«التفوق العلمي».. المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي الأمريكي في خطر

لم يشهد قطاع العلوم في الولايات المتحدة منذ أكثر من 50 عاما حالة من الاضطراب كما هو عليه اليوم، وتحديدا في عهد الرئيس دونالد ترامب.
في يوم تنصيب الرئيس دونالد ترامب، صدر أمر تنفيذي يحظر تمويل الأبحاث الفيدرالية المتعلقة بالتنوع والعدالة والشمول (DEI). والقرار جزء من حملة واسعة لتقليص تمويل العلوم في أمريكا، طالت مجالات مثل استكشاف الفضاء، واكتشاف المواد، وأبحاث اللقاحات، وتغير المناخ.
انتقادات
ويقول المنتقدون إن هذه السياسات تمزج بين خفض التكاليف والدوافع الأيديولوجية، مما أدى إلى تغييرات مفاجئة، متفرقة، يصعب تتبعها وقد تُلغى لاحقًا قضائيًا. وحتى في المجالات التي قد تحتاج إلى إصلاح، يرى العلماء أن الوتيرة الغامضة والسريعة للتغييرات غير مبررة.
ويحذر المنتقدون من أن هذه التخفيضات قد تقوّض الابتكار الذي كان المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي الأمريكي لعقود. ومنذ الحرب العالمية الثانية، كانت الأبحاث الممولة من الدولة مصدرًا للاكتشافات التي دعمت صناعات قوية مثل الأدوية، التي تعتمد بشكل كبير على الأبحاث الحكومية.
ويقول خبراء إن كبح البحث العلمي له تأثير عميق سيمتد لأجيال. وحتى لو تم التراجع عن السياسات الحالية، فإن الأثر طويل الأمد سيبقى، بعدما زعزع ثقة المجتمع العلمي في الولايات المتحدة كمكان آمن ومفتوح للأبحاث.
مقاومة العلماء
ووفقا للتقرير، بدأ العلماء في تنظيم مقاومة.. ففي الشهر الماضي، وقّع نحو 2000 باحث، بينهم عدد من حائزي نوبل، رسالة مفتوحة تحذر من الخطر، جاء فيها: "نشهد لحظة خطر حقيقية"، واصفين ما يحدث بـ"تدمير المؤسسة العلمية الأمريكية".
ويرى جيريمي ليفين، الرئيس التنفيذي في قطاع التكنولوجيا الحيوية وعضو مجلس إدارة منظمة الابتكار البيولوجي الأمريكية، أن التخفيضات قد تدفع الكفاءات العلمية لمغادرة البلاد والالتحاق بمراكز بحثية في دول أخرى مثل الصين، التي تستثمر بقوة في البحث العلمي.
وكمثال على الارتباك في المؤسسات العلمية، يتعرض المعهد الوطني للصحة لتغييرات جذرية. فبعد أن بلغ تمويله 33 مليار دولار في 2022، تتحدث تقارير إعلامية عن نية الإدارة خفض ميزانيته البالغة 47 مليار دولار بنسبة 40%، كما يتم الآن تعليق أو إلغاء بعض المنح، خاصة للمؤسسات التي تطبق سياسات لا تتماشى مع سياسات الإدارة.
وتدير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، التي يتبع لها المعهد، حالياً شخصية مثيرة للجدل هي روبرت كينيدي الابن، المعروف بتشكيكه في اللقاحات. وقد أُقيل حوالي 1200 موظف من أصل 20 ألفًا في المعهد، ووُضِع بعضهم في إجازات قسرية. وكما تم نقل أو تهديد مسؤولين بارزين مرتبطين بأنطوني فاوتشي، مثل زوجته كريستين غريدي ومديرة معهد الحساسية والأمراض المعدية جان مارازو.
سوابق تاريخية
وأثارت هذه التحركات تشبيهات بعهد مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كان الأكاديميون يواجهون العقوبات لمجرد الاشتباه في ميولهم السياسية.
وتقول ماري سو كولمان، الرئيسة السابقة لجامعة ميشيغان: "حتى مقارنة تلك الفترة لا تفي بما نشهده الآن. هذا وقت غير مسبوق".
وكما تشمل التخفيضات وكالات أخرى، مثل ناسا، التي قد تُخفض ميزانيتها العلمية إلى النصف، ووكالة المعايير الوطنية التي ستُغلق إحدى مجموعاتها البحثية الأساسية.
كما تأثرت أبحاث المناخ بشدة، حيث تسعى الإدارة إلى إنهاء غالبية أبحاث تغير المناخ في وكالة المحيطات والغلاف الجوي (NOAA). وأما مؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، التي تحتفل بمرور 75 عامًا على تأسيسها في مايو/أيار، فقد أعلنت عن فصل 10% من موظفيها وأوقفت منحًا عديدة.
ومع انخفاض تمويل الأبحاث، بدأت مؤسسات خارجية مثل الصين في جذب الباحثين الأمريكيين. وبدأ علماء من دول أخرى إعادة النظر في السفر إلى الولايات المتحدة.
وتقول أكاديمية العلوم الملكية السويدية: "العلم يعتمد على الاستقرار، وهذا ما نفتقده الآن في أمريكا". ولا يُتوقع أن تسد المؤسسات الخاصة أو الخيرية هذا الفراغ، فالأبحاث الأساسية تتطلب تمويلاً ضخماً لا تستطيع الشركات أو التبرعات تعويضه.
ويشير قادة في قطاع الأدوية إلى أن 99% من الأدوية التي تمت الموافقة عليها بين 2010 و2019 اعتمدت على أبحاث بتمويل من NIH. ومع ذلك، يلتزم قادة القطاع الصمت، خوفًا من ردود الفعل. وتواجه المؤسسات العلمية صعوبة في تقرير ما إذا كانت ستواجه الحكومة علنًا أم تتعامل معها سرًا.
وفي الوقت نفسه، يقود شباب الباحثين موجة جديدة من الحراك، رغم أن فرصهم المهنية مهددة. وتقول إيما كورتني، طالبة دكتوراه: "نحن نشهد تحول مساراتنا أمام أعيننا. والنجاحات المبكرة التي تحدد مستقبلنا تُقضى عليها الآن".
aXA6IDMuMTcuNzkuMTk1IA== جزيرة ام اند امز