هذا المشهد المؤلم الذي أثار فينا جميعاً -بلا شك- نوازع الرحمة والشفقة على أشقائنا القطريين يتحمل جريرته وكبائر إثمه نظامه الأحمق
فسّر أحد الزملاء من المحللين السياسيين دموع وحشرجة وعدم قدرة أحد صنّاع سوق بورصة الأسهم في قطر على الكلام بأنها حالة تمثيلية مصطنعة مزورة لاستدرار العطف، وإثارة الشفقة على النظام الحاكم وعلى الشعب القطري الذي يعاني بسببه!.
يعلم تنظيم الحمدين أن متباكيا يظهر على الشاشات ليستدر الشفقة لن ينقذه من السقوط النهائي الوشيك، كما يعلم أيضاً أن القضية أكبر من استعطاف، وأخطر من خطأ أو أخطاء عابرة يمكن غفرانها أو الصفح عنها.
والحق أن الرجل الذي ظهر متحدثاً عن سوق الأسهم المتهاوي، والحالة الاقتصادية السيئة في قطر، لم يكن ينتحل شخصية الممثل المتباكي لاستدرار الدموع، ولم يكن إلا صادقاً في إحساسه وألمه وتوجعه مما أصابه وأصاب الشعب القطري من عنت وضيق مادي؛ بسبب تعنت وحماقة وخيانة تنظيم الحمدين الحاكم؛ فقد كان الرجل صادقاً في تعابير وجهه وأسلوب استخراج كلماته التي يغتصبها اغتصاباً، وملامح وجهه المهمل من ترتيب وتحديد لحيته وعارضيه وشاربه، وارتباك الإجابات المتقطعة القصيرة والكلمات القليلة الحائرة في صياغة ما يعبر عن الحالة بصورة دقيقة، دون أن يقع في المؤاخذة والحساب العسير من نظامه السياسي مكتفياً بكلمة «حسوا فينا»!
حالته الموصوفة تلك تتجلى فيها الانتكاسة في الهاوية السحيقة التي أوقع النظام نفسه وشعبه في أتونها.
يعلم تنظيم الحمدين أن متباكياً يظهر على الشاشات ليستدر الشفقة لن ينقذه من السقوط النهائي الوشيك، كما يعلم أيضاً أن القضية أكبر من استعطاف، وأخطر من خطأ أو أخطاء عابرة يمكن غفرانها أو الصفح عنها.
إن مأساته التي أحكم إغلاق أبوابها عليه من الجهات الأربع بأقفال ثقيلة إلا بابين لا يرويان له ظمأ ولا يسدان له جوعا ليست إلا من صنع يديه الآثمتين؛ فلم ينسج خيوطها أو يحِك فصولها من عشرين عاما سواه!
وهذا المشهد المؤلم الذي أثار فينا جميعاً -بلا شك- نوازع الرحمة والشفقة على أشقائنا القطريين يتحمل جريرته وكبائر إثمه نظامه السياسي الأحمق، وما كان أي من أبناء الخليج العربي ولا من العرب أو المسلمين بعامة يتمنى أن تصل حالة شعب غني مُترف ينام على مليارات الغاز والبترول، إلى الشكوى والتضجر من الركود والخسائر المتوالية وتردي الاقتصاد في جميع نواحيه؛ ولهذا فإن من الحكمة والبصيرة النافذة، التفكير العميق بما ستصل إليه الأمور في الشهور القادمة مع استمرار المقاطعة نتيجة مواصلة النظام السير في طريق الظلمات.
مع بالغ الألم؛ تحدث الآن في قطر مفارقة مثيرة للعبرة والعظة؛ فقد كان التنظيم يكب الأموال على شعبه كبا بمناسبة وبدون مناسبة؛ رغبة منه في كسب ولائه والصمت عن سلوكه السياسي الخائن المعادي لجيرانه وللعرب جميعاً، وطامعاً في أن يتلهى أبناء قطر بما يصبه في أيديهم صبا من رواتب ودخول عالية عن التفكير الواعي والإدراك الناضج لما يمكن أن يقذفهم فيه نظامهم من مآس نتيجة تلوث يديه بالمؤامرات ضد جيرانه؛ وبخاصة المملكة، ونتيجة ارتهانه إلى تنفيذ خطط أجنبية إقليمية ودولية واحتضانه لتحقيق ذلك جماعات وعناصر إرهابية؛ يستخدمها وتستخدمه لتحقيق المآرب المشتركة من كل طرف.
والمتوقع -مع بالغ الأسف- أن تتدهور الحالة الاقتصادية للنظام، وأن ينعكس ذلك على الشعب القطري بصورة تلقائية وفي وقت لن يطول؛ فمع مضي أقل من أربعة أشهر قرأنا عن توقف أعمال في مشروعات كثيرة؛ بسبب هروب شركات كبرى بعمالتها التي تزيد على عشرات الألوف وبمعداتها الضخمة، وتبعها تسرب مليارات الدولارات من أرصدة رجال أعمال قطريين إلى بنوك عالمية؛ خوفاً من المستقبل السياسي القاتم والمقلق، مما انعكس على كثير من وجوه النشاط الاقتصادي وأصاب الأسواق بركود ملحوظ مقترن بنوع مزعج من المخاوف، بسبب القلق النفسي الذي يسكن وجدان الشعب القطري الشقيق الحائر الذي لا يعلم إلى ما ستنتهي إليه الأمور.
إن من واجب الحكماء والعقلاء والوجهاء من أسرة آل ثاني الكريمة، وغيرهم من أبناء قطر الأعزاء من مثقفين وعلماء وتجار داخل قطر، أن يتواصلوا فيما بينهم بطرق خاصة بعيداً عن عيون النظام؛ لتدارس الوضع، وتبادل الرأي، والتفكير المتأني للوصول إلى خطة سليمة تنقذ قطر مما يمكن أن تؤول إليه الأمور لو استمر النظام في تعنته وعمالته، ومؤامراته ضد جيرانه والأمة العربية.
نقلا عن "الجزيرة" السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة