ظهر كثير من الشائعات حول منشأ هذا الوباء، وتساءل الناس: هل هو اصطناعي أم طبيعي؟ وتصدرت المؤامرة الكونية واجهة التفكير الشعبي
رغم أن كورونا أصبح كائناً غير مرئي تردده ألسنة البشر في جهات الأرض الأربع، فإن السيطرة عليه، بدأت تظهر وتعطي أكلها، تماماً في بلد المنشأ، في الصين ذاتها التي انطلق منها، أعلنت أن خمسين بالمئة من المصابين بهذا الوباء تماثلوا للشفاء وزفت خبر إيجاد أدوية العلاج في نهاية شهر أبريل/نيسان، وهو ما يجعل البشرية تجد الأمل بعد يأس في بادئ ظهور الوباء الذي راح يتناقص يوماً بعد آخر.
لا بد من القول إن التاريخ نقل لنا تجارب الماضي في تعامل العقل البشري مع الأمراض والأوبئة، ووجد العلاجات لمختلف الأمراض وانتصر عليها في حرب ضارية، فمن ناحية فقد فتك كورونا بالبشرية لكنه وحدّها أيضاً، وجعل التفكير ينصّب في طريق واحد: وهو الخلاص من الوباء.
مما لا شك فيه، يُذكرنا كورونا بتاريخ ظهور الطاعون في الازمنة القديمة، حيث لم يكن للبشرية آنذاك الوسائل الكافية لمواجهته، فكان البشر يتهاوون في الشوارع والطرقات والساحات، أما الآن فقد تطور الطب ووصل إلى أوج ابتكاراته، وما عادت الأمراض في ضوئه، تفتك بالبشر كما تشاء، ولنا أن نتساءل: هل ولد هذا الفيروس من حكمة الصين أم من جنونها أم من كليهما؟ أسئلة كثيرة تدور في كيمياء العقل البشري، دون أن تجد الحلول المناسبة، من ضمنها أن لا وطن للأمراض والأوبئة لأنها قادرة على الانتشار أينما تمتد الأرض، وفي عالمنا الضيّق، وبما أننا نعيش في قرية كونية لا حدود لها، فإن البشرية أصبحت أكثر قدرة على التصدي لها.
فالابتكارات الطبية أصبحت مُلك البشرية، وهو ما يمنحها الأمل في التشافي وانتصار الإرادة.
لقد نبهّنا هذا الوباء إلى أن الكائن البشري محاط بأعداء كثيرين ليسوا بالضرورة من البشر، بل من كائنات أخرى غير مرئية، لكننا لم نعد نعيش في شريعة الغابة، والعقل البشري أجهد ذاته من أجل مجابهة المجهول من الأمراض والأوبئة عبر اختراع العلاجات والأدوية
ظهر كثير من الشائعات حول منشأ هذا الوباء، وتساءل الناس: هل هو اصطناعي أم طبيعي؟ وتصدرت المؤامرة الكونية واجهة التفكير الشعبي، واختلط الاقتصادي بالسياسي، والاجتماعي بالفردي، وراح البعض يفكر باحتمال صناعة هذه الفيروسات في المختبرات، وهي جزء من الحرب الجرثومية التي اخترعها العقل البشري! وقد ساعد العالم الافتراضي في انتشار الشائعات، وقد بادرت الصين إلى منع لعبة كان الأطفال يتداولونها عن كيفية صناعة فيروس قاتل، وألغتها من قائمة الألعاب الإلكترونية، خشيّة أن تُخرّب عقول الصغار، فلم يعد الأمر مُزاحاً مما حصل.
لم يكن الطاعون الذي قتل ملايين البشر بخطورة كورونا لأن الحدود كانت مغلقة بين البلدان ومنافذ السفر محدودة، أما زمن كورونا فقد تغيّر وأصبحنا نتنقّل بسرعة خارقة بين البلدان، لكن في المقابل اتخذت البشرية احتياطات احترازية هامة في الوقوف في وجه انتشار هذا الوباء.
ورغم ذلك، الحياة مستمرة رغم عزلة البعض لأسباب وقائية، فهذا الوباء يجب ألا يمسّ أرواحنا، فقد خلق فيروس كورونا أخلاقيات جديدة يجب أن نعتاد عليها ونتمثلها جيداً لأننا أمام امتحان إنساني كبير، وإزاء ثقافة الخوف التي كنا نتوهم أننا تجاوزناها بعد سيطرتنا على الطبيعة.
صحيح أن كورونا لم يفرّق بين الأجناس والأعراق والجنسيات، لكنه قام بتوحيدها: فالجسد الإنساني واحد ومناعته واحدة لا تتغيّر. ومع تقدم العلوم والأبحاث والمختبرات، لم يعد لثقافة الخوف من مكان عبر تطبيق تقنيات وسائل الاتصال، والتعلّم عن بعد كظاهرة تفاعلية واستباقية في حالة الطوارئ.
لقد نبهّنا هذا الوباء إلى أن الكائن البشري محاط بأعداء كثيرين ليسوا بالضرورة من البشر بل من كائنات أخرى غير مرئية، لكننا لم نعد نعيش في شريعة الغابة، والعقل البشري أجهد ذاته من أجل مجابهة المجهول من الأمراض والأوبئة عبر اختراع العلاجات والأدوية.
ولأننا نعيش في عالم ضيّق لا حدود له، فطريق الحكمة أمامنا في معالجة هذا الوباء وتداعياته السيئة على الحياة، لكنه منحنا القدرة على مواجهة كل من يسعى إلى تعطيل العقل البشري.
ثمة ظاهر أخرى ما كنا نتوقعها من قبل؛ على سبيل المثال، إضافة إلى التعليم، إجراء مباريات كرة القدم دون جمهور كعمل احترازي، والتفرج عن بعد، وأدى الاحتراز الوقائي إلى تعطيل الحركة والتجمعات ومعارض الكتب والنقل والسفر، ولكن ذلك لم يتمكن من فرض العزلة علينا، فهناك وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا أقرب إلى بعضنا.
وفي الحالة هذه، ارتبط هذا الوباء بالغيبيات التي عفا عليها الزمن، نتيجة للتطور التقني الذي أصبح مفتاح الحلول نحو أبواب المستقبل، وأصبحت العودة إلى إنسانيتنا هي الأصل، فالعالم أصبح موحداً أكثر من أي وقت مضى في مواجهة الكوارث، وقد قطعت البشرية خطوات مهمة نحو إيجاد الحلول لهذا الوباء، منها الاحتراز والمقاومة وحب الحياة.
ثمة أمل يشتعل في أعماق البشر ويدفعهم نحو ينابيع الحياة، ثمة أمراض أكثر فتكاً من كورونا، واجهتها البشرية بكل قوتها وحكمتها، وانتصرت عليها، وها هي تواجه هذا الوباء الكوني، ولعله سوف يصبح "الناعمة والعنيفة"، قصة من قصص التاريخ القديم شأنه شأن الأمراض الأخرى التي استفادت منها البشرية على مر التاريخ وأخذت منها الدروس والعبر، ما دام التميّز البشري قائما على أسس العقل الإنساني الابتكاري، وما تحمله الأديان التوحيدية من أفكار إنسانية، وما بشّر به عصر التنوير من سلاح الوعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة