ولي عهد السعودية بالأردن.. زيارة "تاريخية" تعزز التضامن العربي
وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مساء الثلاثاء، إلى الأردن، قادما من مصر، ضمن جولة يختتمها الأربعاء بزيارة تركيا.
جولة تشمل الدول الثلاث عنوانها الأبرز الارتقاء بالتعاون الثنائي وتعزيز التضامن العربي والإقليمي ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتنسيق المواقف والرؤى تجاه مختلف قضايا وتحديات المنطقة قبيل القمة العربية الأمريكية المرتقبة بجدة 16 يوليو/تموز المقبل.
أهمية خاصة
وتعد هذه زيارة تاريخية للأمير محمد بن سلمان للأردن كونها الأولى له للبلاد، بعد توليه ولاية العهد قبل 5 سنوات.
كما تعد هذه ثالث زيارة للأمير محمد بن سلمان للأردن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث سبق أن زار الأردن كولي ولي العهد وزير للدفاع في أغسطس/آب 2015، وأبريل/ نيسان 2016، وأجرى خلالها مباحثات مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وتم الاتفاق خلال الزيارتين على أهمية تعزيز التعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني بين المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية.
وأعرب الجانبان عن أهمية تعزيز التشاور السياسي بين البلدين تجاه القضايا والأزمات الإقليمية، مشددين على الأخذ بخيار الحل السياسي لها، وعلى المحافظة على وحدة أراضي دول المنطقة وسيادتها واستقرارها، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية.
أيضا سبق أن تبادل قيادات ومسؤولو البلدين الزيارات حيث أجرى الملك سلمان بن عبدالعزيز زيارة للأردن في مارس/آذار 2017، تم خلالها توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين، فيما أجرى عاهل الأردن عدة زيارات للمملكة التقى خلالها العاهل السعودي وولي عهده كان أحدثها زيارته للمملكة مارس/آذار 2021.
وتأتي زيارة ولي العهد السعودي للأردن بعد نحو شهر من مباحثات هاتفية أجراها مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، تناولت العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين، وآخر المستجدات في المنطقة والعالم.
وأكد خلالها عاهل الأردن على أهمية إدامة التنسيق والتشاور بين البلدين إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والحرص على توسيع التعاون الثنائي.
أجندة القمة
وستتصدر أجندة مباحثات الزعيمين قضايا عدة محورها العام تعزيز التضامن العربي وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات.
يأتي على رأس تلك القضايا والملفات تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على مختلف الأصعدة، لا سيما على الجانب الاقتصادي في ظل الرؤية التنموية الطموحة لولي العهد السعودي العابرة للحدود، والداعية للتعاون والتكامل، والتي تجسدت أبرز ملامحها في مشروع نيوم المشترك بين السعودية والأردن ومصر.
أيضا ستتناول المباحثات تنسيق المواقف إزاء المحاور والقضايا التي ستركز عليها قمة جدة التي يشارك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول الخليج ومصر والعراق والأردن منتصف الشهر المقبل، وبما يسهم في تفعيل منظومة العمل العربي المشترك، والنهوض بالتعاون العربي إلى أعلى المراتب.
كذلك ستتصدر مباحثات الجانبين دعم القضية الفلسطينية، التي تحظى باهتمام خاص من البلدين، إضافة إلى التوترات مع إيران ومواجهة المليشيات الإرهابية التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة، والمستجدات في اليمن وسوريا.
أيضا يرتقب أن تتناول المباحثات تداعيات الأزمة الروسية في أوكرانيا، وتأثيراتها على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وسبل دعم الأردن لمواجهة تداعيات تلك الأزمة.
وإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة، يتوقع أن تشمل مباحثات الجانبين عددا من القضايا الإقليمية والدولية، في مقدمتها الملف النووي الإيراني والجهود المبذولة على صعيد إنهاء الحرب في اليمن، وتعزيز العلاقات في شتى المجالات بين البلدين.
حراك سياسي
وتعد القمة المرتقبة بين العاهل الأردني وولي العهد السعودي، هي ثاني قمة يعقدها الأمير محمد بن سلمان خلال 24 ساعة، بعد مشاركته في قمة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال أولى محطات جولته.
أيضا تعد هذه ثاني قمة للعاهل الأردني خلال يومين بعد مشاركته الأحد في قمة ثلاثية جمعته مع السيسي وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
تأتي تلك القمم المتواصلة في إطار حراك عربي لتنسيق المواقف بين دول المنطقة قبيل قمة جدة من جانب، ولمواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجهها المنطقة على خلفية تداعيات الأزمة الأوكرانية من جانب آخر.
وثمة توافق عام على أهمية صياغة تحالف إقليمي ذي أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى وتعزيز التكامل، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التحديات التي تواجهها، خاصة بعد التحديات التي تشهدها المنطقة على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما ترتب عليها من تداعيات وتحديات طالت مختلف دول العالم.
كذلك هناك توافق سعودي أردني على أهمية توحيد الصف العربي، وتوثيق الروابط وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات.
ولطالما أكد عاهل الأردن أن أمن الأردن والسعودية واحد وأنهما يقفان صفا واحدا في مواجهة جميع التحديات، وشدد على مركزية العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين الشقيقين.
علاقات تاريخية
وتتوج زيارة ولي العهد السعودي للأردن العلاقات التاريخية الأخوية بين البلدين.
وتعد العلاقات السعودية الأردنية علاقات ثابتة ومتينة ودائمة ومستقرة ومدفوعة بالقيم والمصالح المشتركة، حيث ترجع العلاقات إلى عام 1933 عندما تم الاعتراف المتبادل بينهما، ما نتج عنه عقد معاهدة صداقة وحسن جوار لتنظيم العلاقة وترسيم الحدود.
وبعد المعاهدة، تم تعزيز العلاقات عبر تبادل الزيارات بين قيادات ومسؤولي البلدين على مدار العقود الماضية، وصولا لعهد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، حيث ارتقت العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون على مختلف الأصعدة، لما فيه مصلحة شعبيهما وأمنهما واستقرارهما، ومناصرتهما للقضايا الإسلامية و العربية.
وتتماثل المملكتان قديما وحديثا في المواقف السياسية الدولية والإقليمية، بتوافق الرؤى والمنطلقات على مستوى قيادتيهما العليا إزاء مجمل القضايا والأحداث الدولية التي تخص منطقة الشرق الأوسط أو القضايا الدولية الأخرى، في جو من التفاهم العميق والتشاور المتبادل التي تتشكل في الزيارات التاريخية المتتالية فيما بين قادة البلدين في احترام متبادل.
وقام البلدان في أبريل/نيسان 2016 بالتوقيع على محضر إنشاء مجلس "التنسيق السعودي الأردني"، بهدف تنمية وتعميق العلاقات الاستراتيجية والتشاور والتنسيق السياسي في القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون القائم بين البلدين في مختلف المجالات بما يحقق تطلعات القيادتين والشعبين.
أحد أبرز مخرجات مجلس التنسيق السعودي الأردني كان تأسيس الصندوق السعودي الأردني للاستثمار عام 2017 للاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنموية في الأردن.
كما تم تشكيل اللجنة السعودية الأردنية المشتركة، التي سعت لتذليل العقبات كافة، للارتقاء بالعلاقات الاقتصادية نحو آفاق أرحب، تحقق طموحات وتطلعات الشعبين الشقيقين، وبما ينسجم ورؤية قيادتي البلدين وتوجيهاتهما.
وعقدت تلك اللجنة آخر اجتماعاتها في الأردن يومي 28 -29 مارس/آذار الماضي، وتم خلاله توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة التي ستسهم في تحقيق أهداف اللجنة، وتبادل الخبرات والمعلومات بين البلدين في مجالات السكك الحديدية والنقل والاتصالات وتقنية المعلومات والجمارك والشؤون البلدية والهندسية والمقاولات، والشؤون الإسلامية والثقافية والإعلام، والتعليم، بالإضافة إلى الاستمرار في العمل على برنامج التعاون الموقع بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في المملكة ومؤسسة التدريب المهني في الأردن.
ويسعى الأردن لبناء علاقات شراكة تجارية وصناعية وخدماتية، جديدة مع المملكة العربية السعودية، تسهم برفد اقتصاد البلاد، لا سيما بالظروف الاقتصادية الصعبة الحالية.
ويأمل القطاعان التجاري والصناعي أن تستمر وتيرة النمو التجاري القائمة بين البلدين، لتصل لمستويات أعلى تلبي الطموحات، من خلال توسيع قاعدة السلع المتبادلة، وتعزيز الاستثمارات السعودية القائمة بالاردن، خاصة بمشروعات استراتيجية ذات قيمة عالية.
وسجلت الصادرات الأردنية إلى المملكة العربية السعودية نموا هو الأعلى منذ خمس سنوات بنسبة 27.3 بالمئة خلال الفترة ما بين 2020 -2021، بقيمة نحو 1.03 مليار دولار، فيما بلغت قيمة المستوردات خلال العام الماضي نحو 3.21 مليار دولار، بمعدل نمو 50 بالمئة مقارنة مع عام 2020.
وتعد المملكة العربية السعودية، الشريك التجاري الأكبر عربياً للأردن.
ويُقدّر حجم الاستثمارات السعودية القائمة في الأردن بقيمة تتجاوز 12 مليار دولار، موزعة على قطاعات النقل والبنية التحتية والطاقة والقطاع المالي والمصرفي والتجارة والإنشاءات والسياحة.