استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، أن يخلق نموذجًا إعلاميًا فريدًا يرتكز على استراتيجيات اتصال محكمة تتوافق مع أبرز نظريات الإعلام والتواصل.
وعادةً تلك النظريات لا تُستخدم في سياق الرئاسة، ورغم التباين الكبير في الآراء حول سياساته ومواقفه، إلا أن هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة؛ بل اعتمد على توظيف منهجي لعدة نظريات إعلامية، مما مكّنه من السيطرة على الأجندة الإعلامية الأمريكية والدولية وإبقاء اسمه في دائرة الضوء بشكل مستمر.
ولتوضيح كيفية استخدام هذه النظريات، سأستعرضها وأربطها بشكل مباشر مع ما يحدث في المشهد الإعلامي، فإحدى النظريات التي يمكن ربطها بأسلوب الرئيس ترامب هي “نظرية التأطير الإعلامي” (Framing Theory)، والتي تشير إلى كيفية تقديم القضايا للجمهور بطريقة تؤثر على تفسيرهم وفهمهم للأحداث. فقد اعتاد ترامب على إعادة صياغة الأحداث والمواقف بما يخدم روايته الخاصة، مثل وصفه لبعض وسائل الإعلام بأنها “Fake News”، مما يؤطر وسائل إعلام محددة كجهات غير موثوقة أمام أنصاره.
كما يعتمد الرئيس ترامب على “نظرية تحديد الأجندة” (Agenda Setting Theory)، حيث يوجه النقاش الإعلامي نحو القضايا التي يريدها، سواء عبر تغريداته أو تصريحاته المثيرة. ومن خلال طرح مواضيع جدلية، يجبر الإعلام على متابعته وتغطية تصريحاته، مما يجعله المصدر الأساسي للأخبار.
بالإضافة إلى ذلك، يتجلى استخدامه لـ “نظرية الصدمة” (Shock Theory) بوضوح. فلا يخشى ترامب إطلاق تصريحات غير تقليدية أو مثيرة للجدل، مما يخلق حالة من الصدمة تدفع وسائل الإعلام للتفاعل معها بشكل مكثف. يساعده هذا الأسلوب في البقاء في قلب الحدث الإعلامي بشكل دائم ويحول الانتباه عن القضايا التي لا يرغب في تسليط الضوء عليها.
أيضًا، يوظف الرئيس ترامب “نظرية التأثير المباشر” (Hypodermic Needle Theory)، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي. وتشير هذه النظرية إلى تأثير الرسائل الإعلامية المباشرة والسريعة على الجمهور، حيث يوجه ترامب رسائله مباشرة إلى أنصاره عبر منصاته الخاصة، دون الحاجة إلى المرور بفلترة الإعلام التقليدي.
أخيرًا، من الواضح الرئيس ترامب يتقن استخدام “التواصل العاطفي” (Emotional Appeal)، حيث يخاطب مشاعر جمهوره من غضب وخوف وفخر. يعزز هذا الأسلوب من شعبيته بين الفئات التي تشعر بالتهميش أو التي تتبنى نفس الرؤى والأفكار التي يعبر عنها.
يجمع ترامب بين عدة نظريات إعلامية في أسلوبه، مما يجعله حالة فريدة في إدارة الأجندة الإعلامية. ورغم الانتقادات التي تُوجه إليه من معارضيه، يبقى تأثيره الإعلامي نموذجًا يحتاج إلى دراسة معمقة لفهم كيفية استخدام الإعلام كأداة للسيطرة على الرأي العام وصناعة الأحداث، بدلاً من مجرد التفاعل معها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة