المرحلة الانتقالية التي يمضي بها حمدوك وكابينته الوزارية لن تكون نزهة في معترك المطبات الواقع فيها السودان
نعم نجا السودان من محاولة اغتيال ثورته بنجاة رئيس حكومته السيد عبدالله حمدوك، الرجل الذي بات رمزا لحراك السودانيين الذين رشحوا اسمه لهذا المنصب، وهو ماكث خارج حدود وطنه حينما شددت قوى الحرية والتغيير على أن مواصفات السودان الجديد يمكن الوصول إليها بقيادة قامة سودانية خدمت ليس السودان فحسب، بل خدمت كثيرا من البلدان الأفريقية عندما تدرج السياسي السوداني في مناصب عدة، كان آخرها توليه عام 2016 القائم بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.
لم يكن شهر يونيو/حزيران من عام 2019 شهرا عاديا على السودان حين بدأت أسهم رئيس الوزراء الحالي ترتفع لتصل إلى الإصرار الشديد على توليه المرحلة الانتقالية كمرشح لقوى الحرية والتغيير، وهذا ما تم بالفعل حين وقعت هذه القوى الثورية والمجلس العسكري في آب من العام ذاته الإعلان الدستوري الذي بموجبه بات حمدوك أوّل رئيسِ وزراء للسودان بعد رحيل نظام عمر حسن البشير الذي استمر في الحكم ما يزيد على ثلاثين عاما.
فأعداء السودان يتبرصون به لإيقاعه مرة أخرى فريسة في أحضان تنظيمات نمت وترعرعت على أن مصلحة "الجماعة" فوق مصلحة الأوطان، لذلك لا بدّ من وقفة جدية مع السودان الجديد لينهض من سباته ويصل إلى مصاف الدول المتقدمة
حمدوك الذي يرأس حكومة مؤلفة من تكنوقراط بموجب اتفاق تقاسم السلطة بين الجيش والجماعات المدنية لفترة انتقالية تستمر حتى أواخر 2022 كان واضحا في برنامجه لقيادة هذه المرحلة، فالرجل وضع مصلحة السودان في أوليات عمله وبات يسعى في سبيل ذلك واستطاع جلب العديد من المكاسب.
فلا يمكن تجاهل الحركة النشطة له من وإلى عواصم عربية وعالمية استطاع بدبلوماسيته انتزاع وعد من الولايات المتحدة برفع اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية، وأجبر برنامجه السياسي واشنطن على تبادل السفراء مع السودان بعد 23 عاما من القطيعة.
وكذلك حصل السودان على دعم عربي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بثلاثة مليارات دولار، ليس هذا فحسب، بل الأهم من ذلك بالنسبة للداخل السوداني إقرار الحكومة الانتقالية جملة قوانين أقلّ ما يقال عنها شجاعة، لعلّ أبرزها:
حلّ حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير ومنع رموزه من خوض غمار العمل السياسي مدة عشر سنوات على الأقل ومصادرة أموالهم؛ وهي الخطوة التي وصفها رئيس الوزراء بأنّها إعادة كرامة الشعب السوداني المنهوبة ثرواته من قبل المستبدين، ولم تكن ردة فعل انتقامية على هؤلاء، بحسب وصفه.
لا شك أن مسألة الصدام مع الإسلاميين في الداخل السوداني ليست سهلة، فالنظام السابق عمل طوال فترة حكمه على زرع عناصره بين أبناء المجتمع السوداني، بل وصل به الأمر إلى تمكينهم من أجهزة الدولة كافة الأمنية منها والسياسية، وهذا ما فسح المجال عريضا للحركة الإسلامية في السودان للتحكم بمصير البلاد كيفما تشاء، وفق مصالحها العابرة حدود السودان نصرة لأيديولوجيتها الإخوانية.
ولكن هذا لا يعني الاستسلام أمامهم أبدا فيمكن للحكومة فسح المجال لبعضهم لمراجعة منهجياتهم ومحاصرة من يسلك طريق العنف سبيلا لتحقيق غايته (راجع تاريخ الحركات الإسلامية في السودان)، وبذلك تأخذ الحكومة شرعية أكثر من المجتمع السوداني الذي فوضها قيادة البلاد كي لا تُلام فيما بعد، ويقال له إنك لم تعطِ فرصة حين أراد الرجوع عن أفكاره المتطرفة التي لم تكن محاولة اغتيال حمدوك بعيدة بالشكل على الأقل عن تلك الأفكار.
قد يكون من المبكر الحديث عن الجهة التي تقف وراء محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ولكن يحق لكل المتابعين لسير العملية السياسية في هذا البلد ثانيا وللسوادنيين الذين ضحوا بأبنائهم من أجل سودان جديد أولا، البحث عن المستفيد من هذه العملية وترك الحكم لهم ليقرروا من يريد اغتيال السودان الجديد.
في واقع الأمر مراجعة بسيطة لردات الفعل على سياسية الحكومة الجديدة بقيادة حمدوك كفيلة بإعطاء صفات القاتل وإن بشكل تقريبي، وهذا يدفعنا للقول إن المرحلة الانتقالية التي يمضي بها حمدوك وكابينته الوزارية لن تكون نزهة في معترك المطبات الواقع فيها السودان، ثمة ملفات كثيرة اقتصادية ملحة وسياسية عاجلة تحتاج جهدا كبيرا لإنجازها.
فلا يمكن للحكومة السودانية الاستمرار من دون مساندة دولية وعربية على وجه الخصوص على غرار ما قامت به السعودية والإمارات لتخطي هذه المرحلة الحساسة، فأعداء السودان يتبرصون به لإيقاعه مرة أخرى فريسة في أحضان تنظيمات نمت وترعرعت على أن مصلحة "الجماعة" فوق مصلحة الأوطان، لذلك لا بدّ من وقفة جدية مع السودان الجديد لينهض من سباته ويصل إلى مصاف الدول المتقدمة، عندها يصبح السودان وطنا آمنا مستقرا لجميع أبنائه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة