يرتبط شهر رمضان بالكثير من الذكريات والتفاصيل لدينا جميعاً، وكثيراً ما نسمع من أهل كل مدينة، وخصوصاً من غابوا لفترة عنها، سواء للاستقرار أو للعمل في مناطق أخرى، أن تفاصيل الشهر الفضيل في مسقط رأسهم أو المدن التي نشأوا فيها تجربة مختلفة.
نسمع هذا في مدننا العربية الكبرى: القاهرة والإسكندرية، الرياض ومكة والمدينة، الرباط والدار البيضاء، دمشق وبيروت وعمّان، تونس وصفاقس، الجزائر ووهران، مسقط والمنامة والدوحة ونواكشوط، وغيرها. وحتى المدن التي مرت مؤخراً بحالات عدم استقرار سياسي، يروي المشتاقون إلى رمضان في رحابها أنها تعود إلى خصوصية رمضان في الشهر الفضيل، في حين أن القادمين من مدن أصغر أو من القرى لا يرون المظاهر نفسها في المدينة الكبيرة، ويرون أن لا شيء يضاهي أيام وليالي رمضان في تلك الأماكن التي وفدوا منها.
إنها نوستالجيا الزمان والمكان حينما يتعانقان معاً، عزيزي القارئ. فالحنين السنوي لتفاصيل رمضان يتعانق مع حنين الذكريات القديمة، ويتشابك مع روحانيات الشهر الفضيل، ونفحات العبادة، وفرحة الصائم، ومظاهر برّ الأرحام الذي يسوده... الحنين إلى موطن ذكريات رمضان الطفولة وجمعة الأهل والأقارب والأصدقاء.
وقبل أيام قليلة، بدأت الأسر في الاستعداد لرمضان في الإمارات، كما هو حال نظيراتها في معظم الدول العربية والإسلامية الأخرى، لكن بنكهة الإمارات وتفاصيلها، وإن اختلفت من مدينة لأخرى، أو بين منطقة وأخرى، لكنها تجتمع في استقباله بفرحة وشوق وترقّب يبدأ بعد الانتهاء من الاحتفال بليلة النصف من شعبان، والتي تسمى في الإمارات والعديد من الدول الخليجية «حق الليلة»، وحتى ثبوت رؤية الهلال.
بشرى ثبوت رؤية هلال رمضان يتناقلها أهل الإمارات عبر الرسالة الأسرع التي تصل إلى هواتفهم، نقلاً عن التلفزيونات الحكومية، وخصوصاً تلفزيوني أبوظبي ودبي، اللذين غالباً ما يكونان أول من يبث النبأ السعيد معلنين أن غداً هو أول أيام الشهر الفضيل، أو «المتمم لشهر شعبان»، وفي كلتا الحالتين فرحة بقدوم رمضان.
كل شيء يتغير في رمضان الإمارات. فمع بعض الاختلاف في أوقات الذروة المرورية وتوقع ازدحام في بعض المناطق، وخصوصاً الطرق السريعة التي تربط بين إمارات الدولة، تظل قادراً على الوصول إلى وجهتك بسهولة بفضل الخطط المرورية المحكمة والالتزام الذاتي لقائدي المركبات. وستكون إنارة الطرق بعبارات مهنئة مرحبة بقدوم رمضان، والأنوار التي تكاد تغطي واجهات العديد من المباني الأيقونية، مؤشراً آخر على أنك أصبحت في رحاب رمضان.
تزيين البيوت، وخصوصاً إطلالاتها الخارجية، مهمة الشباب والأطفال، بحلول زخرفية وتصميمية لا تتكرر كل عام. فعلى من يقومون بهذه المهمة منهم أن يأتوا دائماً بالجديد، وهو مطلب يعاونهم فيه تجار «زينة رمضان» في المحال والأسواق الشعبية، وخصوصاً في منطقة «ديرة» بدبي، والأسواق الشعبية في أبوظبي وعجمان وسائر المدن الإماراتية، بحيث يصبح لأدوات الزينة «موديل» سنوي، لا يمكن معه استخدام إلا القليل فقط من زينة الموسم الماضي.
المساجد المنتشرة في قلب الأحياء السكنية ووسط الأبراج الكبرى استعدت هي الأخرى للشهر الفضيل، ببرامج أقرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذلك دوائر الأوقاف في كل إمارة. وإلى جانب الصلوات الخمس، يبرز الحفاظ على أداء النوافل في المسجد، وخصوصاً صلاة التراويح، كإحدى العبادات التي تحرص عليها الكثير من الأسر، في حين يتضاعف التنافس على أفعال الخير بين الجميع، وخصوصاً المشاركة في إفطار الصائمين وإطعام الطعام.
وعن تجربة شخصية، لا تزال عادة تبادل أطباق رمضان سائدة بين أبناء مجتمع الإمارات، سواء بين الإماراتيين أنفسهم أو بين الكثير من أبناء الجاليات العربية والمسلمة، وخصوصاً الأطباق الشعبية.
ويتوقف نوع الطبق في الغالب على وقت توزيعه، فالأطباق الرئيسية، كالهريس والبرياني، يفضل أن يتم توزيعها قبل الإفطار مباشرة، أما أصناف الحلوى المختلفة، فتوزيعها غالباً ما يكون بعد صلاة التراويح. والأطفال هم المرشحون دائماً لمهمة إرسال هذه الأطباق للجيران، أو حتى للأقارب إذا كانوا يسكنون بالقرب من أهل المنزل.
تبادل الدعوات والزيارات بين الأسر ليس مقصوراً على الزيارات العائلية، فالأجيال الجديدة أيضاً لديها التزاماتها وتفضيلاتها في هذا الإطار، وغالباً ما يختار الأبناء يوماً لاستقبال أصدقائهم في المنزل، أو قد يفضلون تجمعاً خارجياً، وهو أمر يجب ألا يتعارض مع جدول الأهل المزدحم باستقبال ضيوف على مائدة الإفطار، أو تلبية دعوات أسر قريبة أو صديقة.
القنوات التلفزيونية المحلية لها نصيب مهم من مشهد رمضان في الإمارات، حيث تستعيد من أرشيفها عدداً من الأوبريتات الخاصة بقدومه، مثل أوبريت «هل هلاله»، و«هل ويانا»، وغيرهما.
لكن قبل ذلك، تكون قد أعلنت كل منها عن وجبة درامية دسمة، لا يغيب عنها أبداً الدراما والتراث والكوميديا، وكذلك وجوه درامية أصبحت شبه حاضرة في معظم مواسم رمضان، أبرزها الممثل القدير جابر نغموش، صاحب أطول مسلسل إماراتي متعدد الأجزاء ارتبط عرضه برمضان، وهو «حاير طاير».
تماماً كما ارتبطت شاشات القنوات المحلية في رمضان بأعمال كرتونية تحظى بمتابعة الكبار والصغار في الأسرة الإماراتية، أبرزها مسلسلات «فريج»، و«منصور»، و«شعبية الكرتون»، والأخيران ظلا لسنوات طويلة يتصدران قائمة الأكثر متابعة في رمضان لدى المشاهد الإماراتي.
وربما أكثر تحية متداولة بين أهل الإمارات للتهنئة بقدوم رمضان، على الأقل بالنسبة لرصدي كإعلامي مقيم بالدولة منذ نحو 30 عاماً، هي ما سأختم بها معك، عزيزي القارئ: مبارك عليكم الشهر الكريم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة