الشاشات تسبق البنادق.. عمليات الاستخبارات على البث المباشر

في عالمٍ باتت فيه الكاميرات تسبق البنادق، ولم تعد الحروب تُخاض فقط في الخفاء بل على شاشات الهواتف ووسائط التواصل الاجتماعي، تشهد عمليات الاستخبارات تحولًا جذريًا في أسلوبها وأهدافها.
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، لم تعد العمليات السرية تُدار من خلف الستار، بل أصبحت أدوات صاخبة في معركة إعلامية مفتوحة تهدف إلى التأثير، والردع، وبث الرهبة لدى الخصوم.
ومن موسكو إلى طهران، ومن غزة إلى كييف، تتكاثر تسجيلات الطائرات المسيّرة، ولقطات الكوماندوز، والمشاهد المسربة من عمق خطوط العدو - كلها مصممة ليس فقط لتحقيق نصر ميداني، بل لصناعة مشهد درامي مؤثر يخترق ملايين الشاشات.
وأشارت الصحيفة إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران والتي غصت بها وسائل الإعلام، رافقها عملية استخباراتية سرية كان لها أثر حاسم، إذ قام عملاء الموساد بعمليات ميدانية قبل وأثناء الهجمات، حددوا خلالها الأهداف ووجهوا الضربات، مما شكل رسالة نفسية لإظهار قدرة إسرائيل على العمل بحرية داخل الأراضي الإيرانية، وعجز طهران عن منع ذلك.
ولم تكتفِ إسرائيل بالتفاخر بنجاحها التكتيكي، بل نشرت تسجيلات مصورة تحمل ختم الموساد، قيل إنها تظهر عمليات ميدانية وضربات بالطائرات المسيّرة داخل إيران، وهو تحول كبير في أسلوب الحرب والاستخبارات.
ففي الماضي، كانت مثل هذه العمليات تبقى سرية لفترات طويلة، لكن اليوم، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يتم الإعلان عن الانتصارات بسرعة، كما يحدث في أوكرانيا والولايات المتحدة، حيث تُعرض مشاهد الهجمات والعمليات الخاصة بشكل شبه مباشر.
هذا التحول في الحرب، الذي يُطلق عليه "معركة الخط الزمني"، يعكس تغيرًا في الأهداف وطريقة نشر المعلومات، إذ تُصمم العمليات لتكون مرئية وتحدث تأثيرًا بصريًا قويًا، ليس فقط في ساحة المعركة بل على وسائل التواصل لتعزيز المعنويات الداخلية وتثبيط العدو.
ويقول خبراء الاستخبارات إن الهدف من عرض هذه العمليات هو إظهار قدرة الدولة على استهداف العناصر المعادية، مما يشكل رادعا يدفع العدو نحو حلول دبلوماسية، رغم المخاطر التي قد تنجم عن كشف مصادر وأساليب حساسة.
وأشارت الصحيفة إلى أن ثلاثة عوامل رئيسية تقف وراء هذا التحول:
أولًا، استحالة التخفي في عالم تسيطر عليه التكنولوجيا، حيث تجعل مليارات الكاميرات والذكاء الاصطناعي اكتشاف الجواسيس أمرًا شبه مؤكد.
ثانيًا، ظهور عقيدة استخباراتية جديدة تهدف لتحقيق تأثير مزدوج: عسكري على الأرض، ونفسي على الشاشات. ثالثًا، تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب موازية، حيث تُصمم الهجمات ليكون لها صدى مرئي يعزز الروح المعنوية للمهاجم ويقوض معنويات الخصم.
لكن هذه "الحرب المفتوحة" تحمل مخاطر جسيمة، إذ أن الكشف المتعمد للعمليات الحساسة - كما في حالة الكشف الأمريكي عن خطط غزو أوكرانيا عام 2021 - قد يحرق مصادر استخباراتية حيوية لأجل مكاسب سياسية قصيرة المدى.
كما أن العصر الرقمي جعل تسريبات الوثائق - كتلك التي نفذها سنودن أو تيكسيرا - تهديدًا دائمًا يطال حتى الأرشيفات السرية. ورغم ذلك، تستمر بعض الدول في تبني نهج العلنية، كما فعلت المخابرات الروسية (GRU) عندما استأجرت مدنيين أوروبيين عبر وسائل التواصل لتنفيذ هجمات تخريبية، أو عندما أشاد رئيسها علنًا بقتل طيار منشق في إسبانيا.
وخلص التقرير إلى أن السرية في هذا المشهد الجديد لم تعد درعًا يحمي العمليات، بل أصبحت الرؤية سلاحًا يُدار ببراعة — أو يُساء استخدامه — في معركة لا تُخاض على الأرض فقط، بل على الشاشات كذلك.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA==
جزيرة ام اند امز