شهدت أسعار النفط خلال آخر أسبوعين بعض التذبذب مع ميل للانخفاض بسبب عودة انتشار المتحور "دلتا" من فيروس كورونا في بعض أنحاء العالم.
وقد استنتج البعض من هذا عودة أسعار النفط إلى الانخفاض نتيجة انخفاض الطلب، خاصة مع الوضع في الاعتبار قرار "أوبك+" بزيادة العرض بمقدار 400 ألف برميل شهريا بدءا من أغسطس الجاري.
لكن، حسب بعض المحللين، فإنه بعد شهور من عدم اليقين، واستمرار تخفيضات إنتاج "أوبك +" وعودة قيود "كوفيد-19"، يبدو أن الطلب على النفط في 2021 أخيرا قد عرف الاستقرار، مع استمرار ارتفاع الطلب والأسعار.
ومع وضوح أكثر للمتحور "دلتا" من كورونا في شهر يوليو الماضي، بداية في الهند ثم المملكة المتحدة ثم تدريجيا في دول أخرى، فقد أُجبرت بُلدان على العودة إلى إغلاقات الأنشطة الاقتصادية، أو فرض قيود أخرى على العمل والحركة.
وقد دفع هذا بعض الخبراء لتوقع أن الطلب على النفط والغاز سوف ينخفض حتما مرة أخرى بسبب تلك القيود، التي تحد من السفر والنشاط الصناعي.
لكن على أي حال، خفضت المملكة المتحدة كل القيود التي فرضتها في منتصف يوليو الماضي، ومع قيام بلدان أخرى باستمرار تخفيف الإغلاقات، فإن مثل هذا التوقع بانخفاض الطلب لم يضر بصناعة النفط بقوة كما كان متوقعا، فقد سجل برميل النفط من نوع "برنت الخام" مكسبا للشهر الرابع في يوليو الماضي، مع نمو الطلب على النفط أسرع من العرض بفضل حملات التطعيم الناجحة وارتفاع وتيرة نشاطات العمل والسفر حول العالم.
ومع استمرار جهود التطعيم في أمريكا الشمالية وأوروبا، ارتفعت وتيرة السفر الدولي والسفر على الطرقات المحلية، ما أدى إلى صعود ملحوظ في الطلب على المنتجات النفطية.
ووفقا لأحد الخبراء، فإن العلاقة بين انتشار فيروس كورونا وبين الطلب على النفط لم تعد كما كانت لا تعرف الانفصام، ويقول: "بالنسبة لمعظم الخبراء، فلا يزالون يتوقعون نموا قويا في الطلب على النفط خلال النصف الثاني من هذا العام، حيث من السهل تأكيد أن سوق النفط قد تعلّمت كيف تتعايش مع الفيروس".
ورغم أنه من المحتمل أن تستمر بعض الانخفاضات والارتفاعات في الطلب حول العالم، مع فرض ورفع القيود، فإن الجائحة لم تعد فيما يبدو قادرة على وقف الطلب العالمي على النفط.
وعلى سبيل المثال، فقد انخفض الطلب على النفط لأول مرة في الصين خلال شهر يوليو الماضي، ما أدى إلى انخفاض أسعار المنتجات مع هبوط وتيرة النشاط الصناعي، إضافة إلى زيادة حالات "كوفيد-19"، التي أدت بالصين إلى فرض قيود متشددة أكثر، ما أدى إلى مزيد من انخفاض الطلب.
بينما في الهند، ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط عالميا، ورغم التحديات الجارية هناك بسبب استمرار ارتفاع حالات "كوفيد-19"، زاد الطلب على النفط، وفي الأسبوع الأخير من يوليو الماضي ارتفع الطلب على الوقود للذروة مع بلوغ الطلب على النفط مستوياته، التي كانت سائدة قبل تفجُّر الجائحة، وذلك استجابة لتسهيل القيود المفروضة في أرجاء البلاد، فقد باعت شركة الوقود المملوكة حكوميا نحو 2.37 مليون طن نفط في يوليو، وهو ما يزيد بنسبة 3.56% على مبيعات يوليو 2019، أي قبل تفجر الجائحة.
كما زادت المبيعات أيضا من وقود الديزل بنسبة 12.36% لتبلغ 5.45 مليون طن مقارنة بمستواها في 2020.
وعموما، بالنسبة لاستهلاك الوقود خلال يوليو ككل، فقد بلغ 16.83 مليون طن، مرتفعا 2.9% عن شهر يونيو الماضي، و7.9% عن الشهر نفسه خلال العام الماضي.
وقفزت مبيعات البنزين خلال شهر يوليو الماضي بنسبة 16.4% عن مستواها قبل عام لتبلغ 2.63 مليون طن، وارتفعت بنسبة 9.2% عن شهر يونيو الماضي.
ومع قيادة آسيا لنمو الطلب العالمي على النفط وتوقع أن تكون هي السوق الرئيسية خلال العقد المقبل، فإن لكل من الصين والهند تأثيرا كبيرا على مستويات الطلب العالمي، مع الوضع في الاعتبار مقولة إن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا قد تعلمتا التعايش مع فيروس كورونا، لكن التغيرات في احتياجات النفط في آسيا يقابلها استقرار أكثر في الأسواق الأوروبية والأمريكية، ما يعني استمرار ارتفاع الطلب على النفط خلال عام 2021.
ويدعم من فرص زيادة الأسعار أيضا تتبع حركة المخزون التجاري من النفط الخام والمنتجات في البلدان المستهلكة الرئيسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط عالميا.
فرغم أن المخزون التجاري من النفط الخام شهد ارتفاعا بمقدار 3.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم 30 يوليو الماضي، وهو ما نُسب إليه بعض الانخفاض في الأسعار، فإن هذا المخزون كان لا يزال أقل بنسبة 6% عن متوسط هذا المخزون خلال خمسة أعوام، وهو المعيار الذي تستند إليه "أوبك+" في تقرير مستوى الاستقرار في الأسواق.
وقد انخفض خلال الأسبوع نفسه المخزون من البنزين بمقدار 5.3 مليون برميل ليصبح أقل من متوسط مستواه في خمسة أعوام بنسبة 3%.. ناهيك بأن المخزون التجاري الإجمالي من النفط والمنتجات قد شهد خلال الأسبوع نفسه انخفاضا بمقدار 1.2 مليون برميل.
وعاد المخزون التجاري من النفط الخام للهبوط في الأسبوع المنتهي يوم 6 أغسطس بمقدار 0.4 مليون برميل، ليظل منخفضا بنسبة 6% عن متوسط هذا المخزون خلال خمسة أعوام.
وانخفض أيضا المخزون من البنزين بمقدار 1.4 مليون برميل، ليظل منخفضا أيضا بنسبة 3% من متوسط هذا المخزون خلال خمسة أعوام.
الغالب إذًا هو استمرار ارتفاع الطلب على النفط، وبالتالي الأسعار، خلال الفترة المقبلة كاتجاه عام، مع عدم التغافل عن إمكانية التذبذب في الأسعار واتجاهها أحيانا نحو الانخفاض نتيجة انتشار الفيروس أو نتيجة لعوامل أخرى مثل بناء المخزون في الدول المستهلكة أو سعر صرف الدولار أو غيرها من العوامل، لكن هذا لن يشكل على الأغلب الاتجاه العام في الأسواق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة