بعد 5 أشهر من ظهوره.. العالم يختار "التعايش" مع كورونا
الدلائل تشير إلى أن "كوفيد-19" من الفيروسات التي ستستمر مع البشرية، فضلاً عن أن إنتاج لقاح للتحصين ضد الإصابة به لا يبدو قريب المنال.
مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد، وتأخر التوصل إلى لقاح للقضاء عليه، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الناتجة عن إجراءات الغلق، اضطرت العديد من دول العالم إلى اتخاذ قرار التعايش مع الفيروس، بعد انتهاء مرحلة الاحتواء.
وواجهت أغلب دول العالم جائحة كورونا المستجد مع بداية ظهوره قبل 5 أشهر في مدينة ووهان الصينية، بإجراءات مشددة، لضمان تحقيق التباعد الاجتماعي الذي يمنع انتشاره، مثل حظر التجول، وتعليق حركة السفر الدولية، وهو الأمر الذي ترك أثراً سلبياً على النشاط الاقتصادي، وألقى بأعباء باتت أقوى اقتصاديات العالم غير قادرة على تحملها.
وعلى الرغم من عدم حدوث انخفاض حقيقي في أرقام الإصابات، إلا أن الكثير من دول العالم أدركت أنه من المستحيل الاستمرار في هذه الإجراءات، والتي قد تكون تبعاتها أشد وطأة من تبعات الإصابة بالفيروس نفسه.
وقررت هذه الدول التعايش مع الفيروس، لاسيما وأن كل الدلائل تشير إلى أنه من الفيروسات التي ستستمر مع البشرية، فضلاً عن أن إنتاج لقاح للتحصين ضد الإصابة به لا يبدو قريب المنال.
الخبث سر قوته
وتكمن قوة فيروس كورونا المستجد أو ما بات يطلق عليه "كوفيد– 19"، ليس فقط في أنه فيروس سريع الانتشار، ولكن إلى جانب ذلك، فإنه أكثر خبثاً من غيره.
فإذا كان العالم قد استطاع قبل 17 عاماً احتواء فيروس متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "سارس"، لأنه من الفيروسات القوية التي تعلن عن نفسها، ومن ثم يمكن بسهولة التعرف على المصابين به، فإن مشكلة "كوفيد- 19" أنه قادر على الدخول إلى جسم الإنسان دون التسبب بأي أعراض، بل إن 80% من المصابين به يشفوا دون تلقي العلاج، وفقاً لما أكده الدكتور علي محمد زكي، أستاذ الفيروسات بجامعة عين شمس.
وقال "زكي" لـ"العين الإخبارية": "هذه الخاصية التي قد ينظر لها البعض على أنها مطمئنة، هي في حد ذاتها تمثل مكمن خطورته، إذ يصعب معها حصر حالات الإصابة وإدخالها إلى الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس".
وإزاء هذه القدرة الخبيثة للفيروس، التي تجعل حامليه يقومون بتوزيع العدوى به على مخالطيهم خلال فترة حضانة الفيروس (14 يوماً)، يصبح الحل الناجح لمواجهته هو وجود لقاح لتحصين المواطنين، أو الاعتماد على ما يسمى بـ"مناعة القطيع".
مناعة القطيع
ولا يبدو أن حل اللقاح قريب المنال، إذ أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية في بيان لها يوم 1 أبريل/ نيسان الجاري، نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، أنها تقدر أن توافر لقاح لـ"كوفيد- 19"، بكميات كافية للاستخدام على نطاق واسع، لن يكون قبل عام على الأقل.
وحتى يكون اللقاح فعالا في توفير "مناعة القطيع" من الفيروس، فيجب أن تحصل عليه نسبة كبيرة من المجتمع، ويختلف الأمر من دولة لأخرى، وفقاً لثقافة كل دولة وعادتها الاجتماعية، فقد تكون مثلاً الدول التي تنتشر بها عادات المصافحة بالأحضان بحاجة إلى المزيد من اللقاحات عن غيرها لتأمين التحصين المجتمعي ضد الفيروس.
وفي غياب اللقاح، فإن الدول قررت خلق تلك المناعة استناداً إلى نتائج دراسات تشير إلى أن الفئات الأصغر سناً تشفى من الفيروس دون علاج، ومن ثم فإن السماح للفيروس بالانتشار بين تلك الفئات بطريقة مراقبة، يمكن أن يكون أمرا مثاليا لتكوين "مناعة القطيع".
ويتحفظ الدكتور تامر سالم، أستاذ الميكروبيولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، على الارتكان لهذا التصور دون ضوابط، إذ إن صغار السن صحيح أنهم قد يشفوا من الفيروس دون علاج، ولكنهم قد يساعدون على نشره أثناء حملهم له بين ذويهم من كبار السن.
ويرى "سالم" في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الحل الذي لجأت له ألمانيا هو الأنسب لتكوين تلك المناعة، عن طريق إجراء اختبارات الأجسام المضادة للفيروس للمواطنين، والاعتماد على من يحمل تلك الأجسام لتدوير عجلة الاقتصاد.
وأوضح: "وجود الأجسام المضادة يعني أن الشخص قد أصيب بالفعل بالفيروس، وأنه صار محصناً، ما يعني أنه من المحتمل أن يعود إلى العمل دون أن يصاب بالمرض مرة أخرى".
وأجرت أكثر من ولاية أمريكية هذه الاختبارات لمعرفة عدد الأشخاص الذين يحملون الأجسام المضادة، بما يسمح لحكام الولايات برفع أوامر البقاء في المنزل، وإعادة فتح الاقتصاديات المغلقة.
وكشفت اختبارات أجرتها ولاية نيويورك "بؤرة الفيروس بأمريكا"، ونشرت نتائجها وكالة أسوشيتد برس في 24 أبريل/ نيسان الجاري، أن واحداً من كل 5 من سكان نيويورك يحملون الأجسام المضادة للفيروس.
خيارات أخرى
وقد لا تستطيع دول أخرى اللجوء إلى هذا الخيار، لكنها في نفس الوقت بحاجة إلى أن تنفض عن كاهلها بعضاً من أعباء إجراءات الحظر، والقيود المفروضة على السفر وحركة التجارة، وهذه الدول ليس أمامها سوى اختيار القطاعات الأكثر فاعلية في إنعاش حركة الاقتصاد للبدء في تشغيلها.
وقال "سالم": "يجب أن يكون الهدف واضحا، وهو إنعاش الاقتصاد، وليس مجرد إفساح المجال للناس من أجل الخروج وحرية الحركة، وبالتالي يجب أن تكون القرارات مدروسة بدقة، وأن يتم فك الحظر تدريجياً عن طريق البدء بالقطاعات الأهم فالأقل أهمية، كما يجب أيضاً التأكد من قدرة الأنظمة الصحية على استيعاب أعداد المصابين المتوقع زيادتها بعد فك الحظر".
وكانت الدكتورة داليا سمهوري، مدير برنامج التأهب واللوائح الصحية الدولية بإقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، قد أشارت إلى هذا المعنى في مؤتمر صحفي تم تنظيمه في مقر إدارة الإقليم، الثلاثاء.
وقالت "سمهوري": "قبل اتخاذ هذا القرار الصعب، يجب أن تكون الدولة على يقين من قدرة نظامها الصحي على استيعاب حالات الإصابة المتوقعة عند تخفيف القيود، كما يجب أن يكون هناك تحديد للمجموعات الأكثر عرضة للخطر، وتكثيف التوعية بين هذه المجموعات للالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي".
وقال الدكتور ريشتارد برنان، مدير الطوارئ الإقليمي بالمنظمة، خلال المؤتمر ذاته: "إن المنظمة تدرك حاجة الدول إلى التقليل من التبعات الاقتصادية للجائحة عبر تخفيف القيود".
وشدد "برنان" على ضرورة أن يكون هذا التخفيف تدريجياً، وأن يكون مصحوباً بمراقبة مستمرة للأوضاع، قد تدفع الدول إذا استشعرت الخطورة إلى العودة مجدداً إلى التشدد في فرض القيود.
إدراك الضوابط
ويبدو أن دول العالم التي أعلنت تخفيف القيود مدركة لهذه الضوابط التي أشارت إليها منظمة الصحة العالمية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في مؤتمر صحفي عقدته، الأربعاء: "إن رفع القيود مرتبط بامتلاك النظام الصحي القادر على مواجهة أعداد الإصابات حال زيادتها، والقادر على المتابعة المستمرة بعد رفع القيود".
وقال مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، روبرت ريدفيلد، الأربعاء، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أمريكية: "إن هذه المراكز مستعدة لمساعدة الولايات الأمريكية في عملية رفع القيود، بحلول الموعد المستهدف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول مايو/ آيار المقبل".
وبدأت دولة الإمارات تخفيف القيود على الحركة والتنقل، ووجهت، الإثنين 27 أبريل/ نيسان، الجهات المحلية الاقتصادية، بدراسة إمكانية إعادة فتح جزئي للمراكز التجارية، مع مراعاة الاشتراطات الصحية والإجراءات الاحترازية والوقائية.
وفي مصر، طرحت الدكتورة هالة زايد، وزير الصحة، على مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع عقد عن بعد عبر تقنية "فيديو كونفرانس"، الأربعاء، الخطة التي ستنفذها الوزارة في مرحلة التعايش مع الفيروس، والتي تتضمن في أهم بنودها اتباع جميع الإجراءات الاحترازية بصورة دقيقة بمختلف المنشآت، وإعادة تقييم الوضع كل 14 يوما للتصرف في ضوء المستجدات.
وبالتزامن مع تلك الخطة، أدخل البرلمان المصري تعديلات تشريعية على قانون الأمراض الوبائية رقم 137 لسنة 1958، والذي يدشن لمرحلة التعايش مع كورونا، حيث ضم هذا الفيروس إلى قائمة الأوبئة، ومنح وزيرة الصحة سلطة إلزام المواطنين بارتداء الكمامات في المولات التجارية ووسائل المواصلات العامة عندما تكون هناك حاجة لذلك.