يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي: «أكبر مخاطرة ألا تخاطر»، وهي عبارة لا يمكن وصف حجم التحفيز فيها، لا سيما للشباب والمبدعين.
ومن هنا، أوجّه دعوة للمؤسسات في عالمنا العربي، تحديدًا، أن يأخذوا هذه العبارة نبراس عمل لهم، وأن يختاروا المبدعين ليكونوا في مواقع متقدمة في مؤسساتهم؛ المبدعين المميزين القادرين على العطاء.
لا يخفى أن الكثيرين من طالبي التوظيف يعانون من ردود أفعال بعض المؤسسات، وهي ردود قد تكون في بعض الأحيان «لا إنسانية» أو مخالفة للقانون، وكل ذلك بحجة افتقار المتقدم للعمل إلى الخبرة، في وقت نعيش فيه عالمًا سريع التغير تقوده التكنولوجيا والابتكار. وبالتالي، لم يعد معيار النجاح محصورًا في سنوات الخبرة المتراكمة، بل أصبح الإبداع هو المحرك الرئيسي للتميز.
اليوم، ومع تطور الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، أصبح التعلم أكثر سرعة وفاعلية، مما يفتح الباب أمام جيل جديد من المبدعين الذين يمتلكون الفكر المتجدد والقدرة على التكيف، حتى وإن لم يكن لديهم سجل حافل من الخبرات التقليدية.
ذلك أن هذا المفهوم بات بحاجة إلى مراجعة جذرية في عصرنا الحالي؛ فالتكنولوجيا أتاحت وسائل تعلم متقدمة، وأصبح بالإمكان اكتساب المهارات خلال أشهر بدلًا من سنوات. بل إن بعض الشركات العالمية الكبرى، مثل «جوجل» و«تيسلا»، بدأت تتجه نحو توظيف المبدعين بناءً على قدراتهم الفعلية، وليس شهاداتهم أو خبراتهم السابقة.
التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي جعلت التعلم عملية أكثر ديناميكية، حيث يمكن لأي شخص اليوم أن يكتسب مهارات جديدة عبر الإنترنت من خلال منصات مثل «Coursera» و«Udacity» و«LinkedIn Learning». وبالتالي، لم يعد التعليم محصورًا في القاعات الدراسية أو يتطلب سنوات من الدراسة الأكاديمية، بل يمكن لأي شخص أن يصبح خبيرًا في مجاله خلال فترة وجيزة إذا امتلك الشغف والالتزام.
علاوة على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يساعد في تسريع عمليات التدريب والتطوير، حيث بات بإمكان المؤسسات تحليل بيانات الأداء وتحديد نقاط القوة والضعف لدى الموظفين، مما يتيح لهم التركيز على تطوير مهاراتهم بشكل أكثر كفاءة. فلماذا إذًا نستمر في تقييد الفرص بمعيار الخبرة؟
الإبداع لا يُكتسب بالضرورة من خلال سنوات العمل، بل ينبع من التفكير المختلف والقدرة على تقديم حلول جديدة. والواقع يقول إن الكثير من الشركات الناشئة الناجحة تأسست على أيدي أشخاص لم يكن لديهم خبرة سابقة في إدارة الأعمال، لكنهم امتلكوا فكرة مبتكرة وإصرارًا على تنفيذها.
تاريخيًا، كان النجاح حليفًا لمن تجرأوا على التغيير؛ فمثلًا، ستيف جوبز لم يكمل دراسته الجامعية، لكنه قاد «آبل» إلى القمة، ومارك زوكربيرغ بدأ «فيسبوك» من غرفة سكنه الجامعي، ولم يكن لديه سجل حافل من الخبرة في الإدارة أو التقنية. هؤلاء وغيرهم أثبتوا أن الموهبة والإبداع أهم من عدد السنوات المكتوبة في السيرة الذاتية.
كما أن المؤسسات بحاجة إلى إعادة النظر في معايير التوظيف وفرص النمو المهني، بحيث تتيح للمبدعين الشباب الفرصة لإثبات أنفسهم.
ومن الضروري أن ننتقل من عقلية «أنت بحاجة إلى خبرة لتبدأ» إلى عقلية «ابدأ وسنساعدك على اكتساب الخبرة»؛ فالمطلوب اليوم هو بيئة تدعم الابتكار وتعزز من روح التجربة، حيث يُعطى المبدعون الفرصة لإثبات أنفسهم دون عراقيل بيروقراطية.
فلنفتح الأبواب أمام العقول الشابة، فالإبداع لا ينتظر سنوات من الخبرة، بل يحتاج فقط إلى فرصة حقيقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة