قبل الإجابة عن سؤال حول السمات الثقافية للمجتمعات الخليجية والتي كشفها كورونا للجميع، فلا بد من معرفة القيم الثقافية
مع جائحة كورونا اضطرت الحكومات إلى فرض القيود على المجتمعات حفاظا على صحة تلك المجتمعات، ومنها المجتمعات الخليجية التي التزمت البقاء في المنازل بعد قرارات حكومية هدفها الوحيد ليس الحد من تحركات الأفراد بقدر ما كان الهدف هو المحافظة على الصحة ومنع انتشار هذا الوباء الخطير.
قبل الإجابة عن سؤال حول السمات الثقافية للمجتمعات الخليجية والتي كشفها كورونا للجميع، فلا بد من معرفة القيم الثقافية التي تتميز بها الشعوب الخليجية، فالشعوب الخليجية بطبيعتها تتميز بعلاقات أسرية وقرابية واجتماعية متينة، وتكاد الشعوب الخليجية أن تكون هي الأكثر تميزا بين شعوب العالم من حيث ممارسة الأنشطة المجتمعية ذات العلاقة باللقاءات والتجمعات العائلية وتجمعات الأصدقاء.
وتقريبا ينطبق على الفرد الخليجي أنه اجتماعي بدرجة كبيرة، ففي الخليج يتميز الأفراد من الجنسين بشبكة علاقات أفقية ورأسية تتفاوت بين العلاقات العائلية والصداقات وشبكة كبرى من العلاقات تجعل الفرد الخليجي في تواصل دائم مع من حوله من البشر.
الحقيقة أن الحياة الأسرية الخليجية هي جزء من التكوين الاجتماعي للشعوب الخليجية وطبيعة الفرد في الخليج أن تكون علاقاته الأسرية من أهم أولوياته.
لقد كان التحدي كبيرا حول قدرة المجتمعات الخليجية على التوقف المفاجئ عن ممارسة هذه العلاقات المتشعبة وفقا لقانون البقاء في المنزل، ولكن الأمر نجح وببساطة، فقد تحول الالتزام في المجتمعات الخليجية والبقاء في المنازل إلى مضرب للأمثال.
وهذا يطرح السؤال المهم: كيف استطاعت هذه الشعوب أن تكون بهذا الوعي وبهذه الدرجة من الالتزام دون مشكلات تذكر وهي الشعوب التي عرف عنها أنها اجتماعية من الدرجة الأولى، وتتمتع بعلاقات متشعبة في السياق الاجتماعي.
في الحقيقة، إن الحياة الأسرية الخليجية هي جزء من التكوين الاجتماعي للشعوب الخليجية وطبيعة الفرد في الخليج أن تكون علاقاته الأسرية من أهم أولوياته، ولذلك لما صدرت التعليمات بالبقاء في المنازل لم يكن ذلك أمرا سيئا وغير معتاد، بل كان الأمر مقبولا بدرجة كبيرة، ويلبي الحاجة، ويساهم في إعادة تقييم تلك العلاقة الأسرية وبنائها من جديد، ويبدو جليا أن الأهمية التي توليها المجتمعات الخليجية للعائلة والأسرة ساهمت بشكل دقيق في تجاوز الكثير من السلبيات أثناء فترة لبقاء في المنازل لفترات طويلة.
الفرد الخليجي وبطبيعة مشتركة تقريبا بين كل الدول الخليجية لديه التزام عقدي واجتماعي وثقافي تجاه أسرته، ويبدو أن فترة البقاء في المنازل سمحت للكثيرين بإعادة اكتشاف واقعهم الأسري بشكل أعمق.
ولذلك أصبحت الأسرة الخليجية سواء الأب أو الأم أو الأبناء يعبرون عن رغباتهم بأهمية الوجود في المنزل على المستوى الأسري حتى وإن كان بسبب البقاء في المنزل بأمر قانوني، في العالم عبر الكثير من الشعوب عن سماتها الثقافية بطرق متعددة أثناء فترة البقاء في المنازل، ولكن الشعوب الخليجية عبرت بطريقة مختلفة، وتداولت المواقع الاجتماعية قضية البقاء في المنازل بأنها فرصة أسرية مطلوبة وإيجابية لها انعكاسات مطلوبة على الأسرة وتماسكها، وتحديدا في إعادة رسم تلك العلاقات الأسرية من جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة