قديماً قالوا "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، فكيف إذا كانت الوقاية حصناً، والعلاج درعاً، والأمان غاية، وجميعها جوهر فطرتنا الإنسانية التي تبحث دوماً عن الأمن والطمأنينة.
ولمَ لا وهي التي كانت -وما زالت- مرشداً لنا في مواجهة المخاطر، وبوصلتنا وقت التيه، ومنبهنا الذي يقرع جرس الإنذار قبل الانجرار في أتون العنف والتطرّف الذي لن يجد بيئة خصبة أنسب من عالمنا الذي تضربه أمواج عاتية من التهديدات والتحديات.
وما أشبه هذه الحكمة بما تتبنّاه دولة الإمارات العربية المتحدة في استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب وحماية أمنها الوطني، رافعة شعار الحذر والاستباقية، لحفظ أمنه وسلامة جميع من على أراضيها جسداً وفكراً، فدوماً ما تأخذ دولة الإمارات خطوة استباقية بسبب رؤية قيادتها الاستشرافية، ما جعلها تسبق أهل الشر ليس بخطوة بل بعشرات العشرات من الخطوات درءاً للمخاطر ووأداً للإرهاب في مهده، قبل أن يتغذّى على مقدرات البلاد ويغذّي التطرف والتعصب والعنف، لتقيم حصناً منيعاً في وجه رياح الشر التي تحاول عبثاً أن تعبث بأمن المجتمعات واستقرارها.
لذلك لا تأخذ الإمارات موقف المتفرج، ولا تترك الأمور للصدف، ولا تنتظر لتكون مُسيّرة بل هي دوماً مُخيّرة بين الحسنييْن ولا وجود لثالث للشر، فهي تنتهج سياسة راسخة تقوم على استباق الخطر قبل أن يستفحل، واقتلاع جذور الفتنة قبل أن تمد أذرعها السامة في نسيج الوطن، ومن هنا جاء قرارها الأخير بإدراج أحد عشر فرداً وثمانية كيانات في قوائم الإرهاب المحلية، ليؤكد أنها ماضية بثبات دون عودة أو تباطؤ في مواجهة كل من تُسوّل له نفسه تهديد أمنها أو العبث باستقرارها، متسلّحة بالحزم والإرادة الراسخة التي لا تلين أمام مخططات أهل الشر الذين يتوارون خلف ستائر زائفة، يرفعون شعارات برّاقة يخدعون بها السذج.
وكما وصفهم القرآن الكريم حين قال المولى عز وجل: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ"، فإن هؤلاء لا يأتون إلا بالفساد حيثما حلّوا، يزرعون الفتنة ببذور التعصب، ينشرون الفوضى بمعاول الهدم، يسعون لتقويض الدول عبر أدواتهم الخبيثة التي تتنوّع بين التمويل المشبوه والتحريض الذي يستهدف العقول قبل الأبدان.
ويأتي القرار الإماراتي في إطار استراتيجية متكاملة تقوم على استهداف وتعطيل الشبكات الإرهابية وقطع شرايين تمويلها، من خلال خطوات مدروسة، تتكامل فيها الجهود المحلية والدولية، في مشهد يؤكّد التزام الدولة العميق بمسؤولياتها تجاه أمنها الوطني، وأمن محيطها الإقليمي والعالمي.
ولم يكن هذا القرار الأول، ولن يكون الأخير، فالإمارات تؤمن بأن الحرب ضد الإرهاب لا تُخاض في الساحات فحسب، وإنما تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تتضافر فيها جهود اليقظة الأمنية، وتجفيف منابع التمويل، والتعاون الدولي الذي يحاصر هذه الجماعات أينما وُجدت، ويفضح أساليبها في اختراق المجتمعات عبر الواجهات الاستثمارية والأنشطة الاقتصادية التي لا تهدف إلا إلى غسل العقول قبل الأموال، مستغلّة الطبيعة البشرية التوّاقة دوماً للكسب وحصد الأموال.
من هنا تأتي خطورة الإرهاب الذي اتّجه إلى التخلي عن سلاحه المعتاد، لتتحول التنظيمات المسلحة إلى كيانات تتخذ من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية "عدة وعتاداً"، أشبه ما تكون بـ"حصان طروادة" لاختراق المجتمعات واستقطاب الأفراد، فبعض الكيانات المدرجة حديثاً في قوائم الإرهاب بالإمارات تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، وتروّج لنفسها كمؤسسات تجارية أو بحثية، في حين تكمن حقيقتها في كونها أوكاراً للتطرف، تتلاعب بالعقول وتموّل الأجندات المشبوهة من "خلف ستار" المال والأعمال، من هنا، يأتي صوت الإمارات عالياً ومجلجلاً، محذراً من التعامل مع مثل تلك الكيانات.
ولأن النهايات تكتبها البدايات، فلم تكن تلك النجاحات الأمنية المتواصلة لدولة الإمارات محض صدفة، بل هي نتاج رؤية استراتيجية تتكامل فيها السياسات الصارمة والشراكات الدولية، وهو ما جعلها تحتل المرتبة التاسعة عالمياً في محور "الأمن والأمان" ضمن مؤشر القوة الناعمة 2024، هذه المكانة لم تكن لتأتي إلا بجهود حثيثة جعلت الدولة نموذجاً يُحتذى به في الوقاية من التطرف، ومكافحة الإرهاب، قبل أن يتحول إلى خطر داهم، عبر تبني سياسات تتجاوز الحلول التقليدية إلى آفاق أكثر شمولية وفاعلية.
إنها معركة ليست باليسيرة، إنها باقية ما بقي الإرهاب، وجودية ما وُجد التطرف، معركة لا تقبل المهادنة أو القسمة على اثنَيْن، نحن وليس هم، لذلك لم يكن قرار إدراج الأسماء والكيانات في قوائم الإرهاب سوى رسالة إماراتية واضحة لا لبس فيها: لا مكان للإرهاب بيننا، لا ملاذ آمناً لمن يحاول تهديد استقرارنا، لا تسامح مع من يعبث بعقولنا، لا تهاون مع من يستغل قوتنا لإضعافها.
إنها رسالة لا تقف عند حدود الإمارات، وإنما تتجاوزها إلى العالم أجمع.. إن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأنه مهما تلوّن وتخفّى فإن مصيره السقوط والانهيار أمام إرادة الدول التي اختارت طريق الأمن والاستقرار والبناء، ورفضت أن تكون رهينة لأجندات الدمار والخراب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة