كورونا يضع الاقتصاد العالمي في مهب الريح
يواجه العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصادات العالم في 2008
يمر الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بفترة هي الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، نتيجة تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) في أكثر من 130 دولة حول العالم، ما تسبب في إرباك الخطط الاقتصادية، مع فرض قيود مشددة على الحركة في أكثر دولة مثل إيطاليا وإسبانيا.
وتعكس أسواق المال العالمية المخاوف التي تنتاب المستثمرين من التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، فقد شهدت تداولات الأسبوع الماضي، هبوطا قويا للبورصة الأمريكية، حيث خسر مؤشر داو جونز الصناعي 8.8%، مع تراجع كل من ستاندرد آند بوزر وناسداك بواقع 7.2% و6.6% على الترتيب.
وكان من المتوقع أن تسجل البورصة الأمريكية خسائر أعمق، إلا أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي عن تخصيص ميزانية بقيمة 50 مليار دولار ضمن خطة الطوارئ لمواجهة كورونا، أثمر عن ارتفاع الأسهم خلال تداولات الخميس الماضي.
ولم تسلم الأسواق الأوروبية هي الأخرى من الخسائر، في ظل تراجع مؤشر داكس الألماني بنحو 13.67%، وانخفاض مؤشر كاك الفرنسي بمعدل 14.5%، وكذلك مؤشر فوتسي البريطاني بنسبة 9.1%.
صندوق النقد: كورونا يقضي على توقعات النمو القوي للاقتصاد
وتبدي المؤسسات الدولية مخاوفها من التداعيات الخطيرة لفيروس كورونا على مستقبل الاقتصاد العالمي، إذ أكد صندوق النقد الدولي أن تفشي الفيروس قد أضر بمعدل النمو الاقتصادي العالمي، ويدفعه إلى ما هو أدنى من معدلاته في العام الماضي.
وأكد الصندوق أن انتشار فيروس كورونا قضى على التوقعات بشأن تحقيق نمو اقتصادي قوي في العام الحالي، وسيدفع أرباح الناتج العالمي لعام 2020 إلى أدنى معدل له منذ الأزمة المالية عام 2008.
ومع ذلك رفضت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، الحديث عما إذا كانت أزمة كورونا المتصاعدة ستدفع الاقتصاد العالمي صوب الكساد.
وعلى الرغم من تحفظ مديرة الصندوق بشأن مستقبل تداعيات الفيروس، فإن الصندوق أعلن في النهاية رصد 50 مليار دولار لدعم الدول المتضررة، كما خصص البنك الدولي مساعدة طارئة قيمتها 12 مليار دولار بغية مكافحة تفشي فيروس كورونا، وتشمل حزمة المساعدات قروضا منخفضة التكلفة ومنحا ومساعدات فنية.
تخفيض توقعات نمو الاقتصاد العالمي بواقع 0.5%
وعلى جانب آخر، خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي بنصف نقطة مئوية، إلى 2.4%، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وهذا الانخفاض المتوقع يعكس نظرة أقل تشاؤما، نظرا لأن المنظمة نوهت بأن توقعاتها تعتمد على تراجع تفشي فيروس كورونا خلال العام الحالي، إلا أنها حذّرت من أن تزايد انتشاره سيؤدي إلى إعادة خفض التوقّعات بشكل أكبر.
وحذرت المنظمة من أنه إذ استمر تفشي الفيروس لمدة أطول وأصبح أكثر قوة، فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 1.5% فقط، مع ضرب الركود اقتصادات منطقة اليورو واليابان.
%15 انخفاضا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر
وبالطبع انعكس التوتر الاقتصادي الراهن على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا، وهو ما أكدته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من أن الاستثمار الأجنبي المباشر سينخفض بمعدلات تتراوح بين 5 إلى 15% مقارنة لتوقعات السابقة للعام المالي 2020/2021.
وأشارت الأونكتاد إلى أن التراجع المتوقع في الاستثمار الأجنبي المباشر سيتركز في الدول الأكثر تضررا من الوباء، موضحة أن صدمات الطلب السلبية والأثر الاقتصادي لاضطرابات سلسلة العرض سيؤثران في آفاق الاستثمار في دول أخرى.
%31 انخفاضا لأسعار النفط في أسبوع واحد
تسببت المخاوف من الركود الاقتصادي والخلاف بين المملكة العربية السعودية وروسيا بعد معارضة الأخيرة تنفيذ توصيات اللجنة الفنية لتحالف "أوبك +" بشأن تعميق خفض الإنتاج، في انخفاض أسعار خام النفط بنسبة 31% خلال الأسبوع الماضي.
وبحسب وكالة "بلومبرج"، تسبب هذا الوضع في خسارة أسهم الطاقة العالمية 196 مليار دولار من قيمتها السوقية في أسبوع واحد فقط، في ظل تراجعها بشكل عام بأكثر من 24%، وهي أكبر نسبة تراجع منذ أكتوبر/تشرين الأول من عام 2008.
وأكدت "بلومبرج" أن الانهيار الكارثي في أسعار النفط سينعكس على صناعة الطاقة العالمية بشكل عام، وسيتسبب في إعادة هيكيلة شكل السياسات العالمية، نظرا لما سيترتب عليه من تداعيات اقتصادية وسياسية.
113 مليار دولار خسائر متوقعة للطيران العالمي
ويعد قطاع الطيراني المدني الأكثر تضررا حتى الآن من تفشي فيروس كورونا، نتيجة تعليق العديد من الدول حركة الطيران كإجراء احترازي للتصدي لانتشار الفيروس عالميا، وهو ما دفع الاتحاد الدولي للنقل الجوي "الإتا" إلى تقدير خسائر قطاع الطيران العالمي بما يتراوح بين 63 مليار دولار و113 مليار دولار خلال 2020.
وتعاني الآن جميع شركات الطيران من معضلة إلغاء الحجوزات، بدءا من شركة كانتاس وكاثي باسيفيك في آسيا، وصولا إلى لوفتهانزا الألمانية والخطوط الجوية الفرنسية "كي إل إم"، وحتى الخطوط الجوية المتحدة والخطوط الجوية الأميركية في الولايات المتحدة.
وبحسب وكالة رويترز، تخطط شركات الطيران الأمريكية لتعليق 75% من رحلاتها الدولية ابتداء من بداية الأسبوع حتى 6 مايو/أيار المقبل، مع عدم استخدام جميع الطائرات الكبيرة استجابة لانهيار الطلب العالمى على الرحلات الجوية، فيما أكدت شركة لوفتهانزا تخفيض عدد الحجوزات بنسبة تصل إلى 50%، إلى جانب إعلان شركة الخطوط الجوية الملكية الهولندية عزمها إلغاء 2000 وظيفة بحسب موقع "ذى نيو ديلي" الأسترالي.
حزم تحفيز ضخمة
وتحركت البنوك المركزية حول العالم، بإطلاق حزم تحفيز ضخمة لتخفيف حدة الصدمات الاقتصادية لفيروس كورونا، آخرها إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الأحد، عن برنامج تيسير كمي بقيمة 700 مليار دولار، مع تخفيض معدل الفائدة إلى صفر- 0,25%. ويأتي ذلك بعد رصد ميزانية بـ50 مليار دولار لتمويل خطة الطورائ الشاملة لمواجهة الفيروس داخل الولايات المتحدة.
وكذلك أعلن بل مونرو، وزير المالية الكندي، في بيان صحفي، أن الحكومة سوف توفر برنامج ائتماني بقيمة 10 مليارات دولار.
واتخذ البنك المركزي الصيني قرارا بخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك بين 50 و100 نقطة أساس، بما يتيح 550 مليار يوان (79 مليار دولار) لتدعيم الاقتصاد، علاوة على رصد 43 مليار دولار للتحفيز الاقتصادي.
وعلى صعيد أوروبا التي تحولت إلى بؤرة تفشي فيروس كورونا حاليا، أعلن وزير المالية الألماني ونائب المستشارة أولاف شولتز، الجمعة الماضي، عن أكبر خطة مساعدة للشركات في تاريخها منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تشمل قروضاً "بلا حدود" لا تقل قيمتها عن 550 مليار يورو، وذلك من أجل التصدي للآثار الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد، حسبما أفاد موقع "دويتشه فيلا" الألماني.
فيما أعلن وزير المالية البريطانى ريشى سوناك، الأربعاء الماضي، في عرضه لموازنة بلاده أمام البرلمان، أن الحكومة ستتيح حزمة إنفاق تصل إلى 39 مليار دولار، فى محاولة للحد من تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد، وفقا لما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية.
كما قالت الحكومة الإيطالية، في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، إنها ستضاعف التمويل لمجموعة من التدابير المخطط لها لتخفيف الآثار الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا إلى 7.5 مليار يورو (8.4 مليار دولار)، فضلاً عن تأكيد بنك السويد المركزي أنه سيقرض الشركات المحلية ما يصل إلى 51 مليار دولار من خلال البنوك للتأكد من توافر الائتمان لديها.
وعلى صعيد دول المنطقة، أطلق مصرف الإمارات المركزي خطة دعم اقتصادي شاملة بتكلفة 100 مليار درهم (نحو 27 مليار دولار) موجّهة للعملاء الأفراد والشركات المتأثرين بوباء كورونا (كوفيد - 19) بشكل فوري.
كما أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي إعداد برنامج تصل قيمته في المرحلة الحالية إلى نحو 50 مليار ريال (13.5 مليار دولار) يستهدف دعم القطاع الخاص، فضلاً عن تخصيص مصر 100 مليار جنيه (6.4 مليار دولار تقريبا) سيتم وضعها كاحتياطي طوارئ واستخدامها لتعويض القطاعات الاقتصادية عن أي أضرار تلحق بها.