مستشفيات لبنان تصارع الموت.. وفتح أقسام لكورونا التحدي الأصعب
ليس مبالغا القول إن مصابي كورونا في لبنان قد يموتون أمام المستشفيات التي تحوّلت مداخلها إلى غرف إنعاش، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
الصور التي تنقل من داخل هذه المؤسسات الصحية قد لا تكون كافية لتعكس واقعها المتأزم، خاصة مع الخوف الدائم من الأسابيع المقبلة حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع عدد المصابين، والذي بات لا يقل يوميا عن 5 آلاف، بينما عدد الوفيات يصل إلى العشرات.
والسبت، أعلنت وزارة الصحة العامّة، في تقريرها اليومي "تسجيل 5872 إصابة جديدة بكورون"، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 249158"، إضافة إلى "41 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 1866.
وفي حين يبذل عدد كبير من المستشفيات جهودا لتكون في الخطوط الأمامية لإنقاذ مصابي كورونا، لا يزال هناك مستشفيات يمتنع عن فتح أقسام لهذا الوباء، وهو ما استدعى إطلاق مناشدات من قبل المعنيين للتحرك، رغم أن وزارة الصحة حذّرت من فرض غرامات.
وفي هذا الإطار، أعلنت المستشفيات أن القدرة الاستعابية لديها وصلت إلى أقصاها ولم يعد هناك أي أماكن شاغرة لاستقبال أي مريض، فيما تحولت السيارات ومداخل المستشفيات وأرصفتها إلى غرف طوارئ مع أزمة نقص العاملين في القطاع الطبي بعد هجرة مئات الأطباء والممرضين، أو إصابة عدد كبير منهم بفيروس كورونا فباتوا مضطرون للتوقف عن العمل.
ووفق ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات هارون هارون لـ"العين الاخبارية" هناك "600 سرير في العناية الفائقة و1100 سرير عادي مخصصة لمرضى كورونا موزعة على المستشفيات بحيث يصعب زيادة العدد في المرحلة المقبلة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الطبية مع ارتفاع سعر صرف الدولار".
هذا بالإضافة إلى مستحقات هذه المؤسسات لدى الدولة اللبنانية، في وقت بات النقص واضحا في المعدات الطبية والأدوية التي تتطلب بدورها الدفع بالدولار.
الموقف نفسه يعبر عنه سعد الزين، مساعد رئيس "مستشفى رزق" الخاص في لبنان، الذي عمد إلى إنشاء غرف إضافية عبارة عن "كونتينرز" مخصصة لمرضى كورونا بعدما امتلأت غرف القسم بالمرضى.
ويقول الزين لـ "العين الاخبارية": "وضعنا نفس وضع المستشفيات الأخرى، فإننا نعاني أزمة حقيقية مع عدم قدرتنا على استقبال المزيد من المرضى رغم أنه يصلنا يوميا العشرات".
ويلفت إلى أنه بات في "مستشفى رزق" 14 غرفة للعناية المركزة و26 غرفة مخصصة لمعالجة مرضى كورونا، موضحا أن هذا يأتي في وقت تكثر فيه المشكلات، سواء القدرة على زيادة عدد الغرف، أو الشروط الصحية الخاصة الواجب توفراها في أقسام كورونا مثل جودة الهواء والأجهزة وغيرها.
ويوضح: "هناك أيضا مشكلة تأمين التجهيزات التي يتطلب دفعها بالدولار الأمريكي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية".
وإلى جانب هذا الأمر يتحدث عن مشكلة النقص في الجهاز الطبي، نتيجة هجرة الأطباء والممرضين في الفترة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وإصابة عدد كبير منهم بفيروس كورونا ما يحول دون قدرتهم على العمل، ك هذا بالإضافة إلى ضرورة حجر كل من خالطوهم من زملائهم، وهذا ما أدى إلى وجود ضغط غير مسبوق على العاملين في هذا القطاع الذين باتوا يضطرون للعمل 24 ساعة متواصلة.
وفي هذا الإطار أيضا، تقول نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان، ميرنا ضومط، لـ"الوكالة الوطنية للإعلام: "منذ بدء الجائحة حتى الآن تزداد أرقام المصابين بكورونا يوما بعد يوم، فهناك 1500 إصابة في صفوف الممرضات والممرضين، جزء منهم ما زال في المستشفيات، وجزء ما زال محجورا، وجزء تعافى إضافة إلى 4 شهداء".
وأشارت إلى أن "الحديث عن زيادة الأسرة بالمستشفيات غير صحيح، لأن عدد الممرضات والممرضين غير كاف، ولأن المستشفيات طردت الكثير منهم، والقليل الذي تبقي البعض تعب والبعض الآخر ترك العمل ومنه من هاجر".
وأشارت إلى أن "عدد المهاجرين حتى الأن 600 ممرضة وممرض، والأعداد مرشحة للازدياد".
وشددت أن "المطلوب إعادة فتح باب التوظيفات والعمل على المحافظة عليهم من خلال إعطائهم الحوافز، لأن الرواتب منخفضة لا تحفزهم على البقاء في الوطن وفي المهنة، خاصة وأنهم في المواجهة وفي الخط الأمامي، فهم يعرضون أنفسهم لخطر الإصابة بالفيروس ونقله إلى عائلاتهم".
وأضافت: "نحن الأن في حرب صحية وعسكرنا الممرضات والممرضين والأطباء، وهم بحاجة إلى تعزيزات وأن يميزوا عن غيرهم كي يستطيعوا الاستمرار في مواجهة هذه الحرب وإلا لن يبقى أمامهم إلا الهجرة، وهذا خطير جدا لأن هذه الطواقم البشرية لن تعود إلى الوطن خصوصا وأن كل العالم بحاجة إلى ممرضات وممرضين في ظل تفاقم هذه الجائحة".
ولفتت إلى أنهم "أصدروا كنقابة عدة بيانات تحذر من هذا الوضع، وتطالب باستبقاء الممرضات والممرضين وإعطائهم حوافز وإعادة فتح باب التوظيف"، مشيرة إلى أن "هناك 1200 متخرج يجب استيعابهم في سوق العمل وإلا سيصبحون مشروع هجرة".
مستشفيات تمتنع عن فتح أقسام لكورونا
وفي مقابل هذه الأزمة هناك عشرات المستشفيات في لبنان لا تزال تمتنع عن فتح أقسام خاصة لـ"كورونا" لحجج واهية، وفق ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي، رغم أن وزارة الصحة حذّرت من اتخاذ إجراءات بحقها.
وكان عراجي كتب عبر حسابه على تويتر قائلا: "رغم العقوبات التي قررت وزارة الصحة فرضها على بعض المستشفيات الخاصة التي لم تفتح أقسام كورونا، البعض منها لم يلتزم بعد لأسباب ما زلت غير مقنعة، لهؤلاء، متى تتحرك ضمائركم وأنتم تعلمون أننا وصلنا إلى مرحلة كارثية تحتاج إلى المسؤولية الوطنية منا جميعا".
وفيما هناك 90 مستشفى في لبنان تستقبل مرضى كورونا، قال عراجي لـ"العين الاخبارية"، إنه في الوقت الذي بات ينتظر فيه المرضى أمام المستشفيات هناك مستشفيات أخرى وعددها لا يقل عن 40، تمتنع عن فتح أقسام خاصة لكورونا لأسباب غير منطقية، منها أنها لا تملك المال، وهذا ما لا يجوز ولا يمكن القبول به، ويفترض أن تبدأ وزارة الصحة هذا الأسبوع بالتصرف مع المسؤولين عنها".
وإضافة إلى تحول مداخل المستفيات إلى غرف لعلاج المرضى يقول عراجي: "بعض الأطباء بدأوا يعالجون مرضاهم عبر أجهزة التنفس الاصطناعي في المنازل لعدم القدرة على تأمين غرف لهم"، محذرا من أن الأسبوعين المقبلين سيكونان أسوأ على لبنان، متمنيا أن يتم تمديد الأقفال العام الذي ينتهي في 25 من الشهر الجاري.
المستشفيات تدق ناقوس الخطر
وكان عدد من مستشفيات لبنان (7 مستشفيات تستقبل مرضى كورونا) دقت ناقوس الخطر قبل يومين معلنة في بيان مشترك لها بعد اجتماع افتراضي طارئ، أن تقديم الخدمات الاستشفائية لم يعد مضمونا، متحدثة عن مشكلات عدة تعاني منها.
وقال البيان: "إن المستشفيات التي هي في عين العاصفة تصارع التحديات على مختلف الصعد وقد أصبحت تواجه مزيداً من العقبات التي تمنعها من متابعة تقديم العناية والعلاج اللازم للمرضى وذلك بسبب عدم توفر المستلزمات الطبية والعلاجية وبعض الأدوية الحيوية".
وفي الاجتماع الذي عقده تجمَع المستشفيات الجامعية مع لجنة تضم نقيبي مستوردي المستلزمات والأجهزة الطبية ومستوردي الأدوية، أفاد ممثلو المستوردين أنهم يواجهون عقبات خارجية مع الشركات الموردة التي عمدت بمعظمها على إيقاف التسهيلات التي كانت تمنحها سابقاً للشركات اللبنانية وذلك بسبب التأخّر في تسديد مستحقاتها.
كما أنها تواجه عقبات داخلية تتمثل في التأخير الحاصل في إنجاز المعاملات لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية، مما يعيق تسليم كميات المستلزمات وبعض الأدوية المطلوبة للمستشفيات في أوانها.
وأكد البيان "أن متابعة تقديم الخدمات الاستشفائية أصبح أمراً صعباً جداً وغير مضمون، وهو مرهون بتوفر المستلزمات الطبية الضرورية والتي أصبح العديد منها مفقوداً أو غير متوفر إلا بأسعار خيالية".
بناءً على ما تقدم، ناشد المجتمعون "سائر المسؤولين المعنيين مباشرةً بالأمر أن يبادروا إلى إتخاذ خطوات إنقاذية سريعة وعاجلة قبل فوات الأوان وقبل أن تصبح صحة المواطنين في مهب الريح".
ودعوا الجميع إلى العمل الدؤوب لتوفير المستلزمات الطبية والأدوية للمستشفيات فوراً، كي تستطيع متابعة تقديم الخدمات الإستشفائية لمختلف المرضى".