الجيش دوره الدفاع عن حدود الدولة الإيرانية في الخارج وحمايتها في الداخل أيضا، أما الحرس الثوري فوظيفته الأساسية حماية النظام
القرار الأخير لعلي خامنئي المرشد الأعلى لإيران بأن يتولى الحرس الثوري ملف كورونا، لا يمكن اعتباره مجرد قرار بسيط فهو يعكس تصدعات وصراعات ضاربة في عمق تركيبة النظام الإيراني.
هذا القرار جاء بعد يوم واحد من إعلان الجيش الإيراني استعداده لتولي ملف " كورونا" والنزول إلى الشارع الإيراني، وإن تم هذا فهو يعني أخذ دور من الأدوار التي يريد الحرس الثوري تأديتها في هذا الوقت.
الحرس الثوري الإيراني حسب المادة 150 من الدستور هو فرع من فروع القوات المسلحة لكن تأسيسه أو فكرته حينما خرجت من راس الخميني في مايو 1979 كانت بغرض خلق كيان موازٍ ومواجه لجيش الشاه وقتها، لأن الخميني لم يكن واثقا وقتها في تركيبة جيش خارج من بقايا ملكية، ولما استقر الحكم والحال للخميني عمل على تقسيم المسؤوليات بين الجيش النظامي وبين الحرس الثوري أو "الباسدران".
ما الذي يعنيه سيطرة الصقور "المحافظون المتشددون أو المحافظون الجدد" على مفاصل البلاد خلال الأعوام الأربعة القادمة؟
يعني الكثير للداخل وللخارج، إيران في العام الذي نحن فيه غارقة في جملة من الأزمات هي ليست وليدة اللحظة، وإنما تراكمات لتصرفات سياسية واقتصادية معادية.
الجيش دوره الدفاع عن حدود الدولة الإيرانية في الخارج وحمايتها في الداخل أيضا، أما الحرس الثوري فوظيفته الأساسية حماية النظام من الانقلابات العسكرية ومن أي احتجاجات وحركات متطرفة، والأهم هو أن يقوم بحماية إسلامية النظام.
الذي يدقق أكثر في وظيفة "الباسدران" أو الحرس الثوري مع بقية وظائف الأجهزة الأخرى ستجد أنها تقوم على فكرة تضارب وتعاكس المهام، فكل جهة دورها مواجهة الجهة الأخرى بل قمعها إن تطلب الأمر ذلك.
الحرس الثوري نفسه خلق منه فرقة أخرى وهي "الباسيج" تزيد على 100 ألف من العناصر شديدة التدريب لكنها تقوم على فكرة التطوع.
وهناك فرقة أخرى من مكونات الحرس الثوري تسمى "فيلق القدس" دورها يكون قاصرا على الخارج فقط، تدريب وتنفيذ عمليات خطيرة خارج إيران، ورأينا ذلك في لبنان والعراق واليمن.
وكان لـ"قاسم سليماني" دور كبير في إشعال القلاقل في المنطقة كلها.
إذًا حين يتولى الحرس الثوري الإيراني مهام "ملف كورونا" الذي ليس من اختصاصه على الإطلاق، فهو ملف طبي صحي بامتياز وليس ملفا بوليسيا أو قمعيا، هذا جعل الإيرانيين يطلقون نكاتهم حين عرفوا بأن الحرس الثوري الإيراني تولى ملف كورونا قالوا:
الحرس الثوري يقمع الفيروس
وهنا أميل إلى بعض التحليلات التي ترى أن الدولة الإيرانية تحولت لدولة عسكرية، مثل بورما، حيث بات الجيش متمثلا في الحرس الثوري وأذرعه يسيطر على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية كما يتكلف بحماية الحكومة من المعارضين الداخليين والخارجيين.
تلك النظرة تؤكد شيئا شديد الأهمية وهو الأنظمة السلطوية حين تنشر أذرعها علنا وصراحة في جميع الملفات يكون مؤشرا قويا على ضعفها وإحساسها بالخطر على بقاء نظامها.
كما أنه دليل قوي على وجود صراع قوي بين أجنحة النظام بل ربما يكون مؤشرا على تآكل النظام من داخله.
وهنا أشير إلى ما يقوم به الفريق الموالي للمرشد الأعلى "المحافظون الجدد" الذين ظهروا في عهد "محمود أحمدي نجاد" أو المحافظون المتشددون المحسوبون على المرشد الأعلى خامنئي.
هذا الفريق بجناحيه يريد أن يسدد ضربته القاضية إلى الفريق الآخر الإصلاحي بتنوعاته، وخصوصا رأس هذا الفريق وهو "حسن روحاني".
منذ 2018 وتحديدا بعد انسحاب الأمريكان من الاتفاق الإيراني النووي الذي وقع 2015 وحسن روحاني وفريقه يتلقى الضربات تباعا، بل تم تحميله كامل ما آلت إليه الظروف الاقتصادية والسياسية وحتى الاحتجاجية، والتعثر الاقتصادي، وارتفاع الأسعار ومنها سعر البنزين الذي أدى إلى اشتعال الاحتجاجات الأخيرة في 2019 وقبلها الاحتجاجات في ديسمبر 2017، وصولا إلى "كورونا".
تولي الحرس الثوري الإيراني ملف كورونا يراد منه تأكيد فشل حكومة حسن روحاني، وفشل روحاني نفسه ومن خلفه من فريق الإصلاحيين.
استكمال لسيل الضربات الموجعة التي تلقاها الإصلاحيون في إيران خصوصا بعد فشلهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في فبراير 2020 خسارة مريعة، بعد أن حصد المحافظون أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، وبعد أن استبعد "مجلس تشخيص مصلحة النظام" ما يقارب 90% من المرشحين المحسوبين على الإصلاحيين.
برلمان إذا بلون واحد، محافظ، رافض لسياسات روحاني بل معاد لها، مما جعل أحد النواب مؤخرا يعلن أن روحاني لا يحكم الآن وعليه أن يخرج ليعلن أنه ما عاد يحكم إيران.
إن تجربة برلمان 2016 لن تتكرر مرة أخرى، تلك التجربة التي حصد فيها الإصلاحيون الأغلبية الكبيرة في البرلمان ونتج عنها انتخابات 2017 الرئاسية التي فاز فيها حسن روحاني على المرشح المتشدد "إبراهيم رئيس".
هذه المرة لن تكون انتخابات 2021 كما كانت انتخابات 2017 لأنه ببساطة برلمان 2020 ليس كما كان عليه برلمان 2016 .
ما الذي يعنيه سيطرة الصقور "المحافظون المتشددون أو المحافظون الجدد" على مفاصل البلاد خلال الأعوام الأربعة القادمة؟
يعني الكثير للداخل وللخارج، إيران في العام الذي نحن فيه غارقة في جملة من الأزمات هي ليست وليدة اللحظة، وإنما تراكمات لتصرفات سياسية واقتصادية معادية.
في يناير 2020 يقتل قاسم سليماني ومعه أبومهدي المهندس بهجمة جوية في مطار العراق، ومعه تبتر يد باطشة استخدمها النظام في تحريك أذرعه الخارجية في اليمن وفي العراق وفي سوريا، وقبلها بشهر احتجاجات كادت أن تطيح بالنظام لولا حالة القمع غير المسبوقة التي اتبعها النظام الإيراني.
أيضا إسقاط الوحدة الصاروخية للحرس الثوري للطائرة الأوكرانية، وما تبعها من إدانة كاملة من قبل المجتمع الدولي للنظام الإيراني.
استمرار أمريكا في تشديد قبضة الضغط الكامل على إيران من عقوبات على أفراد كيانات ومؤسسات.
كل هذا يؤكد أن ورقة الاحتجاجات ما زالت حاضرة وأن الشارع الإيراني لم يهدأ بل هو في مرحلة البيات خوفا من كورونا وقد يعود في أي وقت.
وبالتالي استقرار النظام داخليا غير وارد.
أضف إلى ذلك أن زيادة سطوة المتشددين وتمسكهم بمفاصل البلاد السياسية والمؤسسات قد تجعلهم يقدمون على قرارات أكثر تطرفا، أما بالدخول في مزيد من الصدامات مع الجيران أو مع الأمريكان ولعل استهدافهم لمعسكر التاجي في العراق مؤخرا مثال على ذلك، هذا الاستهداف الذي جاء بعد أيام من زيارة "علي شمخاني" إلى بغداد الذي يقال إنه تولى الملف خلفا لقاسم سليماني.
إيران في طور الدخول إلى حقبة سياسية جديدة نعيش منذ أعوام إرهاصاتها، هذه الحقبة الجديدة عنوانها تأكيد سطوة المتشددين، والعودة بالنظام إلى بداية عهده الأول.
وهذا قد يفتح باب التوقعات واسعا أمام مستقبل بقاء النظام نفسه، لأن الداخل الإيراني تغير ووصل إلى حافة الصبر وبداية الانفجار كما أن النظام الخارجي في تركيبة خريطة المنطقة تغير وتبدل وانهارت تحالفات سابقة كانت تصب في خدمة النظام.
كما تأسست تحالفات وشراكات لا تصب في مصلحة النظام الإيراني أولها التحالف الشعبي الرافض للنفوذ الإيراني في البلاد العربية وثورة لبنان وثورة العراق دليل على ذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة