المغرب يواجه كورونا.. والملك: الوضع مؤسف والوطنية التزام
العاهل المغربي أعرب عن قلقه وتخوفه بشأن الوضع الوبائي للمملكة المغربية، مُؤكداً أنَّ الدولة قد تلجأ إلى إعادة فرض حجر كامل.
بخلاف الأشهر الأولى للجائحة، بدأت المُؤشرات الوبائية في المملكة المغربية تدفع إلى القلق، خاصة على مستوى عدد الإصابات، ما دفع العديد من الجهات، وعلى رأسها عاهل البلاد، إلى دق ناقوس الخطر.
ناقوس خطر
عبر العاهل المغربي الملك محمد السادس، الخميس، عن قلقه وتخوفه بشأن الوضع الوبائي للمملكة المغربية، مُؤكداً أنَّ الدولة قد تلجأ إلى إعادة فرض حجر كامل إن استمرت الأوضاع بهذا الشكل.
ووصف العاهل المغربي الوضع الوبائي للمملكة بـ"المُؤسف"، و"لا يبعث على التفاؤل"، معتبراً أن اللجوء إلى الحجر من جديد ستكون له انعكاسات قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وعبر الملك عن رفضه لسلوكيات بعض المواطنين المتمثلة في عدم احترام التدابير الصحية الوقائية التي اتخذتها السلطات العمومية، خاصة في ظل توفير الدولة وسائل الوقائية بكميات كافية وأسعار مناسبة في الأسواق.
واعتبر أن هذه السلوكيات "غير وطنية ولا تضامنية"، وأن "الوطنية تقتضي أولا الحرص على صحة وسلامة الآخرين، وأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس".
وشدد على أن "هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة، التي تمكنت والحمد لله، من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها"، مُستدركاً بالقول "إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات".
أرقام مُقلقة
وتُسجل المملكة منذ مطلع أغسطس/آب أرقاماً غير مسبوقة، سواء للإصابات بفيروس كورونا، أو للحالات الحرجة، وأيضاً نسبة الوفيات التي ارتفعت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب المعطيات الرسمية لوزارة الصحة المغربية، فإن معدل الإصابة التراكمي قد بلغ 3.6 لكل مائة ألف نسمة، ونسبة الوفاة بلغت 1.6% والتعافي 69%.
وبلغ عدد الحالات النشطة 14057 حالة بمعدل 39 حالة لكل مائة ألف نسمة، فيما وصل عدد الحالات الحرجة إلى 194 حالة بمختلف أقسام العناية المركزة والإنعاش.
وتأتي هذه الأرقام "الضخمة" بعدما شارفت المملكة مطلع الشهر الماضي على مُحاصرة الوباء، إذ بلغ آنذاك عدد الحالات النشطة أقل من 600 حالة، لكن مجموعة من "البُؤر المهنية" أدت إلى تفجير عدد الحالات النشطة ليتجاوز ما كان عليه خلال بداية الجائحة.
ومنذ الثاني من مارس/آذار اليوم الذي سُجلت فيه أول حالة إصابة بكورونا، وحتى اليوم، تجاوز مجموع الحالات المؤكدة 47 ألف حالة، شُفي منها 32 ألفا و806 حالات، مُقابل 775 حالة وفاة.
وتتمركز مُعظم الحالات في كُل من مدن طنجة، فاس، مراكش، بني ملال، والدار البيضاء، وهي مُدن تعرف نسبة انتشار كبيرة للفيروس في صفوف المواطنين، وتتميز بتشكل مجموعة من البُؤر الوبائية، سواء في أوساط مهنية، وحتى عائلية، بل وصل الأمر في بعض المناطق إلى تشكل بؤر تُغطي أحياء بكاملها.
أطقم مُنهكة
وفي هذا الصدد، كشف الدكتور علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن الأطقم الطبية أصبحت تعيش حالة من الاستنزاف، خاصة وأنها تعمل دون كلل منذ مارس/آذار الماضي، ناهيك عن عدم استفادة الكثيرين من الإجازات، كما أن بعضهم قطع عطلته السنوية للالتحاق بالمستشفيات.
وأوضح لطفي لـ"العين الإخبارية" أن الوضع الحالي يُوازيه عدم قُدرة قطاع الصحة على الاستجابة لجميع الطلبات الوافدة عليه من المصابين بفيروس كورونا المستجد.
وعلل ذلك بمحدودية الأطر الصحية بمختلف درجتها، وأيضاً ضرورة ضمان السير العادي لباقي الأقسام والتخصصات، ناهيك عن ارتفاع مُعدل الإصابات في صفوف الجيش الأبيض، خاصة أنهم مُهددون بالإصابة ثلاثة أضعاف ما يُهدد المواطن العادي.
وفي السياق، دق المتحدث ناقوس الخطر، مشدداً على أنه في حالة استمر الوضع في التفشي بهذا الشكل، خاصة على مستوى الإصابات في صفوف الأطقم الطبية، فإن المنظومة الصحية ستكون مُهددة بالانهيار على غرار ما وقع في العديد من الدول الأوروبية.
خطاب صريح
ومن جهتها، أوضحت ابتسام العزاوي، المُهندسة والبرلمانية عن حزب "الأصالة والمُعاصرة"، أن الملك كان واضحاً في خطابه الأخير، إذ إن الوضع الوبائي في البلاد صار مُقلقاً جداً، وفي حال استمرت الأمور على هذا الشكل، فلا المنظومة الصحية ستتمكن من الصمود، ولا حتى الأطر ستتمكن من المواكبة.
وأكدت في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن في بعض الجهات وصلت إلى أقصى ما يُمكن أن تستوعبه مُستشفياتها من الحالات، خاصة في ظل تجاوز الحالات الجديدة عتبة الألف في اليوم.
ولفتت إلى أن اللجوء إلى الحجر الصحي من جديد، وإغلاق البلاد بشكل كامل قد يكون حلاً لا مفر منه، لكنه في الوقت نفسه سيكون ضربة قاضية للاقتصاد الوطني، وخاصة على لدى الأشخاص محدودي الدخل، كما أن ميزانية الدولة لن تتمكن من الاستمرار في توفير الدعم المالي للأشخاص في وضعية صعبة.
ولفتت إلى أن الفترة الأولى التي تم فيها تطبيق الحجر أثرت بشكل كبير على الوضعية الاقتصادية في البلاد، ما اضطر الحكومة ومعها البرلمان إلى اعتماد قانون مالية مُعدل، وهي سابقة من نوعها، لم تلجأ لها الدولة منذ سنوات.
وأكدت أن هذه الفترة كلفت الدولة كثيراً، وخاصة على مستوى ما تم ضخه من أموال لدعم المقاولات والأسر المُتضررة، ناهيك عن الخطوات غير المسبوقة التي أعلن عنها الملك لمواجهة تداعيات كورونا على الاقتصاد.
تضافر للجهود
ولفتت إلى أنه يصعب القيام بالأمر نفسه مرة أخرى نظراً لمحدودية الموارد المالية، وهو ما يجعل الكُرة في ملعب المواطن بدرجة أولى، والأحزاب ومكونات المجتمع المدني بدرجة ثانية، لأن الدولة قامت بأكثر مما يُمكنها القيام به.
وزادت أن الطاقة الاستيعابية للمنظومة الصحية لا يُمكن أن نُغيرها بين ليلة وضُحاها، لكن في المقابل يُمكننا احترام التعليمات الصحية حتى لا تنهار هذه المنظومة، كما يجب أن تتظافر الجُهود كي تجتاز بلادنا هذه الفترة الصعبة، إلى حين الوصول إلى لقاح فعال للفيروس.
وختمت بالقول إن المسؤولية تقع اليوم على الأحزاب والجمعيات والمؤثرين، مؤكدة أنه يحب على الجميع الانخراط في هذه الحملة أكثر بكثير مما كنا عليه في البداية، مُضيفة أن المقاولات والشركات مسؤولة أيضاً من خلال الالتزام الصارم بالتعليمات الصحية.
وأوضح الدكتور علي لطفي أن الوضع الحالي يتطلب أمرين اثنين؛ الأول التزام المواطنين وأرباب الأعمال بإجراءات السلامة الصحية، والثاني إعادة الحكومة النظر في خُطتها لليقظة الوبائية، وذلك عبر استهداف التشخيص والتحليل المبكر، لمُحاصرة الحالات التي لا تظهر عليها الأعراض، وهكذا سنتمكن من تخفيض نسبة الانتشار، وأيضاً التقليل من عدد الوفايات.
وشدد على أن مسألة التشدد في تطبيق الاجراءات الصحية، سواء على مستوى الشركات وأيضاً الأفراد، أمر ضروري لتفادي وقوع كوارث كالتي شاهدناها في العديد من البؤر المهنية.
لا مجال لحجر جديد
أما محمد الشرقي، الكاتب والمتخصص في الشؤون الاقتصادية، فقد شدد على أن الدخول في حجر جديد سيكون بمثابة إعلان لإفلاس الكثير من القطاعات، خاصة على مستوى الشركات الصغرى، والتجار، والباعة المتجولين.
وشدد المتحدث على أن هذا السيناريو يبقى الأكثر تشاؤما، إلا أنه وارد جداً ما دامت الوضعية الوبائية تمضي في نفس الوثيرة، موضحاً أنه لا زال الوقت لتفادي هذا الوضع السيئ من خلال الالتزام بالتوصيات الصحية.
ولفت إلى أن الحجر الصحي الذي فرضته المملكة منذ مارس/آذار المنصرم، كان مُكلفاً للغاية، موضحاً أنه بغض النظر عن الخسائر التي مُني بها الاقتصاد الوطني، فإن المغرب أنفق على المستوى الاجتماعي حوالي 3.5% من ناتجه الاجمالي على دعم الفئات الأكثر احتياجا، والأشخاص الذين فقدوا عملهم أو توقفوا بشكل مؤقت خلال فترة الحجر الصحي.
وأضاف أن الملك محمد السادس أوصى بضخ 12 مليار دولار، أي حوالي 11% من الناتج الإجمالي، لإنعاش الاقتصاد، في حين شدد على أن البلاد لا يُمكنها توفير هذه المبالغ مرة أخرى إذا ما دخلنا في حجر جديد وإغلاق للاقتصاد.
إغلاق وتجارب
وفي وقت سابق، قررت المملكة تعزيز إجراءات التصدي لفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) في مدينتي مراكش والدار البيضاء الأكثر تضرراً من تفشيه، بإغلاق أحياء سكنية وشواطئ وتشديد المراقبة في المنافذ المؤدية إليهما، بحسب ما أعلنت الحكومة في بيان، الخميس.
كما تشمل الإجراءات الجديدة إغلاق شواطئ العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء (غرب) وضواحيها ابتداء من السبت، مع استمرار إغلاق عدة أحياء فيها، بالإضافة إلى منع المقاهي من نقل مباريات كرة القدم التي تؤدي عادة إلى ازدحام كبير بها.
وأعلنت الحكومة أيضا عن إجراءات مشابهة في مدينة بني ملال (وسط) حيث تغلق 6 أحياء ابتداء من الجمعة، كما شددت الإجراءات الاحترازية في وقت سابق بكل من طنجة (شمال) وفاس (وسط) والرباط (غرب)، مع عودة انتشار ناقلات الجنود المدرعة وحواجز المراقبة الأمنية. فيما يظل التنقل من وإلى 8 مدن بينها الدار البيضاء ومراكش ممنوعاً منذ نهاية يوليو/تموز إلا في حالات استثنائية.
من جهة أخرى، وقع وزير الصحة المغربي ومسؤولون عن مجموعة "سينوفارم" الصينية، الخميس، اتفاق تعاون حول "المرحلة الثالثة لتجارب سريرية على لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد"، بحسب ما أفادت وزارة الخارجية المغربية.