من المفترض نظريا أن نظام التجارة الحرة، الذي يقود اقتصاد العالم يوفر فرصا متكافئة للجميع.
أما في الممارسة، فإن البُلدان تشكو منذ أمد طويل من أن منافسيها يقومون، بشكل غير عادل، بتقديم مساعدات لمعاونة شركاتها المفضلة، وعادة ما تكون الشكوى من دول تقوم هي نفسها بذات العمل.
فالولايات المتحدة من أشد المنتقدين للمعونات الأوروبية، خاصة تمويل صناعة الطائرات، كما ركزت الولايات المتحدة انتباهها على الصين ودعمها لشركاتها.
وبدوره يحاول الاتحاد الأوروبي أن يحمي نفسه من المساعدات التي تقدمها الدول لشركاتها، والآن مع تفجر جائحة كوفيد-19 أجبرت الحكومات على بذل جهود ضخمة لإنقاذ اقتصاداتها، وأضحت مجموعة القواعد الهشة التي تهدف إلى إبقاء دعم الدولة تحت السيطرة مهددة.
ويتركز دعم الدولة عادة في الدعم الحكومي للصناعات الرئيسية، ويأخذ هذا الدعم عادة شكل قروض رخيصة أي ممنوحة بأسعار فائدة مخفضة، أو إعفاءات ضريبية، أو عقود للإمداد بالسلع والخدمات أو دعم مباشر.
والفكرة هي إعطاء الشركات المحلية ميزة في مواجهة المنافسين الخارجيين من أجل خلق فرص عمل، أو لزيادة الصادرات وتدعيم النمو الاقتصادي.
وأحيانا تستحوذ الحكومة على ملكية جزئية في الشركة، ورغم أن الدعم يمكن أن يكون متواضعا، فإنه يجذب الاهتمام حينما يستمر لعقود أو يدفع إلى الإنشاء المتعمد لشركات مهيمنة يتم الاحتفال بها على أنها "أبطال وطنيون".
والسؤال حول المساعدات هو سؤال حول العدالة ومن يختار الفائزين، السوق أم الدولة؟
فالساسة الأوروبيون قرعوا أجراس الإنذار حول قدرة ألمانيا على إمداد شركاتها بالمزيد من السيولة، مقارنة بدول جنوب الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعقد أكثر من الانقسام الحادث في المنطقة بين شمال وجنوب.
وهناك أيضا اهتمام الحكومات بتقديم الدعم لشركات غير قادرة على البقاء على قيد الحياة، وهو ما يخنق الابتكار ويهدر الأموال.
وقبل الجائحة، أثارت عمليات الإنقاذ المتكررة للبنوك في إيطاليا حالة من الغضب الشديد، بينما تنافست الولايات المتحدة وأوروبا في دعم شركاتها المتنافسة في مجال صناعة الطائرات "بوينج وإير باص".
ويمكن أن يؤجج دعم الدولة التنافس بين الدول حول فرص العمل والاستثمار، فأيرلندا ولوكسمبورج أصبحتا أهدافا للمنظمين في الاتحاد الأوروبي بسبب معدلات الضرائب المنخفضة، التي تفرضها على شركات مثل "أبل" و"أمازون".
في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أشعلت الولايات المتحدة حربا تجارية جزئيا بسبب اتهامها الصين بأن مساعداتها لشركاتها تعد منافسة غير عادلة للمشروعات الأمريكية.
قد يكون من الواضح في ظرف الوباء أنه من الصعب تقديم أي ادعاءات بضبط النفس، فلسنوات أراد القادة الأوروبيون الموازنة بين الشعبوية المتزايدة وبين المنافسة مع الشركات الصينية الكبيرة وبين مزيد من الحرية في العمل، ثم أتت أزمة الجائحة لتطلق يد الحكومات والبنوك المركزية في موجات من مساعدات الدولة.
وقد تم تقديم كميات غير مسبوقة من الدعم في بداية عام 2021 من أجل دعم الأعمال وتنفيذ أهداف سياسية جديدة.
فقد أمدّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بخطة تحفيز قيمتها 1.9 تريليون دولار، مع مادة خاصة بزيادة الحد الأدنى للأجر.
وتهدف خطة الاتحاد الأوروبي للتحفيز، البالغة 1.8 تريليون يورو، 2.2 تريليون دولار، إلى تحفيز المشروعات الخضراء والرقمية.
وبينما معظم المساعدات تستهدف الحفاظ على الوظائف والأعمال، تتجه جهود أخرى نحو أهداف أكثر تركيزا.
وقد خفف الاتحاد الأوروبي من القيود المفروضة على حقن النقود وأشكال الدعم الأخرى، وفي الإطار نفسه تم إنقاذ شركات الطيران حول العالم بعروض قروض تبلغ مليارات عدة، وخطط دعم للوظائف بهذه الشركات.
وقدمت فرنسا تمويلا لـ"رينو لصناعة السيارات"، كما قدمت دعما لصناعة الفضاء، بينما استطاعت شركة "فيات كرايزلر لصناعة السيارات" تأمين قرض لدعم عملياتها في إيطاليا.
ووضعت ألمانيا تقاليدها التقشفية جانبا وأطلقت العنان لاستراتيجية لدعم الصناعات الرئيسية وحفز الموردين المحليين، وقد نجم عن خطة الإنقاذ، التي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار، لإنقاذ شركة "لوفتهانزا للطيران" أن امتلكت الحكومة 20% من الشركة.
وكان أحد الأصوات المنتظمة في التعبير عن الغضب من هذا السلوك هو الرئيس التنفيذي لشركة الطيران منخفضة التكاليف "ريان إير"، الذي قال إن مساعدة الدولة لمنافسيه تعد منحا انتقائية على شكل مليارات اليوروهات لشركات غير كفأة لمجرد أنها ترفع علم البلاد، فألمانيا الغنية، على سبيل المثال، تمطر شركاتها بمساعدات لا يمكن لإيطاليا المثقلة بالديون أن تضاهيها، مما أدى إلى تصاعد الدعوات بالمزيد من الإنصاف.
ومن أجل التأكد من أن الشركات الضعيفة لن تصبح ضحية سهلة، فقد أعاد الاتحاد الأوروبي كتابة قواعد المنافسة لوضع قيود أمام الاستيلاء على هذه الشركات من قبل الشركات الأجنبية، التي ربما تستفيد من مساعدات الدولة.
وتحاول مؤسسات مثل "منظمة التجارة العالمية" الحفاظ على السلام بالتدخل للفصل في الخلافات حول مساعدات الدولة، لكن لا يزال هناك مجال واسع للخلافات، فبينما أنشأت الدول الأعضاء نظاما للتعامل مع المساعدات، ظل هناك مجال واسع لمناورة الدول لتقديم الدعم.
وتحاول الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي العمل معا لصياغة قواعد جديدة خاصة بالمساعدات.
وتعتبر مساعدات الدول أيضا محلا لمراقبة الاتحاد الأوروبي، الذي ينظم منطقة التجارة الحرة الواسعة في أوروبا، والمعروفة باسم "السوق المشتركة"، والتي تعد موطنا لأكثر من 450 مليون مستهلك.
والإجابة عن سؤال ما إذا كانت هذه المساعدات تعمل هي "نعم بالطبع"، وإلا لما كان هناك قتال حولها.
مساعدة الشركات وخلق الوظائف تعد أهدافا سياسية، ومن الصعب التساؤل عما إذا كانت هناك فائدة اقتصادية من دعم الفحم، أو الصلب أو السيارات.
غير أن هناك إدراكا واسعا بأن وجود شركات تمكنها المنافسة عالميا قد عزز الصادرات في كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين.
سيتعين على الشركات المستفيدة من الدعم بسبب الجائحة أن تتوقف عن تلقي الدعم في مرحلة ما، ولكن من غير الواضح السماح بعودة النشاط الاقتصادي إلى مستوى قريب من الطبيعي بعد أخذ اللقاحات الجماعية، ولا يسهل تحديد كم عدد الشركات التي ستنجو.
وكان وزير الخزانة البريطاني قد حذر من أن مستويات إنفاق الدولة، التي تمت خلال أواخر 2020 وأوائل 2021، غير مستدامة في الأجل الطويل.
وقال وزير المالية الأيرلندي، وهو أيضا رئيس وزراء المالية للاتحاد الأوروبي، للصحافة في بداية عام 2021، إن الاستدانة الثقيلة لحكومات الاتحاد الأوروبي ستستمر لمدة عام آخر.
وبينما نجحت مساعدات الدولة في تجنب حالات الإفلاس، لكن البنوك ستبدأ في حساب التأثير الكامل للأزمة على القروض ومخاطر الائتمان بدءا من تاريخ لاحق في عام 2021.
ما يصعب إحصاؤه فعلا هو الندوب المحتملة على المدى الطويل، مثل العمال العاطلين الذين لم يمكنهم الحصول على وظيفة أخرى، والشركات أو الصناعات التي لم تستعد عافيتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة