القدس القديمة تحن لرائحة أفسدها كورونا
لطالما كانت شوارع البلدة القديمة بالقدس الشرقية تعج بالمواطنين والسياح الأجانب، لكنها باتت اليوم موحشة وفارغة.
للوهلة الأولى تشعر وكأنك لست في البلدة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة، فشوارعها وأزقتها التاريخية باتت تحن اليوم لرائحة زائريها التي أفسدها فيروس كورونا.
الغالبية العظمى من المحال التجارية في أسواقها التاريخية أغلقت أبوابها، وكذلك أوصدت مداخلها أمام سكانها والزائرين.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، فرضت الحكومة الإسرائيلية إغلاقا مشددا، شمل مدينة القدس الشرقية، في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا.
وبموجب قرار الإغلاق، مُنع المواطنون من الخروج من منازلهم لمسافة تزيد عن كيلومتر واحد.
والبلدة القديمة هي من الأحياء الفلسطينية التي سجلت خلال الأشهر الأخيرة أعدادا كبيرة بالمصابين بفيروس كورونا شأنها شأن الأحياء الأخرى بالمدينة.
ويقول التجار في البلدة القديمة، إن تبعات تنفيذ قرار الإغلاق كانت قاسية إن لم تكن مدمرة للكثيرين منهم بعد أن التزموا منازلهم وأغلقوا متاجرهم لأسابيع طويلة.
حجازي الرشق، رئيس لجنة تجار القدس، يقول لـ"العين الإخبارية"، إن ما جرى "أدى إلى دمار وشل الحركة التجارية بالكامل سواء داخل البلدة القديمة بأسواقها التاريخية أو في محيطها مثل شوارع صلاح الدين والسلطان سليمان والزهراء والمصرارة وغيرها".
وكان التأثير على الحركة التجارية في مدينة القدس الشرقية المحتلة بدأ في مارس/آذار الماضي، مع ظهور الجائحة وتوقف الحركة السياحية.
لكنه ما لبث وأن أصبح أكثر سوءا منذ الشهر الماضي، مع القيود على حركة المواطنين العاديين.
البلدة تحن لزائريها
ووفق الرشق، هناك 1372 محلا تجاريا داخل الأسواق التاريخية بالبلدة القديمة مثل خان الزيت والقطانين واللحامين والدباغة والخواجات والسلسلة والواد وحارة النصارى.
ولفت إلى أن 40% من هذه المتاجر هي محلات بيع تحف شرقية تعتمد أساسا على السياح الذين كانوا يأتون إلى المدينة بعشرات الآلاف شهريا، قبل أن يمنعهم فيروس كورونا منذ مارس الماضي.
فترةٌ كانت كفيلة أن تُفقد أصحاب تلك المحال رزقهم وتستنزف مدخراتهم، كما يشرح الرشق الذي أكد أن بعضهم "أصبح في حالة فقر".
وانعدام الحركة ليس مقتصرا على غياب السياح الذين كانوا يتوافدون من كل أنحاء العالم، بل باتت شوارع البلدة القديمة تحن لرائحة المواطنين العاديين.
ومنذ 3 أسابيع تقتصر الصلاة في المسجد الأقصى على سكان البلدة القديمة فقط.
وتقول دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس إن 1200 فقط بات بإمكانهم أداء صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بعد أن كانت أعدادهم تزيد في الأشهر الماضية عن 10 آلاف.
فيما كانت أعداد المصلين في المسجد الأقصى، قبل جائحة كورونا تصل إلى عشرات الآلاف.
وتعتمد أسواق البلدة القديمة أساسا على الفلسطينيين من خارجها، ولكن عدم تمكنهم من دخول البلدة فاقم من أزمتهم الحادة أصلا.
وفي هذا الصدد، يشرح الرشق: "بموجب قرار الإغلاق، يُمنع على الشخص الابتعاد عن منزله لمسافة كيلومتر واحد".
"ومن تضبطه الشرطة الإسرائيلية في مسافة أبعد تحرر ضده مخالفة مالية، أما من يخالف القرارات ويفتح محله التجاري فإن الغرامة تكون باهظة جدا".
وتسمح قرارات الإغلاق لأصحاب المحال التجارية المختصة ببيع المواد الغذائية، والصيدليات، والمخابز ومواد التعقيم، بفتح أبوابها.
لكن الرشق أوضح أن "هؤلاء لا يزيدون عن 5% من أصحاب المحال التجارية بالبلدة القديمة ومحيطها وهو ما يؤشر على عمق أزمة باقي التجار".
وبيّن أن العديد من التجار أغلقوا محالهم بالكامل بسبب الكساد التجاري الذي منعهم حتى من دفع فاتورة الكهرباء.
مدينة "أشباح"
مشاهد في البلدة القديمة ومحيطها، يصفها الرشق اليوم بمدينة أشباح، فلا المحال التجارية مفتوحة ولا المواطنين قادرين على الوصول إليها، فضلا عن غياب السياح بشكل كامل عن المدينة التي تعتبر أثرية وتاريخية.
من جهته، رجّح زياد الحموري ، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن يكون لجائحة كورونا تأثيرات بعيدة المدى على تجار القدس وخاصة بالبلدة القديمة ومحيطها.
وقال الحموري لـ"العين الإخبارية": "الإغلاقات التي أوقفت أولا السياح ثم حركة المواطنين العاديين، لها تأثيرات مدمرة على القطاع التجاري ستستمر لفترات طويلة جدا".
وأضاف: "التجار باتوا غير قادرين على توفير قوت يومهم ناهيك عن الضرائب الإسرائيلية الباهظة التي تنهكهم".
ولطالما كانت شوارع القدس الشرقية تعج بالمواطنين والسياح الأجانب، باتت اليوم موحشة وفارغة.