لا يمكن القضاء على أعراض كورونا في ظل أمراض الطائفية والمحاصصة وسرقة المال
في بلد العجائب والغرائب كما يندّر العراقيون بوصف بلدهم، قد لا تكون القنوات الفضائية التابعة للحكومة والأحزاب نافذة ملائمة لنقد الأوضاع الحالية بحرية كاملة، رغم إشاعة كذبة الديمقراطية، وهو ما يدفع أنصار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تقديم برامجهم الساخرة بسقف حرية أعلى من خلال العالم الافتراضي.
شاهدتُ مؤخرا على إحدى القنوات العراقية الفضائية مذيعا جريئا يناقش بسخرية لاذعة احتمال دخول مرض كورونا إلى العراق وردود أفعال الناس إزاء هذا الوباء، باعتبار الصين المستورد الأول للبترول العراقي، فيقول: ماذا يفعل مرض كورونا إذا فكّر بالمجيء إلى العراق الذي يعاني من تردي قطاع الصحة، لربما يرفض الدخول إذا ما علم أن أمراضا أخرى تستوطن الواقع العراقي مثل مرض "باكونا" أي سرقونا باللهجة العراقية، وأمراض أخرى مشتقة من كورونا: "هجرونا" و"قمعونا" و"باعونا" و"خطفونا" و"باعونا" وذلونا" و"اعتقلونا"، وغيرها على هذا الإيقاع.
لا يمكن القضاء على أعراض كورونا في ظل أمراض الطائفية والمحاصصة وسرقة المال؛ لأنها أشد فتكا من كورونا، وهي تنخر في الجسد العراقي من دون أن تعالجها أي عقاقير إلا بالتغيير الذي يطالب به المتظاهرون في ثورة تشرين الشبابية، وعلى العالم وبلدان الجوار أن يتحصّنوا ضد أمراض العراق في الطائفية والمحاصصة والارهاب أكثر من كورونا، فهي أيضا عابرة للقارات والحدود.
لا شك أن كورونا ستعطف على حال العراقيين وتتركهم لحالهم بعد أن تعرف أمراضهم الأخرى. وفي الوقت نفسه، يتمنى العراقيون أن يدخل مرض كورونا ويصيب فيروسه الحكّام العراقيين الذين يحكمون طيلة سبعة عشر عاما دون أن يقدموا أي إنجاز ملموس في أي مجال.
وحسب النكتة الشائعة، يتمنى العراقيون أن يهجم مُصاب بكورونا على البرلمان ويعطس في وجه النوّاب، وينشر المرض المعدي ويقضي عليهم مرة واحدة، لكن المشكلة أن أغلبهم لا يسجل حضوره حتى لاستلام رواتبهم، لأنها تصل إليهم عن طريق التحويل المصرفي الإلكتروني.
ليس مرض كورونا بجديد على العراقيين، فقد أصابهم طاعون بغداد الشهير في 1830 عندما سيجوا أحياءً بكاملها وأحرقوا جميع سكانها. وهاهم يعودون لحرق خيام المعتصمين السلميين لأنهم توهموا بأنهم مصابون بمرض كورونا أو الطاعون العراقي. وهكذا أصبح موت العراقيين حتميا ويوميا بكورونا صينية أو بطاعون بغداد التاريخي.
رغم كل البلاء، وشّر البلية ما يُضحك، أن شهد العراق في السنوات الأخيرة ظهور العديد من البرامج الكوميدية الساخرة التي كسرت "تابوهات" ممنوعات سياسية ودينية، كان لا يجرؤ الكثيرون على التصريح بها، مع برنامج "البشير شو" الذي يقدمه الإعلامي أحمد البشير والذي اضطر لمغادرة بغداد بعد مقتل والده وأخيه وتلقيه عدة تهديدات، ما دفعه للهجرة إلى ألمانيا وتقديم برنامجه من قناة "إن. أر. تي" الفضائية. وتكاثرت تلك البرامج الساخرة مثل "جك بك"، و"ولاية بطيخ"، و"عود شخاط" وغيرها، وهي تدل على وعي الشباب العابر للطائفية والمحاصصة.
إن العراقيين يسخرون من كورونا لأن إصاباتهم من أمراض سابقة قد فاقت ضحايا الصين بمرض كورونا مقارنة بنسبة السّكان، لذلك فهم لا يعيرون أهمية لهذا المرض رغم صدور قرارات بمنع دخول الصينيين إلى ميناء البصرة، حيث أقفل العراق الحدود والمطارات والمعابر بوجه هذا الفيروس، ولكن فيروسات أخرى انتعشت وتنتعش بدون رقيب أو حسيب أو عقاقير مثل فيروس الطائفية، وفيروس المحاصصة، وفيروس الخطف، وفيروس سرقة المال العام، وفيروس المسدسات الكاتمة وغيرها.
ربما سيعثرون على علاج لمرض كورونا بابتكار العقاقير الطبية لكن أمراض العراق دائمة ومستعصية ولا تُشفى بالعقاقير الطبية حتى، لأنها استوطنت في تربة خصبة منذ عام 2003، ولصقت بجلد العراقيين.
ولعل أكبر من مرض كورونا الذي عرفه العراقيون قبل الصينيين هو مرض "المكوّنات" الذي جاء به أول حاكم مدني للعراق السيد بول برايمر، وحرث بيديه التربة الصالحة لنمو طفيليات الطائفية والمحاصصة والسرقة والمليشيات والإرهاب. وبدأت العدوى تصيب جميع أطياف المجتمع العراقي: الشيعة والسنة والأكراد والأتراك واليزيديين والمكونات الأخرى.
وثارت الشائعات عن الإصابات التي لا تنتهي، فبدلا من ارتداء الصينيين الكمامات الواقية، فقد ارتدى العراقيون القبعات الزرق، لكن الناس لم تترك مصائبها اليومية - وهي لا تُعّد ولا تحصى - ولم تنشغل بمرض كورونا لأن أمراضهم أكثر فتكا وعنفا وقتلا. وصار احتمال إصابتهم بهذا الفيروس أقل فتكا من أمراض البيئة والمياه والكهرباء والطرقات والسكن والإرهاب والمليشيات، وهي أمراض مستعصية بل ومميتة حتما أكثر من كورونا، لأن الموت البطيء أشّد إيلاما من الموت المفاجئ.
أما النكات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الفيروس، فهي كثيرة، ولا يبدو أنها ستتوقف حتى لو عثروا على علاج لكورونا. إن العراقيين يتناولون الأمراض مع استكانة الشاي في مقاهي الرصيف، ولا يعبأون بما يجري حولهم لأنهم اعتادوا أمراضا أخرى لا علاج لها. اعتاد العراقيون أن يتعاطوا مع الأمراض المستوطنة، لذا فهم أكثر كفاءة في مواجهة كورونا.
أصبحت العطسة العادية احتمال إصابة، وكذلك السعال والحرارة وفي ظل انتشار الأدوية المزيفة في العراق، فلا ينفع إلا العلاج السحري، ولا يمكن القضاء على أعراض كورونا في ظل أمراض الطائفية والمحاصصة وسرقة المال لأنها أشد فتكا من كورونا، وهي تنخر في الجسد العراقي من دون أن تعالجها أي عقاقير إلا بالتغيير الذي يطالب به المتظاهرون في ثورة تشرين الشبابية، وعلى العالم وبلدان الجوار أن يتحصّنوا ضد أمراض العراق في الطائفية والمحاصصة والإرهاب أكثر من كورونا، فهي أيضا عابرة للقارات والحدود، ولا ينفع معها أي كمامات واقية، الغزاويون اتحفونا بنكتة ساخرة عن كورونا بقولهم: إن المدينة محاصرة لدرجة أن فيروس كورونا لا يعرف كيف يدخل غزة!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة