، وكان يتم التعامل مع هذه الأعراض من الاحتقان والحمي وسيلان الأنف، بالأدوية المخصصة للتعامل مع تلك الأعراض، دون الاهتمام بمعرفة الفيروس المسبب لها أو عادة ما كان الأطباء يتعاملون معها كأعراض إنفلونزا.
وينطبق نفس الشيء على بكتيريا "المكورات العقدية من المجموعة أ"، التي تم اكتشافها منذ القرن التاسع عشر، حيث تسبب أعراضا شبيهة بالفيروسات التنفسية، ولا يعرف الأطباء أن المريض أصيب بها، إلا إذا تطورت الحالة إلى ما يعرف بـ"الحمى القرمزية"، أي طفح جلدي أحمر لامع يغطي معظم الجسم.
الأمر الذي يطرح سؤالا عن الأسباب التي جعلت تلك الفيروسات تطفو على السطح مؤخرا، بل باتت توصف إلى جانب الإنفلونزا، بأنها تشكل خطرا كبيرا خلال الشتاء.
يقول خبراء، استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم، إن هذه الفيروسات كان عدد الإصابات التي تسببها محدود، وتأثيرها ضعيف، وذلك لوجود خبرة مناعية سابقة تشكلت عند الغالبية العظمى، بسبب الإصابة السابقة بهذه العوامل الممرضة، ولكن مع اتجاه العالم للإغلاق للسيطرة على كورونا حدث ما يمكن تسميته بـ"الفجوة المناعية"، حيث تواجد مواليد جدد خلال الثلاثة أعوام الماضية لم تتعرض لهذه العوامل الممرضة، ويواجهونها لأول مرة بعد انتهاء الإغلاق، وبالنسبة للفئات الأخرى من السكان، فإنها تواجه عوامل ممرضة قد تكون تركيبتها الوراثية تغيرت خلال فترة الإغلاق.
ويشرح أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد "إدوارد جينز" بجامعة أكسفورد، هذه الفجوة المناعية قائلا: "الفيروس التنفسي المخلوي، يحدث له تحور ولكن بطيء، وبالتالي فإن الإصابة بالفيروس في عام سابق، توفر حماية في العام التالي، ولكن مع الإغلاق حدث تراكم في الطفرات، جعلت العالم يواجه فيروس بتركيبة مختلفة مع إنهاء الإغلاق، لذلك يمكن اعتبار أن تلك الإصابات بمثابة (ديون مناعية) يسددها العالم عن فترة الإغلاق".
وعالميا، تشهد أعداد الإصابات ارتفاعا شديدا، حيث حذر أطباء العناية المركزة في ألمانيا الخميس الماضي، من أن وحدات طب الأطفال بالمستشفيات في البلاد باتت على شفا الانهيار، بسبب الزيادة الموسمية في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي المخلوي.
وطالبت جمعية مستشفيات الأطفال والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، الحكومة الأمريكية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بإعلان الفيروس المخلوي التنفسي، حالة طوارئ وطنية.
وبالنسبة لبكتيريا "المكورات العقدية"، فإنه لا يمكن القول، حتى الآن، أن العالم يواجه نوعا جديدا، ولكن هذه البكتيريا بطبيعتها تستهدف الأطفال، وكل الوفيات التي تسببت فيها من الأطفال، لذلك فإن أغلب الظن أنهم يتعرضون لها لأول مرة، بسبب إغلاقات كورونا، وهذا "دين مناعي" آخر يدفعه العالم، كما يقول محمود البدري، أخصائي المناعة بجامعة أسيوط جنوبي مصر.
وتوفي حتى الآن 6 أطفال في المملكة المتحدة متأثرين بإصابتهم بهذه البكتيريا المهددة للحياة، وفق بيان لهيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة، الجمعة.
وإلى جانب الأطفال، يرجع البدري، إصابات الكبار المتزايدة بالبكتيريا، إلى طبيعتها كبكتيريا انتهازية، أي أنها تنتظر لحظات الضعف المناعي حتى تتمكن من المضيف البشري، ومع ازدياد معدل الإصابة بالأمراض الفيروسية بعد إنهاء إغلاقات كورونا، أصبحت المناعة مهيأة للإصابة بهذا الفيروس.
ووفق هيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة، فإن "هناك ارتفاعا ملحوظا في حالات الإصابة بالحمى القرمزية، الناتجة عن الإصابة بهذه البكتيريا، حيث تم الإبلاغ عن 851 حالة في الأسبوع الممتد من 14 إلى 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، مقارنة بمتوسط 186 حالة لنفس الفترة في السنوات السابقة".
وليس ببعيد عن "الديون المناعية" أيضا، الإصابة بالإنفلونزا، فرغم أنها تتغير من موسم إلى آخر، إلا أن إغلاقات كورونا والإجراءات الاحترازية قد سمحتا بتجنب الإصابة، ولكن مع التخلي عن تلك الإجراءات شهد العالم ارتفاعا ملحوظا في أعداد الإصابات، وهو "دين مناعي" ثالث يسدده العالم، كما يوضح البدري.
وحتى 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يقدر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن الإنفلونزا أدت بالفعل إلى دخول 53 ألف حالة إلى المستشفى و2900 حالة وفاة، وكل ذلك، ولم ندخل في ذروة الموسم.